- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الخامس عشر من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللّـهُمَّ ارْزُقْني فيهِ طاعَةَ الْخاشِعينَ، وَاشْرَحْ فيهِ صَدْري بِإِنابَةِ الْمخْبِتينَ، بأَمانِكَ يا أَمانَ الْخائِفينَ).
-أولاً: أكد الدعاء على الطاعة المقترنة بالخشوع. والخشوع هو الخضوع والإستكانة، والطاعة إذا لم تقترن بالخشوع لا يحصل الإنسان على ثمار هذه العبادة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا خير في قلب لا يخشع، وعين لا تدمع، وعلم لا ينفع). والخشوع صفة معنوية في النفس، والقرآن يصرح بأن الخشوع من لوازم الإيمان، قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِي وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا). وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
والخشوع لا يحصل إلا بتفريغ القلب من غير الله عزوجل، فقلب الإنسان إذا كان مشغولاً بشواغل الدنيا فإنه لا يستطيع أن ينصرف إلى ذكر الله وتبقى هذه الشواغل تلاحقه حتى في صلاته، وهذا الخشوع الذي تتصف به صلاتنا وبقية العبادات والطاعات هو خشوع مركب من أمرين:
١- خشوع قلب الإنسان وبه صلاحه
٢- وخشوع الجوارح المتفرع على خشوع القلب وصلاحه واستقامته
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (مَنْ خَشَعَ قَلْبُهُ خَشَعَتْ جَوَارِحُهُ). فخشوع القلب أنتج خشوعاً مهماً في سلوك الإنسان وهو خشوع جوارحه فتصبح جوارحه في دائرة مرضاة الله عز وجل: (يده لاتمتد الى الحرام، وعينه لاتنظر النظرة المحرمة، ولسانه لايتكلم الكلمة المحرمة....وهكذا بقية الاعضاء).
من هنا تبرز أهمية الخشوع في صلاتنا وفي كل عباداتنا لأنه يترك الآثار العملية على جوارح الإنسان وسلوكه وأخلاقياته.
- ثانياً: إِنابَةِ المخبتين: (واشْرَحْ فيهِ صَدْري بِإِنابَةِ الْمخْبِتينَ). شرح الصدر: وهو سعة الروح وقوة الهمة والعزيمة فيها لتقبل الإيمان والتجرد عن المصالح الشخصية والشهوات والغرائز، وهذا لا يتم إلا لأصحاب الهمم العالية، وقد خاطب الله نبيه الأعظم (صلى الله عليه وآله): (الَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ).
وعندما نزلت الآية الكريمة سُئل النبي عن معنى شرح الصدر؟ فقال(صلى الله عليه وآله): (نور يقذفه الله في قلب من يشاء فيشرح له صدره). فسألوه: ألذلك علامة يعرف بها؟ فقال (صلى الله عليه وآله): نعم: (الإِنابة إِلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، و الاستعداد للموت قبل نزول الموت)٠
إذن.. هذا معنى شرح الصدر، وهو أن يفتح الله القلوب لتلقي نعمة الهداية وتقبل الايمان، قال تعالى: (فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ).
وشرح القلوب وانفتاحها إلى الله تعال وقبولها للحق، لا يكون ذلك إلا بقلوب أنابت إلى الله تعالى وعزمت على طاعته، وقلوب خشعت لله واطمأنت بذكره تعالى وهم الذين اخبتت قلوبهم، والمخبتون هم المطيعون لله وعلى خوف دائم منه، قال تعالى في بيان صفات المخبتين: (وبشر المخبتين ،الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ). وجاء في الزيارة المعروفة بزيارة أمين الله: (اللهم إن قلوب المخبتين إليك والهة). أي قلوب انقطعت إليك ياإلهي، وقد حث أهل البيت (عليهم السلام) على طلب الإنابة والعود إلى الله عز وجل في كل وقت وحين، فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: (اِلـهي اَلْبَسَتْنِي الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتي، وَجَلَّلَنِى التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتي، وَاَماتَ قَلْبي عَظيمُ جِنايَتي).
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر