- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللهم اجعلني فيه محبًّا لأوليائك، ومعاديًا لأعدائك، مستنًّا بسُنة خاتم أنبيائك، يا عاصم قلوب النبيين).
- الدعاء يتضمن أموراً ثلاثة سنبينها تباعاً بعون الله تعالى وتوفيقه:
- الأمر الأول: الموالاة لأولياء الله. المولاة تعني المحبة والمودة والنصرة والعمل على نهج من يوالي، وهذه الموالاة أعتبرها الإسلام من الأمور المحورية في الدين، وذلك لأن يحتاج لإقامته من يجسده في كل مفاهيمه ومعالمه وأحكامه وأخلاقه وقيمه التربوية في عالم الواقع والإمتثال، وهولاء يشكلون القدوة الحسنة للإقتداء بهم واتخاذهم نماذج في الإرتباط بالله تعالى والسلوك العبادي والأخلاق الإسلامية، لذا كان وجوب معرفة هولاء الأولياء وتشخيصهم ومعرفة أسماءهم، وهولاء الأولياء الذين فرض الله تعالى ولايتهم على الخلق وأمر بطاعتهم هم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، وهذا التحديد كي لا يتيه الناس في تعدد ولاءاتهم ولمن تكون! فيقع الضلال والتيه والإنحراف.
وقد دل الدليل القرآني على وجوب تلك الموالاة: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ). وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ). عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) قال: لما نزلت هذه الآية قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن أولى الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟. فقال (صلى الله عليهوآله): هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدى، أولهم على بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم على بن الحسين ثم محمد بن على صلوات الله عليهم المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه منى السلام. ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسي ثم محمد بن على ثم علي بن محمد ثم الحسن بن على ثم سميي محمد… حجة الله في أرضه، وبقيته في عباده ابن الحسن بن على صلوات الله عليهم، ذاك الذي يفتح الله علي يديه مشارق الأرض ومغاربها).
فهذه الآية والحديث فيهما واضح كوضوح الشمس على وجوب ولايتهم وأنه تعالى قد قرن طاعته بطاعة رسوله وطاعة أوليائه بعد إجمال النص القرآني، وقد بين مراده هو ماصدر عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأن أهل الببت (عليهم السلام) هم خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله) وأمناء الله على دينه وبهم تكون الهداية وبهم النجاة من كل السبل والمنهجيات المنحرفة.
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من أحب أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي التي غرس قضبانها بيده فليتول علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة).
- الأمر الثاني: تعتبر الموالاة لأهل البيت عليهم السلام والمعاداة لأعداؤهم من أركان الدين الأساسية، ومن خلالهما تتحدد هوية الإنسان ومواقفه، وحقيقة المعاداة حددت مفهومها العملي وأوضحت العلاقة مع أعداء الله الآية الكريمة: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
إذن.. علاقة الولاء لا تستقيم إلا مع وجود التبري من الأعداء ويكون أحدهما مكملاً للآخر، وهذا قد أكدته الروايات الشريفة منها ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (كذب من زعم أنه من شيعتنا وهو متمسك بعروة غيرنا). وما ورد عن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام): (اعلموا أن الله تعالى يبغض من خلقه المتلون، فلا تزولوا عن الحق وأهله، فإن من استبد بالباطل وأهله هلك).
وعليه لا يكمل الدين إلا بالأمربن معاً ولو أن أحداً أخذ بالمولاة و والى الأعداء يكون في حقيقته هو جمع التناقضات، واجتماع المتناقضات محال عقلاً فلا يجتمع الحق والباطل، ولا الهدى مع الضلال، كذلك لا يجتمع الولاية لأولياء الله مع أعدائهم، فاجتماع الأمرين كاجتماع الكفر مع الإيمان وهو محال عقلاً، والتبري يعني رفض كل منهجية وكل فكر وكل خط اتخذ سبيلاً وطريقاً غير سبيل أهل البيت (عليهم السلام)، لأنه عين الإنحراف والضياع واتباع لخطوات الشيطان وسبله المنحرفة.
- الأمر الثالث: الإستنان بسنة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله): (مستنًّا بسُنة خاتم أنبيائك)، النبي أرسل لتبليغ الرسالة الإلهية وبين واجب ونهي وما فيها من آداب وأخلاق وسنن وكل ما فيه من مصالح ضرورية لبناءالحياة وسعادتها، والقرآن وسنة النبي (صلى الله عليه وآله) أوجدا ثروة معرفية متكاملة من المناهج التربوية والأخلاقية لكل جوانب حياة الإنسان مع حفظ التوازن بين الجوانب الروحية والمادية، وسنة النبي (صلى الله عليه وآله) هي مصدر التشريع الثاني بعد القرآن لبناء الإنسان ومعالجة قضاياه ومشاكله الإجتماعية. قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ ).
فمسوؤلية النبي ( صلى الله عليه وآله) تربية النفوس على الخير والبر وهداية الإنسان وتحريره من أسر الماديات التي تكبله بمخالبها لتخرجه إلى عالم النور والهدى والحق.
إذن.. أمامنا منجماً ضخماً من سنن النبي (صلى الله عليه وآله) لإنارة حياتنا في كل حقولها، وما أحوجنا إلى الإستنان بها لأنها ترسم لنا طريق النجاة من الضياع ومتاهات السبل والمنهجيات المنحرفة في الحياة.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر