عباس الصباغ
من مفارقات الازمة التي لم تزل مستعرة بين طهران وواشنطن على هامش تداعيات الملف النووي الايراني والانسحاب الدراماتيكي الامريكي ومن طرف واحد من اتفاقية (5+ 1) التي أتاحت رفع العقوبات عن إيران مقابل تقييد برنامجها النووي ، وهو ما أثار حفيظة طهران وانزعاجها، ومن هذه المفارقات ان جميع اصحاب القرار بصقورهم وحمائمهم يدركون تمام الادراك ان الحرب التي تشير جميع المعطيات على الارض الى فرضية حدوثها في اي وقت واذا ماوقعت ـ لاسمح الله ـ فانها لن تكون نزهة لجميع الاطراف ولن يكون هنالك رابح واحد فيها ، بل ستكون تسونامي مدمرا سيحوّل الشرق الاوسط الى ارض محروقة بل هي اقرب الى حرب عالمية ثالثة إن لم تكن هي حربا عالمية بعينها، كما ستتغير الخارطة الجيوسياسية والديموغرافية وحتى الطوبوغرافية للمنطقة وقد تكون على اعتاب سايكس بيكو جديدة تتشكل بموجب توافقات دولية واقليمية جديدة تتلاءم مع المطامع الجيوسياسية للدول الكبرى، وهذه الحقائق الخطيرة وغيرها يجب ان لاتغيب عن بال اطراف الازمة لذا يجب الركون الى سياسة التعقل وضبط النفس والتروي والابتعاد عن المهاترات السياسية والتراشقات الاعلامية وتهييج الراي العام المحلي بشيطنة الطرف الاخر بأسلوب ديماغوجي فج لطالما ادى الى الاحتقان وتلويث الاجواء بين الاطراف المتنازعة ونشوب حروب دامية بينها تدفع الشعوب لوحدها الثمن الباهظ لتلك الديماغوجيا الصارخة من دماء ابنائها وثرواتها وفرص تطورها وتنميتها المستدامة، ويصدق هذا الحال على جميع الحروب التي لو تمتع اطرافها بشيء من الحنكة السياسية والبراغماتية المرنة والتنازل قدر الممكن عن سقوف الهوس الشعاراتي الصاخب والمحرّض للراي العام على عداوة الطرف الاخر تمهيدا لخوض الحروب التي قد تكون حروبا عبثية لاطائل او هدف منها، والغريب ان جميع اطراف النزاع تدّعي انها ملتزمة بسياسة ضبط النفس وهي سياسة تستخدم في المواقف التي تكاد تنفجر عسكريا أو سياسيا، فترامب يقول: (نحن لا نريد حرباً مع إيران ونسعى في تفاديها)، والامر ذاته عند الايرانيين فهم لايريدون الحرب ايضا ولايسعون اليها!!.
وبغضِّ النظر عن صدق نية الرئيس ترامب ومن عدمها والتي تخص الدعوة المفتوحة الى لقاء مباشر مع الرئيس روحاني، وهي اشارة التقطها المجتمع الدولي بكثير من الارتياح آملا تحقيق اللقاء بين الرئيسين ، الا ان طهران ترفض رفضا قاطعا حتى فكرة اللقاء وتستبعده ويبدو انها مازالت متمسكة بالنهج الثوري الراديكالي الذي لم يستطع الكثير من المحافظين ان يغادروه منذ اربعة عقود، ويحسبون اي اتصال بالغرب مهما كان هو خيانة للوطن وللثورة الاسلامية التي قادها اية الله الخميني ، فتناقلت وكالات الانباء مؤخرا عن المرشد خامنئي قوله ( لن تتفاوض إيران على الإطلاق مع أمريكا) وملوّحا الى ان عودة ايران الى اتفاقية (5 +1) مشروطة برفع الحرب الاقتصادية التي تشنها واشنطن ضدها كمحاولة لخنقها اقتصاديا في سبيل ان ترضخ ايران لسياسة واشنطن التي كثفت عقوباتها على طهران لتهوي مبيعات النفط الخام الإيرانية بأكثر من 80 بالمئة ، ومع هذا فقد كان العالم ينتظر استجابة اكثر مرونة من ايران ليس لتحقيق لقاء (ترامب / روحاني المفترض) على غرار اللقاء التاريخي الذي تحقق بين الرئيسين (ترامب وكيم) بعد خصومة شرسة ، وانما للتخفيف ايضا من حدة التوتر والتقليل من الاجواء الملبدة بالتلاسن الاعلامي والحرب السياسية الباردة اضافة الى مناخ الحرب كالفعاليات شبه العسكرية المتبادلة مثل اسقاط الطائرات واحتجاز السفن والتلويح بإجراءات اقتصادية متقابلة كالعقوبات الاقتصادية الشاملة ضد طهران يقابلها التلويح بغلق مضيق هرمز من قبل ايران ، كل هذه الامور وغيرها هي اشارات ومقدمات قد تؤدي الى حرب حقيقية شاملة ومدمرة في حال تهور احد الاطراف، على سبيل المثال الاتهام الذي وجّهته واشنطن لطهران على خلفية ضرب الحوثيين لشركة ارامكو السعودية بان الهجوم الصاروخي شن من اراضيها وهو ما رفضته طهران رفضا تاما وعدته استفزازا ضدها، وهذا سبب كاف لاشعال فتيل الحرب بينهما لذا لامناص لكل من واشنطن وطهران سوى ممارسة اقصى حد من ضبط النفس، وانتهاج الحوار لحل الخلافات والحفاظ على ماء الوجه قبل التورط في حرب لاتبقي ولاتذر يخسر فيها الجميع.