زينب العارضي
لاشك ان النجاح هدف نبيل، وغاية سامية تتوق لها النفوس، وتبذل في سبيلها الجهود، ويسعى لها البشر على اختلاف أفكارهم وبيئاتهم وطبقاتهم ومواقعهم، إلا أن المعلم ينبغي ان يكون أكثر سعيا للنجاح من الجميع؛ لأن نجاحه في أداء عمله لا يقتصر أثره عليه وحده، بل يمتد نفعه وأثره للمجتمع بأسره.
فالمعلم صاحب رسالة عظيمة يستطيع ان يهندس من خلالها العقول، ويبني صرح الفضائل في النفوس، ومن ثم يكون به وعلى يديه رسم إطار الأمة الرائدة ومستقبلها.
وربما يمكنني القول أن دور المعلم اليوم يتأكد أكثر ويحتل موقعا متميزا ومتقدما في زمننا هذا؛ وذلك بسبب الانفتاح الكبير والهائل الذي ابتلينا به مع غياب دور معظم الأسر في تربية الأبناء على النهج القويم، مما يفرض على المعلم ان ينهض لأداء رسالته، ويسعى لانتشال المجتمع برمته، من خلال تربية تلاميذه وطلبته على الخير والصلاح، واعدادهم ليكونوا أصحاب فكر نير، ورسالة سامية، مؤهلين لأحداث التغيير الإيجابي على مسرح الحياة في أيامهم القادمة.
ومن المؤلم جدا والمخيب للآمال أن نرى من يعقد عليه الأمل، وتتطلع له العيون مائلا من الصواب إلى الخطأ، منتهجا نهجا لا يأتي من ورائه إلا ضياع الجيل وفراره من محاضن التربية والتعليم إلى بؤر الضياع والتشرد!
وقد تتساءلون:كيف ؟ وما الأمر؟
نقول: انه العنف المدرسي الذي يمارسه الأب الروحي للتلاميذ في ساحة المدرسة، وبين جدرانها التي كنا نأمل ان تحتضن من لم تتهيأ لهم الأسر الملتزمة، لتعيد بناء شخصياتهم وتبدع في رسم حاضرهم ومستقبلهم، ولكن يا للأسف.
فالمدرسة مؤسسة تربوية، والمعلم ربان سفينة الإبداع فيها، ومن المؤسف أن تطفو على سطحها سلوكيات تنافي القيم التربوية، فهذا مؤشر خطير يحكي خللا وأزمة قيمية حادة تنبئ عن عدم قدرة هذه الحاضنة التربوية الخلاقة على القيام بمهامها كما هو مطلوب.
نحن نعلم ان ضغوطات الحياة كثيرة، وازماتها متعددة، وجيل اليوم يختلف عن جيل الأمس، لقد بات أكثر حركة، وأشد جرأة وربما اقل أدب.
جيل اليوم متعب، لايقرا جيدا، كثير التمرد، قليل الاهتمام بالدرس، طباعه صعبه، ربما هذه وأمثالها تتسبب في فقدان الصبر، وتقلص سعة الصدر، وخيبة الامال في نتائج الجهد المبذول خاصة مع تأنيب الإدارة المدرسية، وعتب الأهالي، وهجمات وسائل الإعلام المختلفة.
لكن كل هذا ليس مبررا لاستخدام العنف ضد الأطفال في المدرسة سواء كان عنفا جسديا بالضرب، أو نفسيا بالإهانة والتحقير لأسباب أهمها:
1. أن ذلك يتنافى مع مسؤوليتك وعظمة رسالتك كمعلم تعد الأجيال السوية القادرة على الإبداع والعطاء.
2. ان هذه الأساليب العنيفة لا تفلح في تحقيق مرادك من ضبط التلاميذ وتربيتهم، بل قد تكون سببا في ضياعهم وتشردهم أو في نشوء العقد النفسية والاضطرابات السلوكية في مستقبل حياتهم.
3. لا يجوز لك ان تؤذيهم بمد يدك عليهم ؛ لانك مؤتمن على هؤلاء، ومقتضى الأمانة أن ترعاهم مع ملاحظة ان الطفل ليس كبقية الأمانات كالذهب والمال وغيرها؛ لأنه أغلى الموجودات واشرفها واكرمها على الله تعالى.
4. إن للعنف أثرا سيئا وخطيرا على نفس المتربي قد يجعله ينزلق في مستنقع رديء، ويتخبط في وحل المشاكل والازمات،وقد تصاحب آثار العنف هذه حياة المعنف حتى آخر عمره.
وقد تتساءل أخي المعلم كيف اتجنب ذلك وكيف اجعل صفي مميزا دون اللجوء إلى العنف؟
وهنا نقول عليك ب:
1. سعة الصدر:يقول الإمام علي عليه السلام:(آلة الرئاسة سعة الصدر) فسعة الصدر مهمة جدا في مسيرتك وعملك، فالغضب والتوتر داخل المدرسة يجعلك تفقد السيطرة على زمام الأمور، فتتحول قاعة صفك إلى ثكنة عسكرية يحكمها مسؤول متطرف يملأ جوها رعبا وخوفا وقلقا.
2. تعرف على خصائص ومميزات المرحلة التي تتولى تربيتها وتعليمها، فأكثر ما يثير المعلم هو تصرفات بعض التلاميذ التي لم يشاهدها من قبل، أو لم يكن يتوقع حدوثها، لكن عندما تتعرف على خصائص كل مرحلة وتطلع على مميزاتها ومشاكلها ستنظر إلى الأمور بواقعية، وستعرف كيف تتعامل معها بشكل تربوي سليم.
3. استحضار الهدف:فإذا جعلت هدفك امام عينك، وشعرت انك في ساحة جهادك وعبادتك، وان عليك أن تؤدي وظيفتك كما يريد الله تعالى لك، ستهون الصعاب وتتضاءل المعوقات مهما كانت.
4. انت قدوة: شئت ام ابيت انت قدوة لتلامذتك وطلابك،فهل يمكن ان تنكر عليهم فعل شيء انت تفعله امامهم؟!
إن أعين المتعلمين معقودة بك؛ لذا عليك الحذر وانتقاء أفعالك وكلماتك، وكل حركاتك وتصرفاتك بدقة عالية.
5. اغرس فيهم القيم والأخلاق، وكن قريبا منهم، حاول ان تتعرف على مستوياتهم وأسرهم وتفكيرهم ومواهبهم، واستشعر عظيم الأجر الذي ستناله في دنياك واخرتك،وتصور ما سيؤول إليه حالهم أن أحسنت واجدت في تربيتهم وتعليمهم،فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله:(ان المعلم اذا قال للصبي بسم الله كتب الله له وللصبي ولوالديه براءة من النار).
ختاما استعن بالله وابدأ رحلة النجاح وضع أقدامك على الطريق وتذكر ان من سار على الدرب وصل وان:.
ومن تكن العلياء همة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محبب
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً
- البيجر...والغرب الكافر