- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الإمام الحسين عليه السلام هدية يتيمة للأحرار
حسن كاظم الفتال
الإمام الحسين صلوات الله عليه نوره رباني منبثق من نور جده المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وهو المشارك جده صلى الله عليه وآله والمقصود معه بمضمون ومفهوم ومنطوق التصريح والإعلان الإلهي (إنا أرسلناك رحمة للعالمين) وهو غصن يانع يافع من دوحة إلهية أصلها في الأرض وفرعها في السماء.وهو الذي تتصل سريرته الزكية بسريرة جده صلى الله عليه وآله الطاهرة وهي مزدهرة بنفحات الخير والبركة وضميره المستقر فيه العز والإباء والزهو والكبرياء تجذر وتأصل وتنامى فيه رفض الذل والخنوع.
إمام معصوم وهبه الله الحق في الولاية التشريعية والتكوينية وهذه الولاية تحصنه من أن يساوره خنوع أو خضوع إلا لله عز وجل.
قدح وجدانه النقي زند الجهاد للعقيدة وفاضت في نفسه الزكية فيوضاته ولم يَسرْها في نفسه بل أعلنها على الملأ إنتفاضة يؤسس بها مشروعا إنسانيا مقدسا بنهضة مباركة وانتفاضة مبجلة ضد الفساد والتجبر والتهور الذي ساد ذلك العصر وكاد أن يمحو ذكر الرسالة المحمدية السماوية العظيمة ويميت وحيها.
فانبثقت النهضة المتميزة بتفردها إذ هي لا نظير لها لا من قبل ولا من بعد.
إن من ابرز المرتكزات التي ارتكزت عليها نهضته المباركة أنه الوحيد الأوحد الذي تفرد بخاصية ثبوت أحقية الإمتدادية الرسالية لجده صلى الله عليه وآله.ولعل خير مصداق لذلك قول جده صلى الله عليه وآله: (حسين مني وأنا من حسين) وهذه المِنّيَةُ والأحقية دعت إلى أن يبادر ساعيا إلى نزع الأقنعة التي غطت بعض الوجوه الكالحة لأئمة الظلم والجور والطغاة وأن يمزق كل ستار فتعرت تلك الوجوه أمام الذين اكتسبوا وعيهم التام بعد أن استلهموا أبلغ الدروس وأعظمها من إمامهم صلوات الله عليه.
وحين احتدم الصراع كان هو الأقدر على أن يطوي بنور عصمته وجلالة نهضته صفحة ظلام العبوديات ويُزيلَ الغشاوة عن العيون وأن يحققَ من خلال مشروعه الإنساني الإصلاح بتمام معانيه وكمال طبيعته وكينونته وأصر ساعيا لانتزاع كل أردية العبوديات وتخليص الإنسان منها. لكي يمد صراط نجاةٍ يجتازه كل التائقين للإنتماء إلى المدرسة الحسينية والمقتدين بالمنهج الحسيني العظيم لبلوغ بر الأمان.
وكان تحديد أهدافه منسجما تماما ومساوقا لانطلاقة إنتفاضته فما أن حدد أهدافه السامية ونشرها على أفق الواقع حتى انتفض بكل صلابة وقدرة وقوة وزهو وعنفوان.
وقبل أن يبتدئ مسيره الجهادي رسم خطته الجهادية بل نقشها على قمم عاليات صروح السفر المشرف عازما على تحقيق أهدافه الإنسانية كامل التحقيق. بعيداً عن المساومات والمزايدات وإطلاق الشعارات المزيفة.
وبرهن غاية البرهان على مصداق نيته بإطلاق صرخته المدوية المشهورة التي لازمت التاريخ ولازمها التأريخ.
وفعلاً قد حقق أهدافه حتى ولو بعد حين إنما كلفه ذلك ثمنا غاليا لا مثيل له فهو المضحي بكل غالٍ ونفيس والمقدم أغلى القرابين.
صرخة (لا) كانت مرآة نقية صافية زاهية تعكس نقاء وصفاء ضميره العقائدي المبجل المتسامي تمرت بها العقيدة فاصطبغت بنصاعتها البهية وطبعت ملامح الكرامة واضحة بأبهى الوضوح.
تلك الصرخة التي أطلقت بوجه الطغاة فدحضت كل سياساتهم وفندت كل حججهم وأبطلت كل ذرائعهم ووسائلهم المبتكرة وخمّدَت أصواتهم النكرة.
اخترقت كل الحجب وزلزلت ما لم تزلزله أقوى الجيوش والمسالح وزعزعت أركاناً كثيرة من تلك التي شيدها الشرك وشيدتها المطامع والمطامح والمصالح والغرائز والشهوات.
لم تكن صرخة تشبه الصيحات إنما كانت إيذانا بزلزال قلب عروش الظلم والجور والطغيان رأسا على عقب ودمغ بها الباطل وحصحص الحق.
أو هي كانت نجوى ملكوتية تلقفتها الملائكة لتعرج بها إلى العرش وتستأذن لتعود بهبوطها لمناصرته فتعينه على مناصرة الحق.
صرخة ظلت تجوب في آفاق الرسالة المحمدية العظيمة. ودونها التأريخ بل اكتساها متشرفا بالإكتساء لتمتد مع امتداده وتصاحبه ضمانا لرفعة شأنه. ثم صاغها درسا بليغا تتعلمه الاجيال وتكتسب منه العظة والعبرة.ثم استحالت منهاجا ينتهجه الأحرار الساعون أو المبادرون إلى مقارعة الظلم والطغيان والطغاة والعتاة.
وقد دونها التأريخ حين وجدها بأنها تستحق الخلود واتخذها شارة مجده يتزين بها وأعلن تمسكه التام بأبعادها ومعطياتها وكل مفاصلها وآلَ على أن يحتفظ بها طي سجله ويضمن لها سلامة المسار والخلود.
وصارت عنوانا بارزا من عناوين القضية الحسينية العظيمة المباركة
وبما أن الأجيال تود كثيرا للتفاعل مع ما يدون التأريخ من مآثر ومناقب فراحت تسعى للحفاظ على هذه المدونة
وسعت للانتساب إلى كل مفاخر التأريخ وبادرت للحفاظ على خلودها والسعي لديمومتها كما هي بكل أبعادها ومعطياتها وتاقت الأجيال كثيراً لأن تحافظ على ديمومة مجرياتها
فسلامٌ لموعد رباني كان أوانه مخاضاً استلت منه العقيدة نورا محمديا لينشطر فشع نور حسيني فأنجبت حسيناً تشرف الكون بانبثاقه المبجل.وسلامٌ عليه في ذلك الأوان وضيائه. سلامٌ على مانح الشهادة زهواً ومرتبة للسمو لتعتلي ذرى الكرامة. وسلام عليه وسلامٌ على يوم أطلق صرخته لتعج بها فضاءات الحرية. وسلامٌ على تلك الصرخة التي أنشأت جسرا لعبور الأحرار إلى ضفاف الكرامة. سلامٌ لكل المقتفين ذلك الأثر. والتائقين لعبوره.وسلامٌ لكل الموالين لمن أحاط الدنيا بمجد كرامته ونداء تحرره. وهنيئاً لهم جميعا.
حسن كاظم الفتال
أقرأ ايضاً
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة
- البكاء على الحسين / الجزء الأخير