- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
رئيس هيئة النزاهة السابق يكتب:الفاسدون بين نظريتي حُسن الظن وسوئها ..الحلقة الثانية
بقلم:د.حسن الياسري
استكمالاً للموضوع الذي بدأناه أمس، نشير إلى أنَّ الفاسدين والكاذبين ما زالوا مستمرِّين في مشروعهم، ولكي يمضوا في تحقيقه ؛ فإنهم يستغلون كلَّ وسيلةٍ مُمكنةٍ، ومنها بعض وسائل الإعلام ؛ بغية نشر أكاذيبهم وتحسين صورتهم لدى الناس!!
ومن أجل معرفة هؤلاءِ ؛ فإنَّنا - ومن واقع التجربة - نتوجَّه إلى الجمهور والناس الطيِّبين النزيهين بمعيارٍ موضوعيٍّ، يُمثِّلُ مجموعة أسئلةٍ تميز الصالحَ من الطالح من هؤلاءِ.
وهذا المعيار هو الآتي:
حتَّى تُميِّزوا بين الكاذب من هؤلاء وبين الصادق منهم، اسألوهُ بعض الأسئلة عن موقفه تجاه بعض مقترحات النزاهة للنهوض بمشروع مكافحة الفساد في العراق، وهل وقف داعماً، أو غير ذلك ؟
فإذا ثبت بالدليل الماديِّ الملموس - وليس مجرد كلام - أنَّه كان داعماً، فهذا صادقٌ يستحقُّ الاحترام والتقدير، وإذا ثبت عكس ذلك أو ثبت أنَّه لا يملك إلا لقلقة لسانٍ عن الفساد، فهذا فاسدٌ، أو كاذبٌ في أقلِّ التقادير.
وهذه بعضٌ من الأسئلة التي تميط اللثام عن هذه الحقيقة:
أ- لقد وضعت الهيئة مُسوَّدات مشروعات قوانين كثيرة لمكافحة الفساد، منها:
قانون الكسب غير المشروع، وقانون حق الحصول على المعلومة، وتعديل كلٍ من: قانون العقوبات ؛ لتشديد عقوبات جرائم الفساد، وقانون العفو العامِّ، وقانون الانتخابات، وقانون الأحزاب السياسيَّة، وقانون التضمين، وقانون أصول المحاكمات الجزائيَّة..الخ، التي ناهزت العشرين!!!
السؤال:
مَن مِن هؤلاء دعم موقف الهيئة في هذه القوانين - بشكلٍ عمليٍّ لا لقلقة لسان - ؟؟
ب- حينما بدأت الهيئة بدايةً قويَّـةً في عام 2015، وفتحت آلاف القضايا، منها عشرات القضايا بحقِّ مسؤولين كبار في سدَّة السلطة، من وزراء ونُوَّاب ومحافظين ودرجاتٍ خاصَّةٍ...الخ، - كما ذكرنا ذلك أمس -، وهي بادرةٌ تحصل لأول مرَّةٍ في تأريخ العراق والمنطقة.
فماذا كانت ردَّة فعل المنتقدين..؟ّ! لقد قاموا بإقرار قانون العفو العامِّ، وشملوا به جرائم الفساد، مُوهِمين الناس أن مراد القانون إنصاف الأبرياء والمظلومين المُتَّهمين جزافاً بالإرهاب، ولم يذكروا موضوع الفساد ؛ حتَّى لا يُثيروا الناس عليهم!!
ولم يعترض على إقحام جرائم الفساد بهذا القانون بشدَّةٍ سوى هيئة النزاهة، عبر مُخاطباتٍ رسميَّـةٍ وجَّهناها الى البرلمان، فضلاً عن البيانات الصحفيَّة التي أصدرناها!!
السؤال:
هل تكون مكافحة الفساد بالعفو العامِّ وإطلاق سراح - بعض اللصوص الكبار - الذين دفعنا تضحياتٍ جساماً في التصدِّي للتحقيق معهم ؟!!
وهل رأيتم أو سمعتم بلداً يعاني من الفساد، بإقرار الجميع، يتمُّ فيه مكافأة الفاسدين - الذين ثبتت عليهم التهمة دون غيرهم - بالعفو العامِّ، بدلاً من تشديد العقوبات عليهم ؟!!
فإذا كانوا يعرفون بلداً مُحترماً سبقهم في ذلك فليخبرونا به!!
ثمَّ..كم واحداً من هؤلاءِ دعم موقف الهيئة في رفض شمول جرائم الفساد بالعفو العامِّ ؟
نحن نعلم أنَّ الداعمين للهيئة في هذا المقام كانوا لا يتجاوزون أصابع اليد، لكنَّ السؤال يحتاج إجابةً!!
ج- لقد قامت الهيئة في منتصف عام 2016 بوضع الاستراتيجيَّة الوطنيَّة لمكافحة الفساد، وهي استراتيجيةٌ عمليةٌ ميدانيةٌ جريئةٌ لمكافحة الفساد على مستوى الدولة، وتتضمَّن منهجاً وآلياتٍ قانونيةً وإداريةً لمكافحة الفساد. ولقد بُحَّ صوتنا لمُدَّة عامين ونحن نطالب بالوقوف إلى جانب الهيئة ودعمها ؛ بغية قيام الجهات المعنية بإقرار الاستراتيجيَّة، لكنَّها لم تُقر لغاية الآن!!
السؤال:
مَن مِن هؤلاءِ سمعتموه يوماً يذكر هذه الاستراتيجيَّة أو يُلمِّحُ إليها، ولو مجرد تلميحٍ، فضلاً عن دعمه للهيئة في مطالباتها بضرورة إقرارها ؟!!
ولماذا غُيّبَت هذه القضيَّة المفصليَّة المُهمَّة عن عموم الناس والرأي العامِّ ؟!!
ولماذا لم تتطرَّق إليها وسيلة إعلامٍ واحدةٌ، رغم مطالباتنا المُستمرَّة بها في جميع المحافل لسنتين مضتا، وقيام الهيئة باطلاع الكثيرين عليها من الفعاليَّات المجتمعيَّة المُختلفة، فضلاً عن نشرها في موقعها الرسميِّ ؟!!
وعلى الرغم من حديث الجميع عن مكافحة الفساد، لكنَّ أحداً لم ينبسْ ببنت شفةٍ عن هذه الاستراتيـجيَّة التي تضمَّنت حـلولاً عمـليةً وجـريئةً لمكـافحة الـفسـاد في الـعـراق، وبقيت حبيسة الأدراج وكأنها أُعِدَّت لمكافحة النزاهة لا الفساد!!
د- لقد قامت الهيئة أيضاً بوضع رؤيةٍ عمليَّةٍ لمكافحة الفساد في منتصف عام 2016، ورسمت خارطة طريقٍ لمكافحة الفساد في نهاية عام 2017. وكلُّ ذلك عبارةٌ عن إجراءاتٍ عمليَّـةٍ وآلياتٍ قانونيَّـةٍ ممنهجةٍ لمكافحة الفساد، وكانت بمثابة العلاج الحقيقي والشافي لمن شاء أن يحارب الفساد حقاً وصدقاً!!!!
السؤال:
مَن مِن هؤلاءِ دعم هذا التوجُّه ووقف إلى جانب الهيئة في تبنِّي هذه الخطوات العمليَّة لمكافحة الفساد، ما دامت نيَّـتهم مُنعقدةً لمكافحة الفساد - كما يقولون - ؟!!
ولماذا تُهمل هذه الإجراءات والآليات لمكافحة الفساد، التي كان من المفترض أن يقوموا هم بوضعها وتبنيها، لا الهيئة، كما يحدث في دول العالم، إذ بهذه الإجراءات التي قمنا بها في هذا المقام عُدّت الهيئة الأولى على مستوى العالم التي تخطو هذه الخطوات. ومن لديه معلومةٌ أخرى عن هيئة مكافحة فسادٍ في العالم من سبقتنا في ذلك فليخبرنا بالدليل!!
ومع ذلك فقد خففنا العبءَ عن الجميع، وقمنا بوضعها، وطالبناهم بالنهوض بمسؤوليتهم الوطنية والقانونية ؛ عبر إقرارها والأخذ بها، أو ببعضها في الأقل!!
والمحصلة أنهم لم يضعوها، ولم يُقرّوها، ولم يدعموها، ولم يشيروا اليها ولو إشارةً عابرةً!!! ولو كان ذلك في دولةٍ تحترم نفسها وشعبها لشاهدتم الإعلام فيها يخوض بهذه الإجراءات والخطوات العملية لمكافحة الفساد ليلاً ونهاراً ؛ بغية اطلاع الجمهور عليها وحث الدولة على الأخذ بها للقضاء على الفساد، أو للتخفيف من غلوائه في أقل تقدير!!!
إنَّ هذه الأسئلة وغيرها الكثير الكثير لهي تُؤكِّدُ بالدليل القاطع كلامنا الذي طالما كرَّرناه، وهو أنَّ مكـافحة الـفساد إرادةٌ ومنهـجٌ وآلـياتٌ عمـلـيةٌ، ولـيست لقلقة لسانٍ، وأنَّ الذي لديه الإرادة الكاملة لمكافحة الفساد والنيَّة الحقيقيَّة للقضاء عليه، قد وقف إلى جانب الهيئة ودعمها في هذه المطالبات، وأنَّ غيره قد وقف بالندِّ من ذلك!! وأنَّ هذه المطالبات لهي تصبُّ بالمحصِّلة في طريق مكافحة الفساد، ولا شكَّ أن النزيه يدعمها، وأنَّ الذي يخاف منها هو الفاسد والكاذب!!
وهل يُعقَلُ أنَّ نزيهاً يقوم بمحاربة النزاهة بدلاً من محاربة الفاسدين - كما ترون وتسمعون يومياً في بعض وسائل الإعلام -، مع أنَّ النزاهة كانت تخوض غمار حربٍ ضروسٍ مع كبار الفاسدين ؟!!
وهل مثل هؤلاءِ الذين ذكرناهم لكم يكونون في فئة (النزيهون) أو في فئة (الفاسدون وأذنابهم) .. مع التنويه أنَّ بعض هؤلاءِ لم يكن ليعلو صوته وينقد النزاهة سابقاً عندما كانت تغطُّ في سباتٍ قبل عام 2015، والحليم تكفيه الإشارة!!
ثم يأتي من بعد ذلك من يقول، لماذا لم تتكلموا سابقاً، وكأنه لا يعلم أن أصواتنا بُحّت من الكلام، وأقلامنا جفت من الكتابة، طيلة المدة المنصرمة، ولكنك أسمعتَ إذ ناديتَ حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي!!!
فلم يبقَ أمامنا من بدٍ سوى الاستقالة التي قدمناها ؛ بوصفها صورةً من صور الرفض لما حدث وما يحدث، مما قلناه وكررنا القول فيه، بعد أن أرعبنا الفاسدين، وأبلغنا في النصيحة، وألقينا الحجة على الجميع!!
إنّ عدم علم البعض بإجراءاتنا وعملنا لا ينفي ذلك العمل، بل يؤكد حقيقةً مؤداها ؛عدم تغطية بعض وسائل الإعلام لعملنا من جهةٍ، وعدم متابعة الناس لأمورٍ مثل هذه من جهةٍ أخرى!!
الإخوة الأعزاء:
إنَّ كلَّ ما ذكـرناه لا يعـني – كـما ألمـحنا مـراراً- عـدم وجـود الـخيِّريـن الـوطنـيِّين، من الفعاليَّات المُختلفة، الذين تعاونوا - وما زالوا - مع مشروع النزاهة قلباً وقالباً، ووقفـوا إلى جـانـبها ودعمـوها.. فهؤلاءِ هم الـنزيهـون حقـاً، الـذيـن نُؤكِّدُ أنَّ كـلامهم في مكافحة الفساد صادقٌ، بيد أنَّ هؤلاء يُمثـلـون – للأسـف الشـديـد- القلة القليلة والنزر اليـسير؛ فــ)أَكْثَرُهمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) ) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ( .
أقرأ ايضاً
- النفط.. مخالب في نوفمبر وعيون على الرئيس القادم لأمريكا
- لا مكان لـ "حُسْن الظن" في السياسة
- حادثة "كروكوس سيتي" أليست رسالة دولية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين"