منذ فجر التاريخ تعاقبت على العراق حضارات عديدة هي إنجازات دول عديدة، وغالبا ماتنشأ كل دولة على أنقاض دولة سبقتها فتعيد بناء ماتهدم أو تنشأ الجديد ، وكل تلك الحضارات أغنت العالم بالكثير وتركت آثارا يفخر العراقيين بأنها إرث أجدادهم. فالسومريون فتحوا أبواب المعرفة بتقديمهم الكتابة للعالم والبابليون صنعوا التاريخ بقوانينهم ويكفي العباسيين فخرا إنهم أنشأوا بغداد وقدموا للعالم الكثير من فنون العمارة ومن العلوم والآداب. وحتى احتلال الأتراك والأنكليز ترك بعض البصمات الحضارية في العراق كالسكك الحديد والجسوروتقدمت دولة العراق الحديث حتى كادت أن تلحق بدول العالم المتقدمة ، لكن حضارة السلاح التي جلبها النظام السابق أوقفت عملية النمو الحضاري وتحولت أرصدة العراق الى رصاص وعرضت رؤوس أبناءه للبيع حسب الطلب. ومع بزوغ كل حضارة يحلم المواطن العادي بازدهار الوضع الامني والأقتصادي عله يستطيع تحقيق بعضا من أحلامه المؤجلة، وخلال الثلاثين عاما التي سبقت العام 2003 شكلت أحلام العراقيين المؤجلة طبقة من اليأس في سماءهم حتى إمتنع المطر عن النزول وانخفضت مناسيب دجلة والفرات وهدد البلد بالجفاف. وبعد بزوغ دولة الديمقراطية، تنفست سماءنا الصعداء بعد إن تدافعت الأحلام راكضة لتأخذ دورها على أبواب المسؤولين ورغم زيادة الطوابير يوما بعد يوم حتى عبرت أبواب الوزارات والمؤسسات الحكومية لم يداخل اليأس المواطن العراقي الذي تدرب على (الأستراحة والأستعداد)، وشيئا فشيئا تواضعت أحلامه المتعلقة بشقة في المجمعات السكنية الحديثة وسيارة حديثة وانزوت فاسحة المجال للحلم التقليدي الذي لايتعدى وظيفة يكفي راتبها لسد رمق العائلة. وخلال السنوات الخمس الماضية كان المواطن العراقي يقضي أغلب أوقات فراغه (إن وجد) في التكهن في نوع الحضارة التي ستزفها الدولة الجديدة للعراقيين والعالم، ووسط فوضى المفخخات والأحزاب السياسية والممارسات الديمقراطية أصابه الدوار وكف عن التكهن مقتنعا بأن الحضارة (المفاجأة) ستكون بمستوى التغييرات الجذرية الضرورية لمعالجة الدمار الشامل الذي لحق بالبنية التحيتة للبلد بعد عمليات الحوسمة والتخريب التي رافقت دخول الفاتحين. وبزغت (حضارة الحواجز) جوابا شافيا لكل التساؤلات، فارتفعت الهياكل الاسمنيتة لتمزق أوصال بغداد وتحولها الى علب كارتون مبعثرة في محل مهجور، وكالعادة تسابق الفنانون لتزيين الحواجز بلوحاتهم وتزاحم معهم التجار الصغارالذين وجدوا في الحواجز حيزا مناسبا لأعلاناتهم بينما تسابق التجار الكبار (كالعادة) للمساهمة بعد إن بلغت أسعار الحواجز ملايين الدولارات، ووسط فرحة المواطن بهذه الحضارة المبتكرة تساءل فقط، ببساطة، كيف يمكن تصدير هذه الحضارة للعالم؟
أقرأ ايضاً
- المنبهر بالغرب يطعن في الإسلام ويلمّع بحضارة الغرب
- البصرة.. المدينة المغربية الرائده في الحضارة
- سقوط الحضارة