من المسلم به أن الإسلام دين للهداية وسعادة لبني الانسان وإنقاذ للبشرية كافة من الضلالة والضياع وإذ اخذ الإسلام سبيله إلى العالم كافة فلكونه متناغما مع الفطرة الإنسانية (فطرة الله التي فطر الناس عليها) وشريعة الحق والعدل الذي عبر عنه القرآن الكريم بالقسط والميزان ولكون نبيه محمد (ص ) أرسل للناس كافة بشيرا ونذيرا ولم يرسل إلا رحمة للعالمين .
وتأتي انسانية النهضة الحسينية تجسيدا للإسلام بكل عقائده وتشريعاته فالإمام الحسين (ع) مصداق من مصاديق الحق الذي جاهد من اجله جميع الأنبياء والصالحين على كوكبنا فالصراع بين الحق والباطل والصلاح والفساد والعلم والجهل بدأ منذ ادم (ع) بين ابنيه هابيل وقابيل ثم توالت حلقات هذا الصراع عبر القرون والأحقاب فلكل زمان ومكان شواهد على ذلك المسلسل بين نوح(ع) ومعارضيه وبين هود (ع) وقومه وصالح (ع) وثمود ولوط وقومه ثم ما جرى مع النبي موسى (ع) وفرعون وللآخرين وكذلك بين النبي عيسى (ع) واليهود ثم ما تحمله الرسول الخاتم (ص) من الأذى في صراعه مع الكفار والمنافقين والمشركين وهو القائل (ص) :(مااوذي نبي مثلما أوذيت ) ثم اشتد الصراع ليأخذ أشكالا وأساليب جديدة وكادت معالم الدين الحقيقي ان تندثر ويزول الحق عن مقره ويغلب الباطل اهل الحق فتولى الإمام الحسين (ع) إذ كان إمام عصره قيادة تلك الحلقة من الصراع ومعه نخبة من أهل بيته وأصحابه الذين عرفوا بأسمى القيم والفضائل الإنسانية فكانت ثورته في عاشوراء نهضة سياسية اجتماعية أخلاقية تجسدت فيها أصول العقيدة الإسلامية وفروعها وأعطت دروسا في جميع مكارم الأخلاق والسمو الإنساني في جميع أركانها وتفصيلاتها إذ كانت نهضته ذات بعدين: البعد الأول روحي فكري عقائدي والبعد الثاني عملي ليكون بحق وارثا لجميع الأنبياء والمرسلين الذين قادوا حلقات الصراع كلا في زمانه لتستمر حركة الإصلاح على هذه الأرض ولكي يسود العدل ولكي لا يطغي الظالمون فيؤدي ذلك إلى فساد الأرض وزوالها .
ان نهضة الإمام الحسين (ع ) هي رحمة للناس إذ هي امتداد للرحمة الإلهية التي منّ الله بها على البشرية والمتمثلة بالنبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وسلم) (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وبذلك أودع الخالق سبحانه جميع مقومات التناغم والتناسق مع الفطرة البشرية السليمة أدلة كثيرة على ان هنالك الكثير من الفلاسفة والمفكرين وكبار الزعماء والسياسيين والأدباء من غير العرب والمسلمين عندما اطلعوا على قضية الإمام الحسين (ع) ونهضة عاشوراء -وذلك بضرورة إطلاعهم على حوادث التاريخ الإنساني- نجدهم اشد ما يتأثرون بشهادة الإمام الحسين (ع) وشخصيته ونهضته فهذا الفيلسوف الإنكليزي وليم لوفتست يقول (لقد قدم الحسين بن علي ابلغ شهادة في تاريخ الإنسانية وارتفع بماساته إلى مستوى البطولة الفذة ) وهذا المستشرق الاميريكي كوستاف كروينام يقول (لقد أثرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين الرجل النبيل الشجاع في المسلمين تأثيرا لم تبلغه أية شخصية مسلمة) وذلك المستشرق الفرنسي لويس ما سينون يقول (اخذ الحسين بن علي على عاتقه مصير الروح الإسلامية وقتل في سبيل العدل في كربلاء ) والباحث الإنكليزي جون اثر يقول (ان مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي) وقال محرر الهند المهاتما غاندي (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فانتصر ) وأقوال كثيرة باتت معروفة من الأدباء غير المسلمين والجدير بالذكر ان هؤلاء الكتاب والمفكرين والأدباء والزعماء التقوا مع الإمام الحسين ببعده الإنساني مع فكره وسلوكه ومبادئه الإنسانية برفضه الظلم والاستعباد والفساد والإرهاب، أنهم مع الإمام الحسين (ع )ومتأثرون بشخصية الإمام الحسين (عليه السلام) الإنسانية وأخلاقه النبيلة السامية وسلوكه وتضحياته وثباته إذ ينبغي إيصال مضامين النهضة الحسينية إلى جميع أنحاء الدنيا فمن حق كل إنسان في العالم ان تصل إليه معارف ومبادئ النهضة الحسينية وهذه النهضة ليست لفئة واحدة من المسلمين ولا حتى للمسلمين فقط إنما للبشرية جمعاء والذي لا يلتقي مع الإمام الحسين (ع) من جهة كونه الإمام الثالث من أئمة أهل البيت (ع) أو كون جده محمد (صلى الله عليه واله وسلم) خاتم الأنبياء والمرسلين وان لهم علاقة بالوحي أو بالسماء حتما يلتقي معه في بعده الإنساني ويتعلم دروس نهضته والتي وضع الإمام الحسين (ع) بذورها في كربلاء لتبرعم في العالم الإسلامي وتزدهر في العالم بأسره . وما صرخته المعروفة ( اما من ناصر فينصرنا ) كانت صرخة لكل عصر وزمان لمواجهة الانحراف والظلم والفساد والإرهاب.
ان ما يؤكد انسانية الفكر الحسيني ونهضته في كربلاء مشاركة الفتيان والشباب والشيوخ في ثورته وكذلك مشاركة المراة زوجة وأختا وابنة واما وكذلك مشاركة شخصيات من غير المسلمين فهنالك دور واضح في يوم عاشوراء لوهب النصراني ثم الراهب الذي دفع المال الكثير لحاملي راس الحسين الشريف كي يبيت الرأس عنده لدى مرور ركب أسرى أهل البيت في طريقهم إلى الشام حين اضطروا إلى المبيت في دير للرهبان، هذا من جانب ومن جانب أخر اهتمام أهل البيت عليهم السلام وفي مقدمتهم السيدة زينب( عليها السلام) والإمام السجاد (عليه السلام ) بنشر أهداف نهضة الحسين (ع) حتى ليقال ان يوم عاشوراء حسيني الحدث وزينبي البقاء أو الانتشار فهي (عليها السلام ) ومع عظم فاجعتها لم تظهر الجانب العاطفي إلا مع نفسها، إنما عمدت إلى إقامة مجالس كانت بمثابة وسائل إعلامية حسب ماكان سائدا آنذاك ثم أنها أول ما ابتدأت في خطابها الموجه إلى عبيد الله ابن زياد في الكوفة ان ربطت مقتل الحسين (ع) بحرمة الله وان مقتله كان انتهاكا لحرمة النبي محمد (ص) حين قالت (الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه ) ليشعر الناس وينتبهوا لانحراف بني أمية وأعوانهم وانتهاكهم لحرمة الدين وانتهاكهم لحرمة الله بقتلهم النفوس المؤمنة المحترمة وحرمة محمد (ص) في قتلهم عترته، وكذلك في مجلس يزيد في الشام حين القت خطبة كانت اكبر رسالة إعلامية لتنبيه الناس وهم في عاصمة الدولة وأمام الحاكم بأن ثورتهم من اجل العدل المفقود فالسيدة زينب (ع ) أوضحت مبادئ هذه الثورة لتأخذ طريقها إلى النشر والأعلام والذي كان له الأثر البالغ في توعية المجتمع الإسلامي وإدراكهم لحقيقة ما يجري في دولتهم ،الشيء الذي يفضي إلى قيام الثورات المتلاحقة ضد الحكم الأموي وإسقاطه من جهة ثم بناء الجماعة الصالحة من جهة أخرى ومما كان من ثمارها إسكات أصوات سب الإمام علي (عليه السلام). ومما تقدم نستنتج ان لكل زمان وسائله الإعلامية وأطره للنشاط وتقنياته والحسين (ع) المثل الأعلى للعطاء والتجديد والإصلاح فهو قائد للبشرية والإنسانية وليس لفئة معينة ومبادئ نهضته مبادئ إصلاحية عامة لكل البشر ومن حق كل إنسان ان يطلع عليها وينعم بثمارها وهو عليه السلام امتداد لرحمة عظيمة ويتناغم مع الفطرة الإنسانية لذا فالمعرفة والدراسة العميقة والجادة تمثل اولى الخطوات أمام المؤسسات الدينية والمرجعيات والحوزات العلمية والدينية لمقارعة الظلم والطغيان كمنهج ورسالة للحياة ، إن مواكبة المؤسسات العلمية كعلم الاجتماع وعلم النفس للظروف الدولية الجديدة واستغلال الفراغ الحضاري الذي يعيشه العالم اليوم من اولى المهمات الرسالية لتحقيق مبادئ وأهداف الإمام الحسين (عليه السلام ) التي تمثل قناديل نور.
أقرأ ايضاً
- كربلاء دولة الإنسانية والحسين عاصمتها
- تكامل ادوار النهضة الحسينية
- النوايا الحسنة للعتبة الحسينية المقدسة