
قد يتبادر للذهن ان عالم الاحجار الكريمة محصور بمجموعة من الاحجار وانواع متعددة يقتنيها الناس ويصنعها اصحاب المهنة، لكن تبين انه بحر من الانواع والاسرار والمناشئ، ولكل حجر مجموعة من الانواع تتفرع الى الاف والاف، وتوجد في دول عدة من مشارق الارض ومغاربها ولكل منها اسعار وقيمة، ومن بينها حجر بيع في كربلاء المقدسة بسعر (12) الف دولار.
صائغ يعشق الاحجار
تحدث " ميثم علوان آل ياسين" من مدينة كربلاء المقدسة عن خفايا واسرار وغرائب مهنته التي تحول اليها منذ حوالي ثلاثة عقود لوكالة نون الخبرية قائلا ان" عائلتي معروفة بمهنة صياغة الذهب في كربلاء المقدسة لفترة تتجاوز (200) عام، وبدأت حياتي صائغا للذهب منذ بلوغي عمر السابعة من العمر اتعلم المهنة واساعد والدي في محله، كما نعمل حاليا في تشغيل ابنائنا وتعليمهم المهنة وتعلقهم بها بشغف، واستمريت لمدة (15) فيها وافتتحت محلا بمفردي في عمر (15) عام وبقيت لغاية دخولي الى اعدادية الصناعة ثم تحولت الى مهنة بيع الاحجار الكريمة والخواتم والمسبحات قبل (30) عاما عاشقا لها، بعد سنين الحصار العجاف وتراجع مهنة صياغة الذهب، وكنا اذا اشترينا خواتم ذهب نقوم بتكسير الاحجار لاننا لا نستفيد منها، والمشهور الخاطئ لدى الناس ان صائغ الذهب هو خبير بالاحجار، بينما الصائغ لا علاقة له بعالم الاحجار، وبدأت علاقتي بالاحجار عندما اهدي الي خاتم فضة وشذرته نوع "در النجف" واصبح عزيز جدا عندي، وبدأت باقتناء خواتم اخرى بأحجار من انواع اخرى، واصبحت صديقا لاصحاب الخبرة بالاحجار وأسألهم كثيرا عن كل صغيرة وكبيرة في هذا المجال، ومن يصاحب اهل المهنة ويتواجد عندهم كثيرا ويرى عمليات البعض والشراء والتعامل مع الزبائن وله شغف بالتعلم يصبح صاحب خبرة وان كانت بنسبة معينة".
عمليات مقايضة
ويؤشر "آل ياسين" الى امر مهم بقوله" في حقبة التسعينيات كان السفر والاستيراد ممنوعا ولا احد يستطيع استيراد الاحجار الكريمة من خارج العراق، وبضاعتنا تعتمد على الموجود داخل البلد من القديم المتوارث، وكذلك نعتمد على الباكستانيين الذين يأتون في مواسم الزيارة ويجلبون لنا معهم البضاعة وتحصل بيننا عملية مقايضة ويأخذون مقابل الاحجار الكريمة "التربة الحسينية والاكفان"، وكانت الاحجار تأتي الينا مصاغة على محابس مصنوعة من مادة "الستيل" لرخص ثمنها وسهولة نقلها، ونقوم باخراج الحجر ونصيغه على محبس فضة، وكنا نعتمد على خبراتنا ولكننا نفتقد الى القيمة الحقيقية لاسعار الاحجار لاننا لا نعرف اسعارها في الخارج، واسعفنا خروج بعض التجار الى سوريا حينها وتعرفوا على الاسعار وعلي سبيل المثال ان "العقيق اليماني" كان سعره في العراق (50) الف دينار، والعقيق الاحمر الدموي يصل الى (100) الف دينار، وهو رقم كبير لان راتب الموظف حينها لا يتعدى اربعة الاف دينار، وكنا نعتمد على الاحجار القديمة ونقوم بـ"جرخه" لتلميع وجهه، وهي طريقة خاطئة جدا لانها تسلب قدم الحجر وعمره وهويته، وبعد سقوط النظام المباد وسفرنا الى الخارج اكتشفنا اننا نفتقد الكثير من المعلومات، بينما اصبح العراقيون هم اكبر مستورد لأحجار "الكهرب" في الوطن العربي".
بحر من الاحجار
وعن عدد انواع الاحجار الكريمة يقول "آل ياسين" عنها انها" بحر لا حدود له، لان تفرعاتها كثيرة جدا، فمثلا "العقيق اليماني" هو نوع واحد ولكن فيه حوالي (50) درجة تعتمد اسعاره على ثلاث نقاط اساسية وهي عمر الحجر، ولونه، وحجمه، اما حجر "الفيروز" فيعتمد على بلد المنشأ كونه يوجد في حوالي خمس دول وهو الفيروز الاميركي والصيني والسينائي والاندونيسي والنيشابوري في ايران التي يوجد فيها ثلاث مناشئ لحجر الفيروز وهي مدن كرمان، ودامغان ونيشابور الذي يعتبر حجرها من الدرجة الاولى وفيه (50) درجة، وتقسم على درجات النقاء واللون ثم من بعده حجم الحجر وتشجيره الداخلي، وهناك حجر يسمى "فيروز نيشابوري لبة" اي بدون اي تشجير وهي الاغلى لان التشجير يخفض (90) بالمئة من قيمة الحجر الكريم، ونستطيع القول ان حجر "فيروز اللبة" الصافي يصل سعره الى (500) دولار اميركي، ونفس المواصفات بالحجر الفيروزي المشجر يكون سعره (15) دولار اميركي، وهناك احجار فيروز تصل اسعارها من (15 ــ 20) الف دولار اميركي، وكذلك حجر "الزمرد" الذي يعتبر من احجار الملوك قبل الاسلام، والاحجار اعطاها الاسلام صفة الكريمة وهي موجود من ازمنة غابرة مثلما كانت توجد في تيجان الفراعنة والملوك وهداياهم، ولا يمكن احصاء اعداد وانواع الاحجار لان اعدادها بالالاف وتفرعاتها بالملايين، وعلى سبيل المثال ان "الياقوت البورمي" الاحمر النقي بنسبة (100) بالمئة اغلى من "الالماس" بل يصل الى ضعف سعر الالماس، وهناك ياقوته بورمية غير معالجة وطبيعية وحرة لكنها تحتوي على الشوائب يكون سعرها زهيد جدا".
(12) الف دولار
وعن الزبائن وحركة التسوق على شراء الاحجار الكريمة يوضح قائلا ان" قدسية مدينة كربلاء ومراقدها جعلها تكون قبلة لكل العالم، والزائرون بعد اداء شعائرهم يتوجهون الى الاسوق لاقتناء مختلف الحاجات والهدايا او يقتني شيئا كريما له ويتبارك به كونه من مدينة سيد الشهداء (عليه السلام) وكثير منهم يقصدوننا، وزبائني من العراق ومختلف دول العالم العربية والاجنبية ومنهم من اميركا، والصين، وبريطانيا، والسويد، والنرويج، بل اصبحت بيننا صداقات وطيدة وتواصل وعلاقات اجتماعية بسبب مهنتي وهواياتهم، واغلى حجر كريم بعته بسعر (12) الف دولار اميركي ما يعادل (18) مليون دينار عراقي حاليا، اشتراه زبون عراقي من اهالي البصرة، وكان من العقيق اليماني وحجمه صغير لكن نقش عليه اسم احد الشخصيات الاسلامية المعروفة قبل حوالي (250) سنة، كما لدي زبائن من دول عربية واجنبية يتصلون بي من الخارج قبل شهر من مجيئهم الى العراق ويطلبون مني توفير مجموعة من الاحجار الكريمة لهم، واقوم بتأمينها لهم واجهزها عند زيارتهم للعراق ومجيئهم الى محلي، وهناك طلبات غريبة من الزبائن نعمل جاهدين على تلبيتها لضمان استمرار تسوقهم منا، ومنها ان احد الزبائن طلب توفير حجر "عقيق يماني سليماني"، وهذا النوع يتوفر في العقيق الهندي او الاندونيسي لكن لا يتوفر بالعقيق اليماني، وكان يجلس عندي ثلاثة من اصحاب المصلحة واستغربوا من جوابي اني سأوفر الحجر، وفعلا وجدت خمس احجار من العقيق اليماني الاحمر في احدها عين بيضاء وهي التي تسمى "سليماني" وبعته له بمبلغ (150) دولار اميركي".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- التلويح الأمريكي بمعاقبة "الرافدين" قد يعصف بالدولار والرواتب ويدخل العراق في "عزلة"
- جهز (26) مليون طن من الاسفلت.. فرع توزيع كربلاء: انظمة الكترونية تفرض رقابة صارمة على تجهيز المنتجات
- هواء "كبريتي" يفاقم الأمراض التنفسية في بغداد