مهنة الرواف او مصلح الملابس الممزقة والسجاد التالف انتشرت في بغداد مع تأسيس مدينة بغداد في العصر العباسي اي قبل اكثر من (500) عام، وتحديدا في القرن الرابع الهجري، وكانت واحدة من اهم المهن عند البغداديين وغيرهم، كونها تمثل جنبه اقتصادية تعيد ملابس الناس الى الاستخدام بشكل كما كان مصنوعا بدل التخلي عنها، وفن الريافة يسهم في اصلاح الملابس والسجاد اذا ما تعرض لأي تمزق أو ثقب او حرق، هذه المهنة التي كان لها سوق في بغداد قرب المدرسة المستنصرية يسمى سوق الروافين، بقي منها رواف واحد، والمهنة تسير نحو الانقراض.
مئة عام بالمهنة
جلس " يحيى عدنان ابراهيم" البالغ من العمر (65) عما امام باب محله المقابل للمدرسة المستنصرية واضعا بنطال رجالي يروف ما ثقب منه معتمدا على اضاءة اشعة الشمس وسرد لوكالة نون الخبرية قصة المهنة الواغلة في القدم وسوقها المندثر وعقود الزمن التي قضاها فيها بالقول ان" عمري في المهنة (51) عاما حيث بدأت معها منذ كان عمري (12 عاما)، وهي مهنة لم تنقرض لان الناس تحتاجها، وتعملت المهنة من والدي الذي كان من اشهر روافي بغداد في السوق المجاور للمدرسة المستنصرية، واستمر في الخدمة لاكثر من (60) عاما، اي ان عائلتنا لها اكثر من مئة عام في هذه المهنة، وكانت طريقته بالتعليم شديدة وكنت اتعرض بعض الاحيان الى الضرب والتأديب اذا اخطأت في العمل، وبعد ست سنوات من العمل تحت يد والدي اتقنت المهنة واصبحت اسطة رواف، وفعلا اصبحت روافا ماهرا بعدها، وكانت الملابس قديما تختلف عن الملابس الحالية حيث كانت الاقمشة اصلية ومن مناشيء عالمية، مثل القماش الانكليزي او الايطالي، وكنا نروف البنطال، والجاكيت، والبدلة الرجالية، والصاية، والعباءة الرجالية، والقميص والدشداشة".
ادوات ومحال الروافين
يستمر " ابو ياسر" بالحديث عن مهنته وحياته واصفا ادوات عمله قائلا" ان كل رواف يعتمد على ادوات بسيطة مثل الابر الخاصة الناعمة التي تختلف عن الابر المستخدمة في الخياطة، ونطلبها فتجهز لنا من خارج العراق، ونستخدم ايضا المقص و"بكرات الخيوط" التي نحتاجها في ريافة الملابس اذا لم نستطع ان نخرج منها خيطا لاعادة ريافتها من نفس الخيوط المصنوعة منها، فنعتمد على ما متوفر من خيوط او قطع قماش مختلفة نحتفظ بها لريافة الملابس بالوان تشابه وتتناسق مع لون القطعة المراد ريافتها، ونستعمل قطعة خشب ومكوى، وكان عدد محال الروافين السوق يتراوح بين (17 ــ 20) رواف تقريبا، وكان لديهم زخم كبير في العمل ويقصدهم العشرات من الزبائن يوميا، ومكان سوق الروافين في بداية شارع النهر هو السوق الرئيس في العراق، ويسمى سابقا " سوق الساعجية" ، ثم تحول الى "سوق العباءة الرجالية"، وصار اخيرا "سوق الجبة النسائية"، وكان الزبائن يأتون الينا من جميع المحافظات العراقية، كما يقصدنا سواح عرب واجانب قمت انا بريافة ملابس لهم، وقيمة ريافة الملابس في العقود الماضية كانت تتراوح بين (200 ــ 500) فلس، واذا كانت اكبر تصل الى الدينار، ورغم قلة قيمة الاسعار الا انها محفوفة بالبركات، ومن اشهر الروافين المشهورين القدماء من جيل والدي، هم الاسطوات المعروفين رشيد الرواف، وهاشم الرواف، وخضير الرواف، ويقصدهم الكثير من الشخصيات المعروفة مثل الفنانين والرياضيين ورجال الادب وغيرهم".
مهنة الفن
تختلف مهنة الريافة عن مهنة الخياطة كثيرا هكذا يصف "ابو ياسر" مهنتهم ويضيف ان" الريافة هي عبارة عن "السده والحياكة"، وفيها من الفن الشيء الكثير حيث تقوم العملية على عمل قاعدة من النسيج على غرار ما ينسج به السجاد ليوضع القلم على القلم وبنفس الالوان السادة او المخطط ثم يراف القماش ليعود الى ما كان عليه قبل الضرراو التمزق، والاقمشة سابقا كانت من مادة الصوف "درجة اولى"، اما الآن فالاعم الاغلب من الاقمشة مصنوعة من خيوط النايلون، وقابلة للاحتراق بسرعة، ورغم ذلك نصلحها ونروفها ونعيدها الى سابق عهدها، وحاليا بقيت انا الوحيد في هذا السوق واغلقت جميع المحال ابوابها بعد ان توفى عدد من الروافين، ولم نجد الدعم من الجهات الحكومية لديمومة عملنا، كوننا نمثل جزء من تراث العراق وتاريخه، ولم تعد المبالغ التي نحصل عليها من عملنا تسد حاجة حياتنا، بعد ان قضى عليها استيراد الملابس الجاهزة التي لا تعتبر عملية ولا تمثل اي تراث او اصالة لهذه المهنة".
ملابس البالات
ويشير الى حالة خاصة يفعلها عدد ممن يأتون الى محله ويقول " الغريب ان عدد من الزبائن يقومون بشراء ملابس مستعملة من "البالات" كون قماشها من مناشئ عالمية، ويأتون بها الينا لريافتها ليرتدوها كونها اصلية وتعمر لعدد من السنين ولا تتأثر بكثرة الاستخدام، بالرغم من ان ريافتها تكلف (15) الف دينار عراقي، بينما الملابس الحديثة لا تتعدى مبالغ ريافتها خمسة الاف دينار عراقي، واكثرهم يؤكدون انهم يبحثون عن القماش الاصلي وان كان مستعملا ومريوفا، وهذا المحل استأجرته بمبلغ (250) الف دينار عراقي، واسكن في دار مستأجرة ايضا لضعف موارد مهنتي، ونحتاج الى تخصيص راتب لنا لاننا من اصحاب مهن عراقية اصيلة، ليتمكن الرواف من العيش بكرامة ويتواصل بتعليم تلك المهنة الى من يريد لانها صعبة وعلى من يريد تعملها ان يبدأ الصغر، واصبحت المهنة التي فيها جنبة اقتصادية حيث تعيد ملابس تمزقت كلفتها ملايين الدنانير مثل بعض العباءات الرجالية التي تصل قيمتها الى مليوني دينار، على وشك الاندثار والانقراض، واذا غادرتها لاي سبب، فتغلق المهنة في هذا السوق وتقريبا في بغداد".
قاسم الحلفي ــ بغداد
أقرأ ايضاً
- بقي منه اربعون مترا من (1725) متر: مرقد السفير الرابع في بغداد ..يقصده العراقيون والعرب والاجانب (صور)
- بـ"120" مليار دينار.. زيادة جديدة برواتب اقليم كردستان وبغداد ترفع "الكارت الأحمر"
- إقليم كردستان يودّع شبابه.. 5 آلاف مهاجر منذ مطلع العام