حيدر عاشور
لم نرَ احترافية خاصة منذ أن قبع العقل المثقف أو الفكر الإنساني الباحث تحت وطأة الأنترنت والمواقع الاجتماعية والثقافية، ومن النادر أن تخرج عن الإعلام الممنهج لتلك العقول التي تعتمد على أحادية الرأي الأوحد وهي تدنو من توسع قيم العولمة الخارجية التي تدفع المجتمع لاستبدال قيمه.. وتقليد قيم بعيدة كل البعد عن حضارة بلد وتقاليد مجتمع مسلم... أغلب من يعمل في الصحافة العراقية وحتى العربية لا ينظرون إلى واقعهم ولا يعيشون بشكل عملي وسط المجتمع وإنما هو يبحر في عالم البحث -الكوكولي- ليصل إلى غايته ويملأ فراغات صحيفته أو مجلته أو موقعه الخاص أو موقع تحت رعاية جهات خاصة، بفكر لا يمد بصله لمجتمعه ولا يحقق غاية ثقافية له ولا يوثق حضارته بالشكل الذي يحقق الطموح.
وهنا نوضح معنى السطوة التي فرضتها جهات عدائية لتغير الفرد المسلم بشكل عام، وبعد أن فشلت جهود هذه الجهات الهادمة لبناء الإنسان المسلم عن طريق من تسلق عل الطيف الفكري والثقافي والأدبي كي يقدموا أنفسهم للعقل المسلم كرواد للفكر الممنهج.؟!.. وبهذا التسلق بقي المثقف المسلم مهمشا، ويسعى إلى إظهار الثقافة العدائية الهدامة دون أن يفكر في عواقب المستقبل، وذلك بحجة العولمة والتحضر الفكري.. والحقيقة الواقعة إنه الاستنبات الفكري!.. (ما يسمى بالتأثير السلبي للعولمة) وهو صراع فكري جسيم يعيشه العقل المسلم حين يغرد إعلامه خارج سرب أفكار ومبادئ وقيم. بل وتراث العقل الذي يخاطبه, ليغرق هذا العقل في بحر متلاطم الأطياف من الثقافة الدخيلة. ثقافة يعيشها كتسلية في أفلام الرعب والعشق الماجن والخيال الملحد فيصطدم بها واقع غير قابل للتطبيق في مجتمعه ذي الثقافة الدينية.
فأي دور يقدمه الإعلام هنا هو ينقل عبر( الكوبي –بست) أفكارا مبرمجة؟.. بعيدة كل البعد عن هويته الحضارية وهي جزء لا يتجزأ من منظومة الأخلاق والقيم الإسلامية فيوظف طاقاته ليلبي حاجاته وينتقل من دائرة التأثر إلى دائرة التأثير فينتهي إلى فكر بديل وافد كالليبرالية والعلمانية فينافح عنها ويقدمها في قالب إنساني كبديل حتمي لتغيير الواقع غير الذي يعيشه مجتمعه في جوانب الحياة الإنسانية, ذلك الواقع الذي لا يُلام الفكر عليه بل الإدارة وهو يمارس سياسة الإملاء الفكري، بل أوجد مساحات من الحرية في نشر عبر وسائل إعلامية يعمل بها وهي قد لا تفهم وجهة النظر التي ينقلها إعلاميها رغم إن مخيلة وكامن الذهن البشري تستجيب سلباً أو إيجاباً لما يقدمه الإعلام, وهي دون شك مع كثرة التكرار تألف ما لم يكن مألوفاً من قبل.
وهذا شعور يعرفه من امتهن الإعلام بمهنية راكزه.. ومع كثرة وغزارة الإنتاج الصحفي تضيع الحقيقة في صناعة صحافة واقعية وقلم حر يساهما في بناء المجتمع من التوابع العولمية التي يقتات عليها صحفيو (الكوبي بست) الذين دون شعور منهم تضيع هوية بلد ويضعون هوية بديلة.. وهذا هو ما تسعى إليه جهات احترافية في تغير منهج بلد من خلال سياسة الإملاء الثقافي التي يمارسها الإعلام الموجه الذي اسهم في دفع المفكرين إلى هجرة الإنتاج الفكري الأصيل لعدم الاعتداد به في المحافل الإعلامية.
وبهذه الهجرة يتوه الدهماء من الناس باحثين عن هوية فكرية! فسياسة الإملاء هي أولى بذر التخلف وتعطيل العقل عن التفكير والانتقاد والتحليل والتساؤل, وهذا منهج ليس بغريب على بعض الحكومات المتسلطة على شعوبها بتنوع أحزابها وكياناتها، حين تكون حنجرة الانتقاد مبحوحة بسياط الجلاد وقيد المعتقل وعوز العيش، فإن المحصلة النهائية هي ذلك المتلقي مشوش الفكر ذو الضآلة المتناهية في مستوى الحرية الفكرية، فكيف لمخيلة تعيش ظروف كهذه أن تجد للإبداع طريقاً ؟!. لذا نجد كل أغلب ما نقرأ الآن هو ناتج عن ثقافة دخيلة، والقليل جدا ما نجد من يكتب من وحي أفكاره.. أي معلومات وكلام وطروحات جميعها مجترة أو منقولة أو مقتبسة.. فتبقى الأيام التي طواها الزمن والتي وضعت قواعد اللغة في المقال الصحفي والقصة الأدبية هي الأصدق في القراءة والاستيعاب ونشر الوعي.. نحن بحاجة الى صحفيين وكتاب همهم الوحيد الوطن والإنسان فيعيشون الواقع الحالي في البلاد دون نقل ثقافات أجنبية لا تمد بصلة الى المجتمع.. والابتعاد عن التسلط الفكري الذي يفرض من قبل المتقوقعين ضمن ستار الرأي الواحد الذي لا يقبل رأي مضاد له... أي الرأي المتكون من سلطة الإعلام الممنهج.