حجم النص
بقلم: د. أياد العنبر
يوم بعد آخر، تُثبت لنا الحكومة وفريقها من المستشارين السياسيين والاقتصادين ابتعادهم عن المنطق العلمي والعملي في إدارة الدولة. وبدلاً من أن تكون أولياتها كسب ثقة المواطن من خلال معالجة نسبة البطالة وتوفير الخدمات، باتت تعمل على إرهاق كاهل المواطن بإجراءات فوضويّة تجمع بين سياسات متناقضة: رفع نسبة الضرائب على بعض الخدمات، وارتفاع سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار، استقطاع نسب عالية من رواتب الموظفين.
فالموازنة العامة التي يفترض أن تعبّر عن سياسات الحكومة الاقتصادية نحو الترشيد نجد بنودها تؤشر زيادة في النقاقات التشغيلية بنسبة تقارب الـ 20%! وبدلاً من أن تعمل على محاربة الفساد وهدر المال العام تخصص جداول للصرف بملايين الدولارات تحت عنوان (مصاريف الأمن والغذاء لمكتب رئيس الوزراء) و(نشر انجازات الحكومة)!
أما بخصوص تعظيم الموارد، فيبدو أن الحكومة استهوتها سياسات الاقتراض الداخلي والخارجي عن طريق الدول والمؤسسات المالية الدولية!
إذاً، لا يمكن التعويل على هذه الحكومة وشخصياتها بإيقاف تراكمات الفوضى والفشل والفساد، فهي باتت عاجزة تماماً أمام مواجهة الأسباب الرئيسة لفشل وعجز الدولة في العراق إلى تعامل الطبقة السياسية وزعامتها مع السلطة باعتبارها أداة لتوزيع المغانم التي يوفرها الريع النفطي. هذه المتلازمة أنتجت لنا حكومات ضعيفة وعاجزة عن الاستجابة لمتطلبات مواطنيها، وأصبحت مهمتها مقتصرة على إدارة صفقات الفساد بين القوى التي تريد الهيمنة على الموارد والعائدات الاقتصادية. ولذلك أصبحت القوى السياسية متغوّلة على المجتمع وتعتبر مطالبته بالتوزيع العادل للثروات هو محاولة لتقليص دوائر النفوذ والهيمنة على موارد الدولة، وهذا ما يبرر مواجهتها بالعنف والتخوين لأي تحرك شعبي يطالب بالإصلاح.
والترابط يبدو وثيقاً ومتماسكاً بين فشل الدولة في العراق ونمط عمل الحكومات المتعاقبة على ديمومة الفساد من خلال إدارة الموارد الاقتصادية بما يخدم مصالح المنظومة السياسية. وإذا كان الحديث عن نشوء وظهور مافيات الفساد في فترات الانتقال السياسي يرتبط بتلك المرحلة الحرجة من تاريخ البلدان التي تشهد تغيّر أنظمة الحكم، فإن ما يحدث بالعراق يشكل نموذجاً جديداً وفريداً من نوعه، إذ لا تزال العلاقة طردية بين توسيع النفوذ السياسي وزيادة منافذ الفساد التي تموّل أحزاب السلطة والتي أخذت تتكاثر بطريقة مرعبة جداً، وتعتاش مثل الفايروسات بطريقة طفيلية على موارد اقتصاد الدولة.
أقرأ ايضاً
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر
- لماذا تصمت الحكومة أمام عقود أندية دوري "لاليغا" ؟
- ما هكذا تُورَدُ الإبلُ يا حكومة السوداني