- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تعلَّمتُ مِن الإِمامِ.. سَيلُ السُّلطةِ لا تجرِفُ معهُ الرِّسالييِّنَ - الجزء الأول
بقلم: نزار حيدر
جاهلٌ مَن يتصوَّر أَنَّ الإِمامَ أَميرُ المُؤمنينَ علي بن أَبي طالب (ع) لم يكُن يعرِف طريقَ الدُّنيا ولذلكَ زهِدَ بها.
وأُمِّيٌّ مَن يتصوَّر بأَنَّهُ (ع) لم يكُن خبيراً بكيفيَّةِ إِرضاءِ الخاصَّةِ من أَهلِ الحلِّ والعقدِ وقادةِ الجَيشِ وعُمَّالِ الأَمصارِ وجماعة [الخِدمة الجِهاديَّة] ولذلكَ خسرهُم واستعداهُم فتحزَّبوا ضدَّهُ وشنُّوا عليهِ الحرُوبَ والغاراتِ وعَصَوهُ وتمرَّدُوا عليهِ حتَّى قالَ {يَا أَشْبَاه الرِّجَالِ ولَا رِجَالَ! حُلُومُ الأَطْفَالِ وعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ ولَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً (واللَّه) جَرَّتْ نَدَماً وأَعْقَبَتْ سَدَماً قَاتَلَكُمُ اللَّه لَقَدْ مَلأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ والْخِذْلَانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ ولَكِنْ لَا عِلْمَ لَه بِالْحَرْبِ.
لِلَّه أَبُوهُمْ! وهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا ومَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ، وهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ ولَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ!.
وفاقِدُ عقلٍ من يظُنُّ بأَنَّهُ (ع) كانَ لا يعرِف الأَساليب المُلتوِية وطرُقُ الغَدرِ ووسائلِ السِّياسةِ القذِرةِ في التَّعامُلِ مع خصومهِ ولذلكَ خسِرَ الخِلافةَ والسُّلطةَ.
لقد كانَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) يعرفُ كُلَّ ذلكَ وأَكثر، ولَو لم يكُن يعرِف وسارَ مُستقيماً لما كانَ لهُ فضلاً ولما تميَّزَ عن غيرهِ، فالعاجِزُ مثلاً عن الدِّفاعِ عن نفسهِ إِذا قرَّرَ العفوَ عن خصمهِ لا تُحسَبُ لهُ منقبةً ولذلكَ قيلَ [العَفوُ عندَ المقدِرة] أَمَّا عندَ العجزِ فذلكَ من بابِ [مُكرهٌ أَخاكَ لا بطلُ] فالتميُّزُ في الإِختيارِ والإِختيارُ بتعدُّدِ الخَياراتِ!.
إِنَّهُ (ع) كانَ يعرِفُ كُلَّ ذلكَ ولكنَّهُ كانَ على معرفةٍ ويقينٍ أَكثر بما يتحكَّمُ بكُلِّ ذلكَ ويُسيطِرُ عليهِ ولولا أَنَّهُ قدَّمَ هذا على ذاك لما كانَ [أَميرَ المُؤمنينَ] ولكانَ واحداً من [الصَّحابةِ] الذين قادُوا الأُمَّةَ إِلى المجهُولِ وأَضاعُوا على النَّاسِ دينهُم ودُنياهُم فلم يعُد لهُم أُسوةٌ يقتدُونَ بِها على مرِّ التَّاريخ.
أُولئكَ الذينَ وظَّفُوا [المُقدَّس] و [التَّاريخ] و [الجُهدَ والجِهاد] للإِستثمارِ الشَّخصي والحزبي والعشائري، كما يصفُ (ع) أَحدهُم بقَولهِ {أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي وجَعَلْتُكَ شِعَارِي وبِطَانَتِي ولَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسِي لِمُوَاسَاتِي ومُوَازَرَتِي وأَدَاءِ الأَمَانَةِ إِلَيَّ، فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ والْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ وأَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ وهَذِه الأُمَّةَ قَدْ فَنَكَتْ وشَغَرَتْ، قَلَبْتَ لِابْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ وخَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ وخُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ فَلَا ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ ولَا الأَمَانَةَ أَدَّيْتَ وكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ اللَّه تُرِيدُ بِجِهَادِكَ وكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وكَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِه الأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ وتَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ وعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ واخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْه مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لأَرَامِلِهِمْ وأَيْتَامِهِمُ اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ، فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِه غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ كَأَنَّكَ (لَا أَبَا لِغَيْرِكَ) حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وأُمِّكَ، فَسُبْحَانَ اللَّه! أَمَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ؟! أَومَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ؟! أَيُّهَا الْمَعْدُودُ (كَانَ) عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الأَلْبَابِ، كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وطَعَاماً وأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وتَشْرَبُ حَرَاماً وتَبْتَاعُ الإِمَاءَ وتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْمُؤْمِنِينَ والْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذِه الأَمْوَالَ وأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِه الْبِلَادَ! فَاتَّقِ اللَّه وارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّه مِنْكَ لأُعْذِرَنَّ إِلَى اللَّه فِيكَ ولأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِه أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ!}.
وكأَنَّ أَميرَ المُؤمنينَ (ع) يصفُ قادةَ وزُعماء [الحركة الإِسلاميَّة في العراق] الذين مكَّنهُم الله تعالى من السُّلطةِ حسبَ قاعدةِ {يُهلِكُ ملُوكاً ويستَخلِفُ آخرِينَ} ليفعلُوا ما فعلَ المَوصُوفُ في رسالتهِ (ع) فماذا كان (ع) ليفعلَ بهِم بسيفهِ إِذا تمكَّنَ منهُم اليَوم؟!.
نعُودُ لنُجيبَ على الإِفتراضاتِ التي صدَّرنا بها المقال.
يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) عن معرفتهِ بطرُقِ الدُّنيا إِذا أَراد أَن ينالَها فيسلُكها {ولَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ ولُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ ونَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ} فما الذي يمنعُكَ يا أَميرَ المُؤمنينَ من التمتُّعِ بها؟! يوضِّحُ {ولَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ ويَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأَطْعِمَةِ ولَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَه فِي الْقُرْصِ ولَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وأَكْبَادٌ حَرَّى}.
وكانَ بإِمكانهِ (ع) أَن يكتفي بالعناوينِ البرَّاقةِ تحفَّهُ الحِماياتِ المُدجَّجةِ بالسِّلاحِ والخدَمِ والحشَمِ ليعيشَ حَياةَ الملُوكِ والأَباطرةِ و [طُز] بالشَّعب! فلماذا لم تفعلْ ذلكَ يا أَميرَ المُؤمنينَ؟! يردُّ {أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ؛ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ولَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ!}.
ويقولُ (ع) عن معرفتهِ بخُبثِ السِّياسةِ والسُّلطةِ والحُكمِ للسَّيطرةِ على المُجتمعِ {واللَّه مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي ولَكِنَّهُ يَغْدِرُ ويَفْجُرُ} فلماذا تركتَها يا أَميرَ المُؤمنينَ؟! لماذا لم تواجههُ بأَسلحتهِ؟! يوضِّحُ {ولَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ ولَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ (ولِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ)}.
لقد حاولُوا دفعَ الإِمامِ دفعاً ليلجأَ إِلى الغدرِ مثلاً ليكونَ مثلهُم فلا يتميَّزَ عنهُم، وبالتَّالي يُسقِطُونَ النُّموذجَ في المُجتمعِ والقُدوةَ في الأُمَّةِ فلم يبقَ فيها مَن تهتدي بهِ في مُختلفِ شؤُونِ حياتِها كقَولهِ جواباً على المُستغربينَ الذين أَدهشهُم نهجهُ الرِّسالي {أَمَّا قَوْلُكُمْ؛ أَكُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ؟! فَوَاللَّه مَا أُبَالِي دَخَلْتُ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ الْمَوْتُ إِلَيَّ.
وأَمَّا قَوْلُكُمْ شَكَّاً فِي أَهْلِ الشَّامِ! فَوَاللَّه مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلَّا وأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي وذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا وإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا}.
حاولُوا دفعهُ لينتهِجَ نهجهُم إِلَّا أَنَّ رساليَّتهُ ووعيهُ وحضورَ إِيمانهِ في كُلِّ حركةٍ وسكنةٍ هو الذي أَفشلَ خُططهُم قائلاً {واللَّه مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَكِيدَةِ ولَا أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِيدَةِ}.
هو (ع) كانَ على علمٍ ودرايةٍ بأَزمةِ الأُمَّةِ الأَخلاقيَّةِ والتَّربويَّةِ {كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ والثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ! كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ، كُلَّمَا أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ وانْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِي جُحْرِهَا والضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا.
الذَّلِيلُ واللَّه مَنْ نَصَرْتُمُوه! ومَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ.
إِنَّكُمْ (واللَّه) لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ} فهل كانَ على علمٍ ودرايةٍ بطرُقِ العلاجِ؟! يردُّ {وإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ ويُقِيمُ أَوَدَكُمْ} فلماذا لم تفعلْ فتُداوِيهم يا أَميرَ المُؤمنينَ؟! يوضِّح {ولَكِنِّي لَا أَرَى إِصْلَاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي، أَضْرَعَ اللَّه خُدُودَكُمْ وأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ! لَا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ ولَا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقَّ!}.
أقرأ ايضاً
- تعلَّمتُ مِن الإِمامِ.. في ذِكرى مَولدهِ المُبارك في (١٣) رجب الأَصبِّ - الجزء الثاني والأخير
- قال الحسين(ع) ما دين المرء الا كلمة والتزم بها اليمن
- رد الاعتبار للمحكومين