حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ مايزالُ البعض ينظر الى الدستور العراقي "الدائم " / 2005 بعين الريبة والشك وانه دستور ملغّم ومليء بالمطبات القانونية والذي صار نافذا منذ 20 مايس 2006 ويعد من الدساتير التي توصف في الفقه الدستوري بالدساتير الجامدة بسبب الآليات الصعبة في إجراء أي تعديل عليه، وقد وُصف مجازا بالدائم ووضعت له مواد شبه تعجيزية وربما كانت مستحيلة لأجل تعديله او إعادة كتابته (المادة / 142) الشائكة جدا وهذه المادة بحد ذاتها تحتاج الى تعديل عاجل. والمعروف إن هذا الدستور كُتب على عجالة وبهامش زمني بسيط إبان الفترة الانتقالية الحرجة، ومن دون الاستعانة بفقهاء القانون الدستوري وهم أصحاب الاختصاص في هذا الشأن وإنما كُتب على يد أشخاص منتقين من بعض الأحزاب المتنفذة ومجموعة كبيرة من السياسيين الممثلين عن مكونات الطيف السياسي العراقي وفي حالة مرتبكة نتيجة الوضع الأمني والسياسي الذي كان سائدا حينها، ويُعد هذا الأمر خللا قانونيا بنيويا فادحا لدستور تم الاستفتاء عليه شعبيا جملة واحدة وأريد له أن يكون أول دستور دائم في تاريخ البلاد وبعد عهود طوال من اللادستور او الدساتير المؤقتة التي كانت توضع بحسب مزاج الحكومات المتعاقبة وكانت تبرمج سياسات تلك الأنظمة وتشرعن استمرارها وتسلطها وتصب في مصلحتها وعلى حساب مصلحة الشعب العراقي. ولكنْ قليلون انتبهوا الى إن الظرف السيوسو/ سياسي الذي كُتب فيه الدستور الدائم / 2005 يختلف جذريا عن الظرف السيوسو/ سياسي الحالي وهذا بالتأكيد سيختلف عن الظرف المستقبلي وضمن سيرورة التحولات الدراماتيكية السيوسو/ سياسية العراقية المستمرة وهي كلها تحتاج الى دستور متقن ورصين وخال من الثغرات الدستورية ويستوعب تلك التحولات ويكون قادرا على التكيف معها من جهة ويكون قابلا للتعديل القانوني الذي تضطره الظروف الطارئة وما أكثرها في المشهد العراقي من جهة اخرى، ناهيك عن أن الدول التي تعتمد دستورا دائما هي دول تحظى باستقرار وانسجام مجتمعي ولا يعتور نسيجها المجتمعي زلازل تثيرها النعرات الطائفية او الدينية او الاثنية، وهي دول متماسكة اقتصاديا وتتمتع بتنوع موارد دخلها القومي ولايتعرض اقتصادها الى هزات ريعية او أزمات اقتصادية خانقة بسبب التمويل أحادي المصدر كالعراق الذي مازال ومنذ تأسيس دولته الوطنية المعاصرة يعتمد على النفط كمورد شبه وحيد لتمويل دخله القومي وهو مايجعله مكبلا بمناسيب أسعار النفط العالمية ومناخ الاحتكارات فيها، وامنيا تتمتع الدول التي تعتمد دستورا دائما بمناخ امني ملائم داخليا بتعايش المجتمع الأهلي وانسجامه مع نفسه اولا ومع مجتمعه السياسي ثانيا، وخارجيا بتعايش الدولة ذاتها ومع دول الجوار المحيطة بها وتكيفها مع المجتمع الدولي بشكل عام. وبناء على فقرات المادة (142) فقد نصت هذه المادة على: ((اولاً – يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من أعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي , مهمتها تقديم تقرير الى مجلس النواب , خلال مدة لاتتجاوز أربعة أشهر , يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور , وتُحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها.)) وهذه اللجنة التي كلُفت بإجراء التعديل الأول للدستور الذي كتب حديثا حينئذٍ لم تقم بعملها الذي كلفت به وانقضت المدة ولم تعمل شيئا وهذا التكليف لم يتكرر بالرغم من تكرار المطالبات الشعبية والرسمية بضرورة إجراء تعديل على كثير من مواد الدستور وكان احتساب هذه اللجنة كلجنة لكتابة الدستور قرارا خاطئا لأنها لجنة سياسية غير مختصة في القانون الدستوري. وكان يجب تدارك الأمر بان تتولى عملية التعديل الدستوري لجنة فنية مختصة تضم فقهاء القانون الدستوري وفقهاء العلوم السياسية ومع هذا فقد كررت رئاسة البرلمان ذات الخطأ الدستوري عندما قررت مؤخرا تشكيل لجنة مكونة من 27 عضواً تشترك فيها اللجنة القانونية البرلمانية مع ممثلين منتخبين من قبلِ الكتل السياسية ويتركز عملها على تعديل مواد الدستور العراقي و مراجعة جميع مواده الـ 144. وكان يفترض بمجلس النواب أن يضع يده على أساس المشكلة التي تعيق أي إجراء تعديل على مواد وفقرات الدستور والكامنة في المادة (142) والمخصصة لغرض التعديل والتي تنص على: (اولاً:ـ لرئيس الجمهورية (مجلس الرئاسة) ومجلس الوزراء مجتمعينِ، أو لخُمس (1/5) أعضاء مجلس النواب، اقتراح تعديل الدستور.)). وقد نصت الفقرات ثانيا وثالثا ورابعا على شروط التعديل وهي: ((ثانياً:ـ لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول، والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية (مجلس الرئاسة)، خلال سبعة أيام. ثالثاً:ـ لا يجوز تعديل المواد الأخرى غير المنصوص عليها في البند "ثانياً" من هذه المادة، إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية (مجلس الرئاسة)، خلال سبعة أيام. رابعاً:ـ لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلةً ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاءٍ عام.)). وعلى وفق هذه المادة، فإن مقترحات التعديل التي تعدها اللجنة المكلفة بالتعديلات الدستورية، تعرض على النواب في جلسة اعتيادية للتصويت عليها ولا يتم إقرارها إلا بموافقة الأغلبية المطلقة أي نصف عدد البرلمان. وهو إجراء يبدو شبه مستحيل كون تحقيق التوافق وبالأغلبية المطلقة وحتى المريحة لايتحقق في أي وقت فضلا عن تحقيق النصاب القانوني وحتى بعد تحقيق التوافق فان النصاب القانوني ومنذ تشكيل البرلمان لم يكن متوافرا في اغلب الأوقات إضافة الى الانسجام السياسي حتى داخل الكتلة نفسها فالمشكلة في البرلمان ايضا وليس في الدستور فقط . وأقول إن هناك الكثير من المستجدات التي ألمّت بالمشهد العراقي سياسيا وامنيا واجتماعيا واقتصاديا وغيرها تستوجب جميعها المباشرة بإعادة كتابة دستور دائم وعلى يد فقهاء مختصين في مجال القانون الدستوري ولتكن نقطة الشروع انطلاقا من تعديل هذه المادة التي تعد حجر عثرة في طريق تعديل او إعادة كتابة الدستور العراقي. كاتب عراقي *