- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ظَنَنْتُهُ تَعَلَّمَ! (٣) والاخيرة
حجم النص
بقلم: نــــــــــــــزار حيدر ذكرنا بالأمسِ سبعة مفاهيم استراتيجيّة تُساعد على تغيير العقليّة. نضيفُ اليوم المفاهيم التّالية؛ ثامناً؛ انَّ للزعيمِ حقوقاً وواجبات، دستوريّة او قانونيّة لا فرق، كما انّ للمواطنِ كذلك حقوقاً وواجبات، لا ينبغي الخلط او إغماض العين عن ايٍّ منها، اذ يلزم تحقيق التّوازن الدّقيق بينها، حتى لا تتغوّل حقوق الزّعيم على حسابِ حقوق المواطن او ان تتغوّل واجبات المواطن على حساب واجبات الزعيم. يصفُ أمير المؤمنين (ع) ذلك بقوله؛ ثُمَّ جَعَلَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْض، فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا، وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَلاَ يُسْتَوْجَبُ بعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْض. وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ، عَلَى الْوَالِي، فَرِيضةً فَرَضَهَا اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لِكُلّ عَلَى كُلّ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لاُِلْفَتِهِمْ، وَعِزّاً لِدِينِهِمْ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ. فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الاَْعْدَاءِ. وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَكَثُرَ الاِْدْغَالُ فِي الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى، وَعُطِّلَتِ الاَْحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِل فُعِلَ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الاَْبْرَارُ، وَتَعِزُّ الاَْشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللهِ عِنْدَ الْعِبَادِ. فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذلِكَ، وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ ـ وَإنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَى اللهِ حِرْصُهُ، وَطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ ـ بِبَالِغ حَقِيقَةَ مَا اللهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ، وَلكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللهِ عَلى العِبَادِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ. وَلَيْسَ امْرُؤٌ ـ وَإنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ، وَتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُهُ ـ بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللهُ مِنْ حَقِّهِ. وَلاَ امْرُؤٌ ـ وَإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ، وَاقْتَحَمَتْهُ الْعُيُونُ ـ بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلى ذلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ. المشكلةُ هي أنّنا لا نسمع الزّعيم الا متحدّثاً عن حقوقهِ، فهو يسعى بكلّ جهدهِ لتثبيتِها حتى اذا كان ذلك بطرقٍ ملتويةٍ وتُخالف الدّستور، فيما لم نسمع من المواطن أبداً انّهُ يتحدّث عن حقوقهِ لانّهُ يجهلها بالأساس فكيف يتحدّث عنها او يُطالب بها؟ خاصةً وانّ الزّعيم يذكّره دائما بواجباته!. لذلك نلحظ انّ المواطن يصفّق لمكرُمة الزّعيم اذا منحهُ حقاً ظنّاً من المواطن انّها من حقوق الزّعيم التي تنازل عنها لصالحهِ!. من جانبٍ آخر، يظنّ المواطن ان الضّعيف ليس لهُ حقوقاً وعليه كلّ الواجبات، فالحقوق يتمتّع بها القوي والمدعوم والقريب من الزّعيم فقط، حتى أصبحت ظاهرة الطبقية في المجتمع تقسّمهُ نصفين من قمّةِ رأسهِ الى اخمص قدمَيهِ!. تاسعاً؛ لا تقبل عذراً من الزّعيم اذا قصّر او فشلَ او تقاعسَ او تكاسلَ، ولا تبرّر لهُ اذا لم يحقّق برنامجهُ الحكومي او لم يؤدِّ واجباتهُ الدّستورية على أكملِ وجهٍ. تذكّر دائما، أيّها المواطن أيّتُها المواطنة، انّ الزّعيم مُؤتمن على البلد وخيراتهِ وعلى ارواح المواطنين وأعراضهم وأملاكهم وعلى مستقبل ابناءهم، فاذا خانَ الأمانة إِسع فوراً لفضحهِ ثم اقالتهِ ليقف بسرعة خلفَ القُضبان يحاسبهُ القانون على ما فرَّط بالامانةِ. الى متى يُعاقب القانون الضعيف اذا سرقَ درهماً ولا يلتفت للزّعيم الذي يسرق البلد وخيراتهُ وحلُم ابنائه وكلّ الفُرص المُتاحة لصالح ابنائهِ واحفادهِ وأزواج بناتهِ وبطانتهِ الفاسدة؟!. وتذكّر دائماً بانَّ ما يُقدّمهُ الزّعيم من إنجازات ومشاريع هي حقّك الخالص من البلد وهي ليست مِنّةً مِنْهُ ولا من جيبهِ ولا هي مَكرُمات يتفضّل بها عليكَ أبداً. لا تبعْ لهُ ارادتكَ وموقفكَ وصوتكَ ومعارضتكَ لفسادهِ مقابل خديعة (مكرُمةٍ) أبداً، فتمسّك بحرّيتكَ وبكرامتكَ وبغيرتكَ على البلد وعلى حقوقكَ في كلّ الأحوال. ولا يخدعنّك الزعيم بمعسولِ الكلام وحلوِ الشّعارات، ولا تَسْكر على وعودهِ او تُخدّرك الأرقام المهولة التي تسمعها مِنْهُ عن المشاريع والانجازات التي (سوفَ) يحقّقها لك، فالعِبرةُ ليس في كلّ هذا والقيمةُ الحقيقيّةُ ليست في كلّ هذا وانّما بالمنجَز الذي تلمسهُ لمسَ اليدِ. المْ يعدَنا (القائد الضّرورة) بسَكنٍ لكلّ مواطن؟ الم يعدَنا بعشرةِ آلاف طالب مُبتعث؟ الم يعدَنا بالقضاءِ على الفساد وبالتّنمية وببناءِ المدارس للقضاءِ على ظاهرةِ المدارس الطّينيّة؟ الم يعدَنا بالقضاءِ على (الفقاعةِ) التي تمدّدت لتغتصبَ نصف العراق؟ فما الذي تحقّق من كلّ ذلك؟ لا شيء!. انّ الوعود سهلة الإطلاق قليلةَ المؤونة، الا انّ الإنجاز وتحقيق الوعود هو الصّعب والصّعب جداً. انّ من طبيعةِ الزّعيم الفاشل انّهُ يبحث عن شمّاعات ليعلّق عليها أسباب فشلهِ وإخفاقاتهِ، من جانبٍ، ويسعى مع فريق عملهِ المأزوم لصناعةِ الأزمات واثارةِ المشاكل ليُثير الغبار بوجهِ الرّأي العام لانشغالهِ بها وحرفِ الأنظار عن الواقع ونسيانِ وعودهِ من أجلِ ان لا يسألهُ احدٌ عنها ومدى حجمِ المتحقّق منها. هذا ديدنُ الزّعماء الفاشلين، ففي كلّ يومٍ يكشف لنا عن مؤامرةٍ حيكت ضدّهُ في هذه العاصمةِ او تلك، وفي كل يوم لهُ منازلةً كُبرى ضدّ هذا الشّريك او ذاك. ثمّ، وبعد كلّ هذا، نسمعهُ يقول (بعد ما ننطيها) فتلتصق مؤخّرتهُ بالكُرسي!. هذه طبيعتُهم، امّا المواطن، فينبغي ان لا يصدّق كلّ هذا فلا ينشغلَ بأزمات الزّعيم المُفتعلةِ، لتظلّ عيونهُ متسمّرة صوبَ الإنجاز فقط، ويبقى اهتمامهُ منصبٌّ على إنجاز الزّعيم ليقارنها بوعودهِ، وليظلّ يلاحقها الى النّهاية، فلا يقبل تبرير الزّعيم ولا يقبل منه عذراً، فإمّا ان يحقق وعودهُ او ان يرحلَ غَيْرَ مأسوفٍ عليهِ. على المواطن ان لا يُدافع عن الزّعيم أبداً مهما كان حجمهُ ولونهُ وانتماءهُ، وإنما يجب ان ينصبّ دفاعهُ عن المنجز وعن النّجاح فقط. اذا كان المعيارُ هو الإنجاز فقط فسنقضي على ظاهرة الصّنمية وعبادةِ الأشخاص وثقافة (عبادةُ العجْلِ) وبذلك سنتحرّر من الأغلال التي يصنعها الزّعيم لإقناعِنا بانّهُ الأملُ الوحيد لإنقاذ البلاد وتحقيق أهداف الشعب واحلامهِ، وانّ كل من عداهُ فانّ {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}!. انظروا كيف يسوّق الزّعيم نَفْسَهُ كمنقذٍ، ليبرّر التصاق مؤخّرتهُ بالكُرسي!. عاشراً؛ انّ كل ذلك بحاجةٍ ماسّةٍ الى ثقافةٍ تستقرّ في عقليّة المواطن منذُ الصّغر، الامر الذي يحتاج الى تربيةٍ وتعليمٍ مبكّرَين. يجب ان نُعلّم الأطفال فنّ الحوار والتّعايش والالتزام بحدود الحقوق والواجبات وحريّة الاختيار والإيمان بمبدأ تكافؤ الفرص، ومبدأ ان البلد وخيراتهِ وفرص الخير مشاعةً للجميع وهي ليست حكراً لأحدٍ او ملكاً خاصاً. يجب ان نعلّمهم كيف يعبِّرون عن أنفسهم بقوّة المنطق وليس بمنطق القوّة. مشكلتُنا انّنا نريدُ ان نغيّر الواقع من فوق الى أسفل وهذا ما لا يمكن أبداً، فالتغييرُ يبدأ من أسفل اي من المواطن، اما الزعيم فهو نتاجُ المجتمع، ولذلك قيل في الحكمة (كَيفما تكونوا يولّى عليكُم) وهذا ما نلمسهُ كحقيقةٍ لمس اليدِ، فَلَو انّ زعيماً عراقياً قرّر ان يخوضَ الانتخابات في الولايات المتحدة مثلاً فهل سيتشبّث بالسّلطة؟ هل ستلتصق مؤخّرتهُ بالكُرسي؟! أبداً، أمّا اذا قرّر الرئيس أوباما مثلاً ان يخوضَ الانتخابات في العراق! فسيضطرّ للتشبّث بالسّلطة رغماً عَنْهُ، لانه مضطرٌّ الى ان يُساير المجتمع في العراق ويتعايش مع ثقافتهِ وطريقةِ تفكيرهِ! ليجدَ خلفيّتهُ وقد التصقت بالكُرسي من حيث يُرِيدُ او لا يُرِيدُ!. من الضروري جداً تغيير المناهج التعليميّة والدراسيّة لإضافة قيم الحياة لها ليتعلّم أَطفالنا كيف يعيشون؟ وكيف يتعايشون؟ وماذا تعني الحريّة؟ وما هي حدودها؟ وكيف نحمي الإنجاز؟ وكيف نكافئ عليه؟ وماذا يعني مفهوم المواطنة والوطنية؟ وما هي الأدوات الحقيقيّة للنّظام الديمقراطي؟ وما هو الفرق بين الدّولة والنظام؟ وماذا تعني السّلطة؟ وما هي حدود الحقوق والواجبات؟ وغير ذلك من القيم والمبادئ التي يجهلها مجتمعنا للاسف الشّديد على الرّغم من مرورِ اكثر من (١٣) عامٍ على التّغيير، والسّبب بسيط وواضح جداً وهو انّنا جميعاً انشغلنا بالقشور ولم نفكّر او نسعى لتحقيق التغيير الجذري الذي يبدأ بتغيير العقليّة والمفاهيم وطريقة التّفكير. لقد لبِسنا قشرةَ التّغيير والعقليّة لازالت على حالها لم تتغيّر قيدَ انملةٍ، فلقد تغيّر كلّ شَيْءٍ، الأسماء والالوان والأزياء والخلفيّات والشّعارت والعناوين، امّا العقليّة فهي هي!.