حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ ثمانُ سنوات مرت على عقد اتفاقية الاطار الإستراتيجي التي وقعتها الولايات المتحدة مع جمهورية العراق (2008) دون تفعيل حقيقي كان من المفترض ان يكون الاحتلال الداعشي لجزء كبير من الاراضي العراقية (حوالي ثلث العراق) مثابة ذريعة واقعية لإثبات حسن النية الأمريكية تجاه العراق بالتفعيل العملي لأهم بنود هذه الاتفاقية لاسيما مايتعلق منها بالأمن والحفاظ على امن واستقرار وسيادة العراق ( القسم الثالث: التعاون الدفاعي والأمني تعزيزاً للأمن والاستقرار في العراق، وبذلك المساهمة في حفظ السلم والاستقرار الدوليين، وتعزيزاً لقدرة جمهورية العراق على ردع كافة التهديدات الموجهة ضد سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها، يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية دون الإجحاف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه وأجوائه.) وهو بند يحدد المسؤوليات المترتبة على الولايات المتحدة تجاه العراق وهي اتفاقية ملزمة لدولة عظمى احتلت العراق وحلت جيشه ووقفت موقف المتفرج وهو يكابد أهوال الحرب ضد الإرهاب، الحرب الوطنية التي تحولت الى حرب "نيابة" عن العالم بأسره. وكانت "إستراتيجية" الولايات المتحدة يلفها الغموض والضبابية حتى قبل عقد هذه الاتفاقية وذلك حينما اشتدت الهجمات الإرهابية من قبل تنظيم القاعدة، التنظيم الذي أعلن الحرب ضد الوجود الامريكي (الصليبي) في بادئ الأمر في العراق الذي استحال الى ساحة تصفيات بين طرفي نزاع كلاسيكي ابتدئ بعد انتهاء سيناريو الاحتلال الروسي لأفغانستان التي كانت بؤرة للصراع بين "المجاهدين" وبين "الكفار" الروس وهو سيناريو كان قائما بدواع وطنية وعقائدية (طرد المحتل "الكافر") في الظاهر اما في الباطن فهو صراع تحولت بوصلته الى الحرب ضد الولايات المتحدة التي أدارت ظهرها "للمجاهدين" بعد ان انتفت حاجتها منهم فيما بعد، وليس للشعب العراقي الذي تحول الى ضحية هذا الصراع ناقة او جمل وظل يدفع الثمن باهظا نتيجة اجرام البعث / قاعدة الى ان انبثق تنظيم داعش المتوحش من رحم القاعدة وكان متوقعا من الولايات المتحدة ان تقدّم "إستراتيجية" مناسبة تكون في الأقل في مستوى الخطر الذي يمثله هذا التنظيم وهو خطر شمولي كاسح وعابر للحدود والقارات ولا يقف في وجهه اي رادع امني، وتتناسب ايضا مع مواجهة التحديات التي يفرضها تنظيم داعش على الامن القومي الامريكي ومنظومة المصالح الإقليمية التي تحتّمها الاهميات الجيبولوتيكية لبؤر تلك المصالح ومنها العراق وهذا لم يحصل نتيجة لتراخي الولايات المتحدة . وكما لم تفعّل الولايات المتحدة إستراتيجية واضحة للقضاء على او تحجيم الإرهاب القاعدي الذي كان يفتك بالأبرياء يوميا خاصة إبان المد الطائفي وبروز ملامح حرب أهلية طائفية طاحنة اذ تركت العراقيين تحت رحمة الإرهاب القاعدي الأسود الذي تورّم وانتج لنا داعش بنسخة اكثر توحشا من المصدر الام وبقي الشعب العراقي مكشوفا تحت رحمة الإرهاب الداعشي وسط مشاركات خجولة ودون الطموح من قبل الولايات المتحدة ومعها أعضاء الأسرة الدولية خاصة التحالف الستيني المنضوي تحت يافطة مكافحة الإرهاب والقضاء عليه بسبب عدم تفعيل إستراتيجية جادة وفعالة ضد هذا التنظيم ايضا. فالولايات المتحدة تتخبط في أهدافها الإستراتيجية وتتأرجح مابين عدة إستراتيجيات" متناقضة فهي ترى ان إستراتيجيتها في العراق هي تجنب إرسال جنودها اليه مرة أخرى لعدم تكرار سيناريو 2003. فيما يعلن الرئيس أوباما ان الولايات المتحدة لا تملك "إستراتيجية" كاملة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا فالولايات المتحدة تنظر الى هذين البلدين من منظار إستراتيجي واحد. وتارة تتذرع الولايات المتحدة بان الحرب على داعش هي طويلة الأمد ولن تنتهي في افق زمني قريب (كما يريد العراق) وان عمليات التحالف قد تستغرق ما بين ثلاث إلى خمس سنوات أخرى ربما لإعطاء الفرصة "لتحجيم" تمدد التنظيم في العراق وسوريا. وتارة تتعامل الولايات المتحدة بمنطق اللامبالاة بعد ان وصف اوباما تنظيمَ داعش أنهم مجرد "هواة" فريق كرة البيسبول تقليلا من حدة المخاوف المرتبطة بداعش ومايشي على رؤية إستراتيجية غير ناضجة لمخاطر هذا التنظيم ولكنْ هؤلاء "الهواة" قد يتمكنون من السيطرة على مناطق جديدة تنفيذا لأطروحتهم في التمدد وهو مايحصل الان. ولكن الولايات المتحدة عادت الى الاعتراف من خلال الرئيس اوباما نفسه الذي استهان بمخاطر داعش بأن تهديد تنظيم "داعش"، بات عابرًا للحدود، إذ وصل إلى تونس، والكويت، وسيناء المصرية، ويتنامى بشكل كبير، مشيراً إلى أن ذلك سوف يدفع الولايات المتحدة إلى تحديد "خطوات" إستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وإن مسألة محاربة التطرف لن تقتصر فقط على الجهود العسكرية، بل خَلْق أيديولوجية مناوئة في اشارة الى شمولية الحرب على داعش وعدم اقتصارها على الإجراءات العسكرية فقط،وذلك بالعمل مع الشركاء لوضع أجندة لكراهية داعش لمحاربة كافة المتطرفين الذين يشوهون صورة الإسلام الحقيقي بحسب تعبير اوباما. ياتي هذا التحول بعد ان التزمت الولايات المتحدة بسياسة "الصبر" الإستراتيجي ـ ردحا من الزمن كان كافيا لتحقيق نتائج داعشية مرعبة في التوسع ـ وربطها بالحل السياسي المزمع الوصول اليه في نهاية المطاف بدعم استقرار العراق من خلال تعزيز جهود "المصالحة الوطنية". وان الولايات المتحدة بدأت تربط مابين مصالحها الجيو ستراتيجة في شرق اوسط جديد ومابين ستراتيجيتها "الصبورة " في القضاء التدريجي على داعش او لاتريد الفريط بمنظومة تحالفاتها في المنطقة. فهي تحتاج حتما الى التنسيق الضروري مابينها وبين الدول الأعضاء في التحالف الستيني ومنها العراق سواء في الأهداف او الوسائل او الآليات وحتى في النتائج المتوخاة، وعدم الاكتفاء بالجلوس على التل وانتظار متى ماتنجلي هذه الغبرة لرسم خارطة طريق لإستراتيجية مابعد فوات الاوان تكون داعش قد وصلت الى قلب واشنطن وغزت امريكا في عقر دارها. اعلامي وكاتب
أقرأ ايضاً
- التخبط العلماني
- التخبط الامريكي والمستضعفين
- بين التظاهرات الشعبية والمحاصصة وبيع المناصب الحكومية يستمر التخبط والفشل