حجم النص
لقد أدت سياسة التسلط والتنكيل بالمواطنين التي اتبعها العثمانيون في سنواتهم الاخيرة الى التمرد بين صفوف الشعب العراقي واندلاع الثورات، ومن أهم تلك الثورات هي ثورة النجف العام 1915 كونها ثورة شعبية انتفض فيها الثوار ضد الظلم والاستبداد حيث حوصرت الحامية التركية من قبل الاهالي وطلب رجالها الأمان فأعطي لهم الأمان، وطردوا من النجف نهائياً فكانت اول مدينة عربية تتحرر من نفوذ الاتراك،وبقيت تحكم نفسها لمدة سنتين، حتى دخول الانكليز بغداد العام 1917 واحتلال العراق بأكمله ليبدأ فصل جديد من فصول الغطرسة والاستعباد.
ثم قامت ثورة أخرى في النجف العام 1918 ضد المستعمرين الانكليز وقتل فيها الحاكم العسكري (الكابتن مارشال ) من قبل الثوار، وبعد ذلك حوصرت المدينة من قبل القوات البريطانية ومنع عنها الماء والغذاء ومرت على الاهالي ايام صعبة من الجوع والعطش ... وبعد ( 45 ) يوماً من الحصار والقصف المدفعي الشديد استطاع الانكليز فتح ثغرة بسور المدينة واقتحموا المدينة وبدأت حملة مطاردة للثوار، حيث ألقي القبض عليهم وقدموا الى محكمة عسكرية حكمت على احد عشر منهم بالاعدام ونفي اكثر من مئة شخص من قادة الثورة ووجهاء المدينة الى الهند .
وقد تعمدت السلطة البريطانية دعوة عدد من شيوخ عشائر الفرات الاوسط لحضور مشهد إعدام اولئك الابطال في الكوفة، فترك ذلك أثر سلبياً عليهم، وكانت خافزاً مهماً للثورة الكبرى العام 1920 .
كانت ثورة العشرين التي انطلقت شرارتها الاولى في الرميثة في الفرات الاوسط ثم عمت معظم مناطق العراق، عملاً سياسياً وعسكرياً منظماً ساهمت فيه المرجعية الدينية التي أفتت بالجهاد، والنخب السياسية من مختلف شرائح المجتمع العراقي، وشيوخ العشائر وقوى الشعب المختلفة، مما جعل المحتل يعيد حساباته في حكم العراق بنفس الطريقة التي كان يحكم فيها الهند ، فوافق مرغماً على مطالب الثوار في تأسيس الحكم الوطني بقيادة ( الملك فيصل بن حسين ) رغم المعاهدات التي كبل بها العراق فيما بعد ، وكانت مثاراً للصراعات السياسية خلال العهد الملكي. وقد ساهم الادباء والكتاب والشعراء والمثقفون في ذلك الزمان في اسناد الثورة وإعطائها البعد السياسي والاعلامي والثقافي في وجدان الشعب العراقي، وكان الجواهري من الشعراء البارزين في هذا الميدان وله الدور البارز في مواكبة الاحداث حيث ترسخ الوعي السياسي له منذ صباه حيث عاصر في مطلع حياته حقبة كانت مليئة بالاحداث الخطيرة التي رسمت تاريخ العراق وتمثلت في غروب شمس الامبراطورية العثمانية وبزوغ نجم الاحتلال الانكليزي في الساحة العراقية، وبقي الجواهري وفياً لوطنه وشعبه حتى شيخوخته حيث كتب قصيدته ( يا ابن الفراتين ) في العام 1968 .
كما كتب الجواهري الكثير من القصائد في شتى المناسبات وكرس جهده في التنديد بالمحتل البريطاني وفضح الساسة الذين يدورون في فلكه،ونادى بترسيخ الوحدة الوطنية، وانصاف الطبقات المحرومة وحق حرية الشعوب ...وكان شعره سجلاً حياً وكتابا مفتوحا تقرأ بين طياته تاريخ العراق الحديث وحركة الشعوب في مسيرتها في العدل والحرية. وكانت من اولى قصائده هي قصائد سياسية حيث كتبت عدة قصائد في ثورة العشرين التي شهدها وكان شاباً واشهرها الثورة العراقية التي كتبها العام 1921 نذكر منها :
لعل الذي ولى من الدهر راجعُ
فلاعيش ان لم تبق الا المطامعُ
غرور يمنينا الحياة وصفوها
سراب وجنات الاماني بلاقعُ
ثم يعرج الشاعر على مجريات الثورة وبطولاتها، وخاصة حينما اغرق الثوار في نهر الكوفة الباخرة الحربية الانكليزية ( فاير فلاي ) التي حصدت ارواح الكثير من المواطنين بالمدفع الذي غنمه الثوار في معركة ( الرارنجية )بقوله :-
وفي الكوفة الحمراء جاشت مراجلٌ
من الموت لم تهدأ وهاجت زعازعُ
أديرت كؤوسٌ من دماء بريئة
عليها من الدمع المذال فواقعُ
وفي قصيدة اخرى ربط نضال الشعب العراقي لتحقيق الاستقلال والحرية والنهضة بمجمل النضال العربي وشعوب الشرق عموماً ضد الاستعمار حيث قال :-
وقد خيروني ان في الشرق وحدة
كنائسه تدعو فتبكي الجوامعُ
وقد خيروني ان للعرب نهضة
بشائر قد لاحت لهن طلائعُ
وحينما صرح ( تشرشل ) وزير المستعمرات البريطاني العام 1922 بوضع العراق تحت الانتداب البريطاني وصادف تصريحه اول ايام عيد الفطر، فكان يوماً مشهوداً حين اعلنت الاضراب العام، فأغلقت الاسواق والمحلات أبوابها وانطلقت المظاهرات الواسعة مستنكرة التصريح المذكور، والمطالبة بالحرية والاستقلال، وامتنع العراقيون في وقتها عن المعايدة في العيد، فكانت للجواهري قصيدة ( تحية العيد او الملك والانتداب )التي نشرتها جريدة الرافدين لكنها حذفت بعض ابياتها خشية من الرقابة الشديدة على الصحف انذاك رداً قوياً على المستعمرين
نذكر منها :-
لمن الصفوف تحف بالامجاد
وعلى من التاج الملمع باد
ومن المحلّى بالجلال يزينه
وقر الملوك وسحنة العباد
هذه صور ومقتطفات من شعر الجواهري لكونه كان يمثل مدرسة للشعر السياسي في مناصرة الشعب العراقي من اجل نيل الحرية والاستقلال والمساواة وعلى مر الايام والسنين ظل صوت الشعب صوتاً مدوياً في الافاق ينطلق من اعماق المدن والقرى يتناغم مع ظلال المضايف الشامخة والايام العظيمة هذا الصوت الذي ارعب الاعداء والحاقدين والمحتلين وما زال يرعب قلوبهم كلما مرت ذكرى مواقفهم البطولية الرائدة في الساحة العراقية والتي اصبح اليوم تاريخاً يتجدد في التراث العراقي ..
الصباح
أقرأ ايضاً
- الدنمارك والسويد تمنعان زواج أولاد الأعمام والأخوال
- فوائد الرمان الصحية.. كنز طبيعي لتعزيز الصحة العامة
- التربية تعلن دخول 600 مدرسة جديدة إلى الخدمة مع بدء العام الدراسي