حجم النص
بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
من أين يبتديء السقوط والعراق نخلة اجهضت ثمارها؟ ففي عصر الثروات المنهوبة وفساد سياسيي لعبة الكراسي المهترئة واستباحة الانسان فالسقوط كما يكون مدوياً لأنه يكشف مساحةالالم اللامتناهي.
للسياسيين القابعين في مكتبهم المكيفة بِذُل الانسان، إن اجتماعاتكم، لقائاتكم، خلافاتكم لاتعني لنا شيئاً، ولكننا لانمنع حقكم في الاختلاف والتنازع بينكم، فمن حقكم ان تختلفوا، ان تتصارعوا، تتقاتلوا لكن إفعلوا لك ذلك بعيدا عنا ولا تحشرونا في خلافاتكم، فخلافاتكم وصراعاتكم ليست لنا أو بسببنا حتى وإن تحملنا نتائجها الكريهة، إن اجتمعتم فلمصلحتكم يكون الاجتماع! وإن اختلفتم فبسبب فسادكم وتقاتلكم كالذباب على ملعقة العسل، ولكنه لكم وبكم وليست لنا ولا لاجلنا!
فلو كانت لنا ومن اجلنا كما تدعون لما امتلئت جيوبكم بالمال الحرام وحساباتكم بالسحت وبما تنهبون من خيرات ومليارات تهرب وتنفق على التافهين، ولما ترفهتم على حساب الانسان المسحوق قهراً، لو كانت اجتماعاتكم وصراعتكم وصراخكم اليومي من أجلنا، لما اضطرت تلك المرأة الى الخروج قبل ضياء الفجر لتبيع بعض حاجيات منزلها المتداعي كي تطعم افواه يتمتها قنابل الارهاب بسبب فشلكم السياسي والامني والاقتصادي، ولما جاع المجاهدون الاصلاء وسكنوا العشوائيات والمباني المهدمة بعد أن فجرت صراعاتكم بيوتهم، وقتل الارهاب السياسي آبائهم وابنائهم وشرد المخلصين الذين امتلأت حناجرهم حسكاً واشواكاً كالخناجر الصدئة.
لو كانت تفاهاتكم حتى تفاهاتكم من أجلنا لظهر شيء من الصدق! ولكن هيهات فهذه الجثث المقطعة تطوف في كل الدروب إلا في عقولكم ومخيلتكم المريضة، فالمواطن لا يستطيع في دوائر حكومات ديمقراطية الوهم ان يحصل حقه دون ان يدفع رشوى وان يذل نفسه امام موظف كل همه حشو جيوبه من تعب الاخرين. فابسط موظف يعتبر خزانه دائرته الحكومية خزانة شخصية، وأما الكهرباء فيا لله ويا للكهرباء، فبلد ميزاية حكومته (مليار ومائتي مليون) دولار أمريكي يعيش في ظروف حياتية وخدمية هي الاسوء في العالم، والكهرباء اربعة ساعات من كل اربعة وعشرين ساعة أي سدس اليوم، بل ان بعض مدن الصومال وجيبوتي انظف واكثر ترتيباً من مدن عراقية رئيسية.
فأكوام الزبالة والانقاض والمخلفات اليومية صارت جزء اصيل من تاريخ وحضارت حكومة ديمقراطية الوهم، والتخلف والتردي الفكري والاجتماعي قد ساعد على المزيد من الانحطاط النفسي، بل ان تردي مستويات الوعي الفردي والجمعي صار سمة العصر.
أفهذا حكمُ احزابٍ اسلامية؟ لا والله، ما هذا الاسلام الذي جاء به محمد خاتم الانبياء صلوات الله عليه وآله الاطهار. فالله وانبياءه ورسله وائمته والصالحين بٌراء منكم، ومن افعالكم واقوالكم وسلوككم المنحرف، فلو كان هذا الاسلام لهربت من اسلامكم!! ولو كان هذا هو الدين لفررت من دينكم!! فهذا الكتاب يشهد: " ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجائتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين ". يونس: 13.
وهذا امير المؤمنين ويعسوب الدين الامام علي عليه السلام الذي تتمسحون باسمه جزافاً وتدعون أنكم على سبيله تهكماً منكم عليه ها هو يقول: " والله لأن أبيتُ على حسكِ السعدان مسهداً أو أن أٌجرّ في الاغلال مصفداً، أحب الي من أن القى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، وغاصباً لشيء من حطام الدنيا، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها ويطول في الثرى حلولها ".
وإني والله أشهد أنكم ظلمتم عباد الله وإغتصبتم حقوقهم وجمعتم من حطام الدنيا ماهو ليس بحقكم ولا لكم فيه فضل او سبب، وإنكم إجترأتم على عباد الله وتطاولت على البشر وتعاملتم بالرشى وفضلتم قرابتكم واتباعكم من الخاملين والتافهين وسقط المتاع على خيار الناس من اصحاب العلم والفضل والمكانة، ومن أهل العدل واتباع الحق، فشابهتم بذلك الظالمين وسلكتم سبيل المجرمين فلكم الويل، فما عدنا نفرق بينكم والطاغية الذي مضى.
ألا أتباع الشهوات، وعبيد هوى النفس، الظالمين لانفسهم وللناس. والله يقول: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ". الجاثية: 23.
ففي الوقت الذي تعيش فيها الكثير من بلاد العالم حالة من الرفاهية والطمأنينة وتحقيق الخدمات بشكل اكثر مما يتوقعه الانسان العادي وهي تعتمد على ميزانيات اقل بكثير من المليار ومائتي مليون دولار امريكي، فان العراق الذي ندعي جزافا انه يرتكز على اقدم حضارة عرفها الانسان، هذا العراق المواطن فيه يعيش على بطاقة التموين وهي التي تعكس حجم التردي الاقتصادي في بلد نفطي من الدرجة الاولى!! العراق بدلا ان يكون جنة صار كومة من الازبال ارتفعت حتى كادت تتجاوز تلك التماثيل الحضارية التي لم يكن لاصحاب الكراسي الحالية فضل في وجودها.
الحاكم الذي يجمع شلة تافهة من المستشارين لايمكن ان يتمتع بالحكمة ويفتقر افتقاراً شديداً للحصافة وحسن التقدير، ففي الوقت الذي يجب ان يكون المسنشار خبيراً في تخصصه، نرى مستشارين اشبه بمذيعي النشرات الاخبارية الرديئة، وفي الوقت الذي يفترض بالوزراء ان يكونوا خبرا وتكنوقراط ليعمل كل منهم في تخصصه، نرى وزراء ينطبق عليهم البيت الشعري:
المستشار هو الذي شرب الطلا فعلام يا هذا الوزير تعربدُ.
فلا المستشارين هم مستشارين ولا الوزراء وزراء، والحاكم الذي يحيط نفسه بهكذا اشخاص انما يعكس ضعف شخصيته وتردي وذهنيته، ففاقد الشيء لا يعطيه، ونبات الحنظل لا يطرح تفاحاً، فعندما يصير الحاكم عبداً لشهواته ولكرسي السلطة يصير ضيق الافق لا يرى ابعد من انفه، والدنيا لا تمثل عنده إلا تلك المساحة التي تحتل جيبه.
ايها الحكام إن كنتم تبحثون عن الارهابيين والقتلة والمنحرفين والمرتشين الفاسدين واصحاب كل الصفات السلبية والقيم المنحطة فانظروا في المرآة فالقاتل والظالم والمرتشي والخائن هناك!!
الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
[email protected]
أقرأ ايضاً
- صفقات القرون في زمن الانحطاط السياسي
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر