- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مونديال 2010 ...كلا للمقارنة...نعم للدراسة
كل شيء يوحي بالتأمل ... ادق التفاصيل الصغيرة ...تجعلك تفكر وتتأمل بعمق وتتسائل .كيف استطاعت دولة مثل جنوب افريقيا ان تتحقق كل هذا النجاح ؟ دولة عاشت اقسى مرحلة تمييز عنصري شهدتها البشرية على مر التاريخ ...فبعد كل تلك المصائب والمحن والدماء ...استعادت جنوب افريقيا ... مكانتها بين دول المعمورة بعد ان تجاوزت محنتها ومصائبها ...وتاريخها الموشح بالقتل والسبي والعبودية والدماء ...ولتقدم للانسانية جمعاء اروع وابلغ درس في التعايش السلمي بين ابناء الوطن الواحد ... فكان مانديلا يمثل كل جنوب افريقيا ... ولذالك ارتقت جنوب افريقيا لتكون هي بحق مانديلا ... ومن اجل كل ذلك قال العالم جميعا شكرا لك مانديلا فقد اثبت بالملموس ان الانسان باستطاعته ان يتغلب على احقاده ونوازعه وميوله ويتعايش مع الآخر عندما يمتلك الحب والصدق فليس هناك سواهما طريقا لتحقيق ذلك ...فبالحب والصدق .صنع مانديلا ... اسطورة التعايش السلمي وسط اكبر بلد عاش التمييز العنصري ...! فمن اين لنا مانديلا عراقي؟ ليخلصنا مما نحن فيه !!! قلنا في البداية .ان كل شيء في المونديال يدعوك للتأمل .فقد استطاعت المستديرة (كرة القدم) ان تجمع الجميع بمختلف الوانهم وميولهم واديانهم ومذاهبهم وقومياتهم واجناسهم . حولها وانشّد الجميع الى شاشة التلفاز وهم يشاهدون الاقدام التي باتت تتحكم بمشاعرواعصاب ودموع وافراح الملايين ... مشهد لايصنعه سوى كرة القدم ... انه كرنفال من طراز خاص كل شيء يدعوك للتأمل .اللاعبون .الجمهور.المدربون .الحكام .الاداريون .رجال الامن .الاعلام .الملاعب .المعلقون .المحللون .وغير ذلك مما يعجز القلم عن ذكره .
اللاعبون قدموا لنا درسا جديرا بالدراسة والتمحيص بعيدا عن الجانب الفني( وهوشأن اهل الاختصاص) كان بعض اللاعبين قمة بالانضباط التكتيكي والاخلاقي داخل الملعب فالبرغم من قساوة المباريات واحيانا قساوة الخشونة من قبل الخصم ...وقساوة قرارات الحكام والتي كانت بعض منها تمثل اخطاءاً كارثية وتاريخية بحق بعض الفرق واللاعبين الا اننا نرى ان اللاعبين كانوا يتقبلون ذلك بروح رياضية عالية .. لانهم كانوا يقدرون طبيعة المسؤولية التي يحملونها في الوقت الذي نشاهد لاعبينا للاسف في دورينا البائس يتفنون في طرق الاعتراض والامتعاض من قرارات الحكام فلا زال لاعبونا للاسف اميون في معرفة قانون كرة القدم فهم لايجيدون سوى الصراخ والكلمات النابية والتي تعبر عن جهل وسذاجة ثقافة اللاعب ,من منا يستطيع ان ينسى تصرف الفريق الهولندي في المباراة النهائية امام اسبانيا حيث لعب الفريق الهولندي ضربة الزاوية والتي حصل عليها نتيجة سهو اللاعب الاسباني عندما اعاد الكرة الى الحارس كاسياس بشكل مفاجيء وغريب مما حدى بالحارس كاسياس بأخراج الكرة الى ضربة زاوية ساعتها عرف الفريق الهولندي ان هذه الكرة جائته نتيجة سهو من اللاعب الخصم وعليه فقد تصرف بشكل حضاري رائع واعاد الكرة الى الفريق الاسباني وهو يلعب مباراة نهائي كأس ,اين لاعبونا من هكذا تصرف؟؟. اما المدربون في المونديال فقد قدم اغلبهم لنا درسافي التواضع وعدم الغرور . فكانت تصريحاتهم وتصرفاتهم تعبر عن ثقافة عالية في كيفية ادارة المباريات وكذلك في كيفية التعامل مع اللاعبين واحترام الخصم مهما كانت قوته.فقد ابتعد المدربون عن مظاهر الاثارة والتهييج الجماهيري والتي للاسف يجيدها مدربينا ..في دورينا الفقير.. فكم مرة شاهدنا مدربينا وهم يرعدون ويزبدون ويتطاولون ويتلاكمون مع الحكام والجمهور واللاعبين ...وكأنهم شقاوات باب الحارة اوفتوات شارع محمد علي ...!
والحكام في المونديال فهم يمثلون العلامة الفارقة حيث كانت قرارات بعضهم كارثية ...وغير معقولة مما جعل السيد (الفيفا) اطال الله في عمره يفكر مليا في استخدام التقنية الحديثة في مجال التحكيم مستقبلا مما يؤشر على تراجع مستوى الحكام في هذا المونديال .
وكان الاداريون في هذا المونديال قمة في الاداء ...فقد قدم لنا الاداريون درسا اداريا بليغا في كيفية ادارة الفريق ...فالاداري يعمل.فهو يعرف واجباته وحدوده وصلاحياته .في الوقت الذي يكون الاداري في فرقنا بدورينا (المسكين) هو المدرب واللاعب ومسؤول النادي (وكل شي وكلاشي) .
من جانب آخر اثبت الاداريون في جنوب افريقيا انهم ناجحون فعلا خلال اتباعهم نظام ادراي ناجح ومميز وخاص للبطولة تبلور في تقسيم المهام والصلاحيات وعدم وجود حالة تقاطع في العمل ابتداءا من رأس الهرم في اللجنة المنظمة وانتهاءا بأصغر عامل في ادارة شؤون البطولة .وكان الجمهور هو الرابح الاكبر والفائز بهذا المونديال فقد قدم لنا الجمهور المونديالي .لوحة فنية غاية في الروعة ..ابتداءا بالزي وانتهاءا بالانضباط وطريقة التشجيع المتحضر... فلولا اصوات (الفوفوزيلا) لكنا نستمع من خلال المباريات الى سمفونيات موسيقية كروية رائعة يقدمها هذا الجمهور .في الوقت الذي نشاهد جمهورنا في دورينا (الفلته) يقدم لنا في كل مباراة مشاهد جديدة من مظاهر التشجييع (الاكشن) من خلال رمي الحجارة والقناني الفارغة والاهازيج المعيبة والتي لا تمت للاخلاق والرياضة بصلة ... فهل لنا ان نتعلم من الاخرين ؟ واصبح الاعلام في المونديال سيد الموقف فقد شدّت (الجزيرة الرياضية) جميع الجماهير اليهاعلى مدى شهر كامل واصبح الجميع لايشاهد سوى الجزيرة الرياضية في الوقت الذي ابدع فيه الفقراء العراقيون (وما اكثرهم) في اختراع واكتشاف اساليب مبهرة في كسر شفرة الجزيرة الرياضية حينما اعلنوا (نعم نعم للفقير كلا كلا للتشفير). في الوقت الذي بقت الرياضة العراقية تترنح على امكانياتها المتواضعة جدا جدا في نقل مباريات دورينا (الاطول في العالم).
وكان المعلقون( الشوالي ويوسف سيف والكعبي والدراجي ـ وعلي محمد علي) يشنفون آذاننا بأصواتهم الرائعة فكانوا يمزجون بين التاريخ والجغرافية والشعر والكيمياء ليقدموا لنا وجبة كروية مليئة بالمعلومة والمتعة بعد ان تعبت آذاننا من معليقينا الذين لايجيدون سوى الصراخ والزعيق فبعضهم لايفرق بين الضربة الحرة المباشرة والغير مباشرة ولايفرق بين الزوراء والجوية الا من خلال لون الفانيلة.
وكان استوديو المونديال على اعلى مستوى فقد شاهدنا المحللون بمعنى الكلمة منهم مدربون ولاعبون يشار لهم بالبنان فقد خبروا الفرق وعرفوا كل صغيرة وكبيرة عنها في الوقت الذي نشاهد محللي قنواتنا الرياضية لايجيدون
سوى التنظير والتوصيف السطحي للمباريات اضافة الى اسلوب تسقيط المدربين الذي يتبعه بعض الفطاحل من محللين مباريات دورينا البائس .ومن الذين خطفوا الاضواء في المونديال هم رجال الامن والنظام فكانوا قمة في الالتزام والتعامل الحضاري مع الجماهير حيث كانت عيونهم مشدودة الى المدرجات فلم نشاهد أي مظاهر مسلحة في الملاعب في الوقت الذي تدخل الهمرات وسيارات مكافحة الشغب ملاعبنا ففي دورينا الفقير نشاهد رجال حماية الملاعب هم من يشجع ويرقص (ويهوس) ويحفظ الامن ويعتدي على الجمهور بالهراوات ورمي الرصاص في الهواء واستعمال المياه لتفريق الجمهور ,اما فيما يخص الملاعب فلا نقول سوى الجملة التالية
(متى يغار السادة المسؤولون في بلادنا؟؟؟؟؟؟؟) ,ترى هل تصيبهم الغيرة حينما يشاهدون هذه الملاعب في الوقت الذي تجري مباريات دورينا البائس في ملاعب اقل مايقال عنها انها لاتصلح لمباريات كرة القدم .
ربما يصاب السادة المسؤولون بمرض الغيرة ويشمروا عن سواعدهم الناعمة واياديهم الترفة ويبنوا لنا ملعباً يبيض وجوهنا امام العالم او على اقل تقدير ينهون لنا اسطورة اعمار ملعب الشعب الدولي .
ان ماقلناه فيما تقدم يمثل دعوة صادقة ومخلصة لدراسة مونديال 2010 بكل جوانبه ,ولنتجنب المقارنة بيننا وبين الآخرين لانها للأسف ونقولها بمرارة غير موجودة ,وكان الله من وراء القصد .