لم يكن الا القليل منا من توقع بأن تسير الاوضاع بعد سقوط نظام صدام بالشكل الذي سارت عليه، ومن تحدث عن هذه النتائج هو ثاقب نظرة او خبيث كان يخطط مع المخططين لتحقيق الفوضى وصناعة الالم.
ولمعالجة النتائج السيئة اقترح البعض اعادة احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة، واقترح اخرون تسليم العراق بيد دكتاتور يشابه صدام بالحزم ويقل عنه بمستوى الظلم.. واقترح ثالث اقامة نظام فدرالي يقسم العراق الى ثلاثية قائمة على اسس الهوية الطائفية والقومية، ويقترح رابع اجراء انتخابات مبكرة للخلاص من الاستقطابات والانقسامات التي احدثتها الانتخابات الماضية، ويمكن ان يظهر اخرون ويقترحون تسليم العراق بيد العسكر مؤقتا استنادا الى تجربة تركيا او المساومة على العراق مع دول مجاورة كصفقة لاستقرار الاوضاع الامنية... كل هذه مقترحات، الا انها جميعا تعيد البلاد الى نقطة لن تعاد اوالى تاريخ لن يكرر نفسه والى مستقبل يمثل اجندة لاطراف تريد ان تتحكم لوحدها في مصير اجزاء كبيرة ومهمة من الارض التي ملّت اجندة اصحاب المشاريع السياسية والايدلوجية \"الجبارة\". نحن لسنا بحاجة الى مشاريع جديدة تطبق، لأن الموضوع يجب ان يدرس من زاوية مختلفة تماما عن تلك الزاوية التي ما زلنا ننظر اليها نحو واقعنا المرير. انصار عراق ما بعد صدام وخصومه ينظرون الى الواقع المتحقق على انه فشل مطلق لا يمكن علاجه الا بمجموعة مقترحات ومشاريع جديدة تضاف اليه او تنسخ المشاريع القديمة المتحققة منه، وهي زاوية مخطئة بامتياز، كونها قائمة على اساس لغة بدائية تنظر للامور وكأنها اشارة كن فيكون ليتحقق الخلق. في حين ان الحقيقة تقول كما يقول المثل السائد \"بيت الله لم يبن في يوم واحد\". نحن اخطأنا، ليس في الامل ببناء عراق اخر اكثر حضارية وتطورا من عراق كان يحكم باقبية مخابراتية ونظام ظالم مستبد، بل في اعتقادنا بأن هذا العراق سيكون كذلك بمجرد نهاية صدام. ليس الامر كذلك، فنحن لسنا اليابان ولسنا كوريا ولسنا المانيا. ان العراق يعيش وسط منطقة هي بالاساس مليئة بالمشاكل، والحلول الموضوعة لمعالجة هذه المشاكل مؤقتة ولا يمكن الوثوق بها، وهي منطقة تعاني من انقسام مزمن يتمظهر باشكال ايدلوجية او سياسية او دينية او بحسب الولاءات المفرطة. وهو بلد ذو مجتمع يعاني اساسا من كونه مجتمعا دينيا وعلمانيته طارئة ولا تستند الى عمق فكري يساعدها على البقاء. وايضا هو مجتمع خضع مرارا لعمليات تشويه مارسها فكر لا انساني مشوه يدعي انه فكر قومي في حين انه \"فكر\" قبلي ومارسها نظام لا نجد له مثيلا الا في مراحل قليلة من تاريخ الانسانية. في مثل هذه الحالة ليس من الصحيح التوقع بأن الحلول ستأتي في لحظة هي بمثابة بداية لمشوار طويل، على العكس ان مثل هذا التوقع يكرس المشكلة ويبقيها لأنه يستعجل في النتائج الايجابية ويندفع ليصطدم بجدار اخرس ما يؤدي الى ردود فعل عكسية. ان عراق ما بعد صدام يمر بمراحل، اولى المراحل هي فترة خروج قيح دمبلة كبرت وتلوثت عبر عقود طويلة، فيجب ان نمر بمرحلة هي ليست قصيرة لمعالجة القيح وتطهير الجسد منها تماما كي لا تنتشر، ونظرا للاخطاء التي حصلت بسبب الاستعجال او التهور او الطمع وبسبب نشوة المنتصر، فان المشكلات قد كثرت وتوزعت، والتصدي لها بحاجة الى وقت.
الزمن سيعالج كل هذه المشكلات ولكن بشرط وجود جدية عالية وشجاعة كافية تسعى لمعالجتها.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- النشر الصحفي لقضايا الرأي العام
- جرائم الإضرار بالطرق العامة