- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الأرقام في حياتنا .. العالم قرية
لعل اهم ما يشير الى تنظيم الشعوب وتحضرها هو مدى حرصها على التعامل بالارقام، فالاحصاءات الرقمية هي وحدها التي تمنح الافكار دقة عملية، فحينما تتحدث البلدان المتحضرة عن المعاقين مثلاً فسيكون هذا الحديث مصحوباً على الدوام بأرقام عن اعدادهم واعمارهم، وجنسهم، وحتى درجة ذكائهم.ان العالم المتحضر جعل الحياة سهلة ومنسابة من خلال ذلك التعامل، فمثلاً : على كل سلعة تجارية توجد هنالك ارقام تبدو عشوائية مطبوعة على العلبة، ان تلك الارقام ستدخل في حاسبة البائع لتصل الى احصائية الشركة المصنعة، لمعرفة ما الذي تستهلكه مدينة ما، نوع المادة وكميتها، خلال يوم واسبوع وشهر، وبذلك ستكون في المحال او الاسواق التجارية سلع متوفرة حسب عدد الافراد الذين يحتاجونها، اي ليست هنالك ازمة ، وليس هنالك فائض في السلع مكدس على الرفوف يمضي عليه زمن تصبح فيه المواد نافذة المفعول، مما يعرض الناس للخطر والاقتصاد للهدر.أن هذه المقدمة السريعة بشأن أهمية الارقام في حياة الناس قد لا تعنينا من قريب أو بعيد، فالرياضيات ومعادلاتها اصبحت تستخدم عندنا ،في احسن الحالات، في الاختبارات لتؤهل الذين يجتازونها في عبور مرحلة دراسية.هنالك أمثلة كثيرة عن أهمال الارقام في حياتنا، بعضها كاريكاتيرية، منها: ان معدل اطوال العراقيين في الغالب يتراوح بين 170ـ180سم، لذلك عند استيراد مواد من الخارج يجب ان تُراعى تلك الارقام، وبعكسه ستكون أقدام العراقيين، في حالة استيراد أحذية مثلاً، أما بحذاء ضيق، أو حذاء كبير، او حافية، هنالك مثال واقعي: الكراسي الجلدية في دوائر الدولة مستوردة من اماكن صنعت خصيصاً لأطوال أقصر من اطوال العراقيين، من جنوب شرق آسيا، لذلك حينما نجلس عليها ستلتصق ركبنا بصدورنا، وخذ كراسي سيارات \"الكيا\" ايضا، الكراسي الجلدية غير ملائمة للعراق، فالصيف هنا درجة حرارته تتجاوز الخمسين مما يجعل الكرسي فرناً.اما الخطر المباشر من عدم استخدام الارقام بدقة في حياتنا فيتجسد في قراءات مختبرات التحاليل المرضية في العراق، الحكومية والاهلية، فعلى الرغم من أن هذا المجال الوحيد الذي يجب أن تكون فيه للارقام اهمية بالغة، الا أنها مع ذلك مهملة، فالطبيب كما يُعرف ليس قارىء فنجان أو عرافاً يعتمد الظن او الحدس في تشخيص العلة، أنه يعتمد العلم في ذلك، ومن ذلك العلم ما تظهره التحاليل المرضية من أرقام.اخيرا، احد المختصين بعلم الاجتماع يعزو سبب تفاوت اهمية الارقام في حياة الافراد والشعوب الى انحداراتهم الطبقية، فأبن الريف لديه الارقام سائبة والزمن مائع، لانه يعتمد في عمله على الامطار التي تتساقط بأيام متفاوتة من السنة، امطار ليست محددة بيوم معين بل بفصل كامل، أما ابن المدينة فأن الآلة ودقتها اثرا في سلوكه والتزامه بالارقام، أبن الريف اذا أتفق معك على موعد سيقول لك: غداً صباحاً، والصباح ممتد بزمن يتجاوز ست ساعات، أما أبن المدينة فسيقول لك: غداً في الساعة العاشرة صباحاً.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً