تحولت موانئ العراق من مورد اقتصادي للدولة إلى باب للفساد ومصدر لتمويل جهات خاصة وأحزاب متورطة تتحكم بمواردها، والتي حولتها إلى إرث يسلم من الآباء إلى الأبناء ومن مسؤول إلى آخر.
ومع اقتراب ميناء الفاو الكبير من فتح مراسيه للسفن والبواخر في العام المقبل، أصدرت محكمة أمريكية، امس الاثنين، حكما على الحكومة العراقية وشركة الموانئ العراقية بدفع مبلغ 120 مليون دولار لصالح شركة أركيرودون القبرصية الخاصة بانشاء كاسر الأمواج في ميناء الفاو.
يذكر أن مشروع إنشاء محطة الحاويات لميناء الفاو الكبير وهو أحد المشاريع الخمسة للمشروع، يتضمن بناء خمسة أرصفة عملاقة لتفريغ السفن بطول 1750 مترا، وإنشاء ساحة الحاويات بطول 2000 متر.
جاء ذلك بعدما حصلت شركة أركيرودون القبرصية على عقد بقيمة 265 مليون دولار لبناء كاسر الأمواج في ميناء الفاو الكبير من قبل الشركة العامة لموانئ العراق في عام 2012.
ولم تتمكن الشركة من تجنيد عدد كاف من العمال نتيجة لشن داعش هجوما كبيرا على العراق.
إذ قال القاضي الأمريكي جيمس بواسبيرغ، إن “الدول الأجنبية التي تجند منها أركيرودون قوتها العاملة لم تشجع مواطنيها على السفر إلى العراق بل حتى منعت سفرهم”.
وأضاف بواسبيرغ، الذي حكم لصالح أرشيفرودون، أن “إنشاء كاسر الأمواج واجه عقبات غير متوقعة منها عدم توظيف الشركة عدد كافٍ من العمال بسبب الهجوم الكبير الذي شنته داعش ضد العراق، حيث منعت بعض الدول الأجنبية التي جندت منها أرشيفرودون عمالها من السفر إلى العراق، وحتى منعتهم تمامًا من السفر، كما ان الحكومة العراقية خشيت من أن يعارض أبناء البصرة استخدام الشاحنات والمركبات الثقيلة للشركة على طريق البصرة-الفاو، مما قد يؤدي إلى احتجاجات، كما أن ظروف التربة التي ذكرتها الشركة العامة لموانئ العراق في المناقصة غير صحيحة، والذي أدى الى عدم اكتمال البناء في الوقت المحدد”.
وعلى اثر ذلك فرضت الشركة العامة لموانئ العراق غرامة قدرها حوالي 24 مليون دولار على شركة أركيرودون، فيما ردت شركة أركيرودون في عام 2016 بطلب التحكيم من غرفة التجارة الدولية لاسترداد التكاليف الإضافية التي تكبدتها بسبب تأخيرات البناء.
وفي عام 2019، حكمت غرفة التجارة الدولية لصالح أركيرودون، ثم توجهت الشركة إلى المحكمة في الولايات المتحدة لتنفيذ الحكم ضد الشركة العامة لموانئ العراق.
وتم اتخاذ الإجراء بموجب اتفاقية نيويورك، وهو معاهدة دولية وقعتها أكثر من 150 دولة، والتي تسمح بإنفاذ القرارات التي يتم اتخاذها بموجب التحكيم.
وقدم الجانب العراقي طلب للطعن في القرار استنادًا إلى مبدأ الحصانة السيادية، وهو مبدأ قانوني ينص على أنه لا يمكن مقاضاة الدول.
وذكر الجانب العراقي في حينها، أن “الشركة العامة لموانئ العراق تصرفت ككيان منفصل في التحكيم وليس كجزء من الدولة العراقية، مما يعني أن الحكومة لا ينبغي أن تكون مسؤولة عن المبلغ الذي تم الحكم به لصالح شركة أركيرودون”.
ورفض القاضي هذا الادعاء وقال إن “الشركة العامة لموانئ العراق وقعت اتفاق التحكيم كوكيل لوزارة النقل، التي هي جزء لا يتجزأ من العراق”.
وفي رفضه لطلب العراقيين، قال القاضي إنهم “لم يقدموا أي حجة أخرى تفسر التأخير الذي دام أربعة أشهر والآن ثمانية أشهر في سداد المبلغ”.
وأعلنت وزارة النقل في 5 أيلول الجاري، وصول الإنجاز في ميناء الفاو إلى مراحل متقدمة، فيما كشف متخصصون في الاقتصاد وترسيم الحدود البحرية، عن أبرز التحديات التي تواجه انطلاقة أحد أهم مشاريع العراق في تاريخه الحديث، هي الفساد وسوء الإدارة والتحديات الأمنية المحتملة بسبب “أطراف” تريد استغلاله للحصول على مكاسب.
وكان الخبير في ترسيم الحدود البحرية جمال الحلبوسي، أكد في تصريح سابق لصحيفة العالم الجديد، أن “الفساد اكبر عقبة تواجه ميناء الفاو، لذا يجب أن تكون هناك إدارة كفوءة، وللأسف فالعراق يفتقر إليها حتى الآن، وإذا ما انعكس العمل الإداري نفسه في موانئ البصرة الأخرى كخور الزبير وغيره على ميناء الفاو فستكون نكبة للميناء الجديد، أما إذا تمت إدارته من قبل شركات خبيرة فالميناء فرصة تاريخية للعراق من أجل إنعاش الاقتصاد”.
وأضاف أن “الميناء سيبدأ العمل بخمسة أرصفة، ونجاحها في العمل سيمنح العراق فرصة لتطوير وزيادة الأرصفة لأن ميناء أم قصر يعمل بـ29 رصيفا، وما مخطط لميناء الفاو الكبير أن يحتوي على عدد أرصفة أكبر مما موجود في ميناء أم قصر”.
وكان يفترض أن يضم ميناء الفاو 99 رصيفا ليكون أكبر ميناء في غرب آسيا، متجاوزاً بذلك ميناء جبل علي في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويضفي الميناء أهمية إستراتيجية على العراق ويحقق عوائد مالية ضخمة من خلال عمليات نقل البضائع والمنتجات النفطية وبشكل أسرع من قبل.
ومر 14 عاما منذ وضع الحجر الأساس لإنشاء هذا الميناء، لكن الصراعات السياسية وتقاطع المصالح الداخلية والخارجية فضلاً عن عوامل الفساد حالت دون استكماله، وهو ما دفع “الحراك الشعبي من أجل الحزام والطريق”، في نيسان الماضي، إلى التظاهر في محيط المنطقة الخضراء، لكشف ملفات الفساد المالي والإداري في ميناء الفاو الكبير.
ويمثل مشروع الفاو الكبير هدفا اقتصاديا وسياسيا مهما، نظرا لكلفته المالية الكبيرة وأهميته السياسية والاجتماعية حيث يسعى العديد من الفاعلين السياسيين والجماعات المسلحة إلى السيطرة عليه أو تقويضه لتحقيق مكاسب شخصية وأهداف سياسية.
يذكر أن المدة الزمنية البحرية للسفن المحملة بالبضائع من ميناء شنغهاي الصيني إلى ميناء روتردام الهولندي تستغرق نحو 33 يوما، في حين أنها ستستغرق 15 يوما فقط عندما تنتقل البضائع من شنغهاي إلى ميناء جوادر الباكستاني ثم إلى ميناء الفاو الكبير، ومنه عبر القناة الجافة العراقية إلى موانئ البحر المتوسط في تركيا، ومنها إلى ميناء روتردام الهولندي، بما يعني تقليص زمن الرحلة إلى أكثر من 50 بالمئة.
أقرأ ايضاً
- النفط العراقي ينتعش ويتجاوز حاجز الـ70 دولارا
- مع اغلاق البورصة.. انخفاض طفيف بأسعار الدولار
- ارتفاع أسعار الدولار في العراق