يحتدم الصراع السياسي داخل “البيت السني”، في ظل عدم اتفاق أطرافه الرئيسة على منصب رئاسة مجلس النواب منذ لحظة إعلان المحكمة الاتحادية العليا إنهاء عضوية الرئيس السابق محمد الحلبوسي، ومنذ تلك اللحظة لم تستطع الكتل السنية الاتفاق على مرشح واحد، وفشلت في جلسات عدة باختيار أحد المرشحين وأبرزهم محمود المشهداني وسالم العيساوي.
وتلت تلك الصراعات، حصول متغيرات كبيرة في خارطة التحالفات السياسية السنية، وكان لحزب “تقدم” الذي يرأسه الحلبوسي الحظ الأوفر منها، فبعد انسحاب مرشحه لرئاسة البرلمان شعلان الكريم، تلته انشقاقات عديدة آخرها إعلان 11 عضوا ونائبا انسحابهم منه وتشكيل كتلة “مبادرة” التي يرأسها زياد الجنابي، وقللت هذه المعطيات من حظوظ الحلبوسي في استرداد رئاسة المجلس وزعامة المكون السني، مما يحجم من نفوذه السياسي كما يؤكد مختصون بالشأن السياسي.
وحول هذا الأمر، يقول المحلل السياسي محمود المفرجي، إن “القيادات السنية عادة ما تعتمد على نفوذها في مسألتين مهمتين هما السلطة والمال، فلا المال يستطيع وحده المحافظة على الزعامة، ولا السلطة وحدها تستطيع المحافظة عليها، فما إن تذهب السلطة حتى تذهب معها الزعامة، وهذا الأمر أكدته الكثير من سير الزعامات السنية التي كانت متصدرة للمشهد السني في يوم من الأيام، لكنها ما لبثت أن تلاشت مع تلاشي السلطة، وآخرهم رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي”.
ويضيف، أن “كل المناصب في الدولة التي يتسنمها السنة، تعتبر استحقاقات للأحزاب، إلا أعلى منصب للمكون وهو رئاسة مجلس النواب، الذي عادة ما يكون منطلقا للزعامة على كل المكون، وهذا السبب الذي دفع رئيس مجلس النواب المقال محمد الحلبوسي إلى التشبث به بطريقة أو بأخرى، واستطاع حين تسنمه لرئاسة المجلس استهداف أي شخصية تتقرب من المنصب بجميع الوسائل بدء من حليفه السابق جمال الكربولي وانتهاء بحليفه الأخير خميس الخنجر، فضلا عن قيامه برفع عشرات الدعاوى على كل من يمسه حتى على سبيل الرأي، فأصبح الناس يطلقون على حزبه في الانبار (الحزب الحاكم)”.
ويكمل المفرجي، أن “ممارسات الحلبوسي، لم ترق للجميع السنة والشيعة، والذين تخلوا عنه بسبب هذه الممارسات”.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد قررت في تشرين الثاني 2023 إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي على خلفية قضية رفعها ضده النائب ليث الدليمي اتهمه فيها بتزوير استقالة الدليمي من مجلس النواب، لينتهي الحكم بإنهاء عضوية الاثنين.
وفشل مجلس النواب، في 18 آيار الماضي، في اختيار رئيس جديد له، بعد أن أخفق في عقد جولة ثالثة حاسمة لترجيح كفة أحد المرشحين النائب سالم العيساوي عن حزب السيادة، ومحمود المشهداني المدعوم من حزب “تقدم”.
وشهد التصويت منافسة محتدمة بين النائبين سالم العيساوي، ومحمود المشهداني، حيث حصل الأول على 158 صوتا في حين حصل الثاني على 137 صوتا، كما حصل النائب عامر عبد الجبار على ثلاثة أصوات، بينما بلغت الأصوات الباطلة 13 صوتا، وأدلى 311 نائبا من إجمالي 329 بأصواتهم في الجولة الأولى التي انطلقت في الساعة الرابعة عصرا بتوقيت بغداد.
إلا أن الجولة الثالثة لم ترَ النور بسبب شجار بين النواب تطور إلى اشتباك بالأيدي، حيث وثقت هواتف النواب، مشادة كلامية وتشابك بالأيدي بين نواب من “تقدم” وزملاء من كتل أخرى على خلفية انتخاب رئيس للبرلمان.
وفي السياق، يوضح المحلل السياسي أثير الشرع، أن “الساحة السنية شهدت انقساما كبيرا خلال المرحلة السابقة بسبب عدم وجود مرجعية واحدة وتعدد الزعامات وهو ما انعكس على تخلخل أساس البيت السني”.
ويشير إلى أن “انشقاق مجموعة جديدة قوامها ثمانية نواب وعدداً أعضاء من مجلس محافظة بغداد من حزب (تقدم) بقيادة زياد الجنابي، قابلة للزيادة، وهذا لن يجعل من (تقدم) أكبر الأحزاب السنية الفائزة في الانتخابات”.
ويلفت إلى أن “إصرار الحلبوسي على أن يكون المرشح لرئاسة البرلمان من حزبه بعد إدانته من قبل المحكمة الإتحادية، زاد الطين بلة وحاول الحلبوسي تعديل المادة 12 من النظام الداخلي للبرلمان لكي يقدم مرشحا بديلا لمرشحه شعلان الكريم والذي بدوره انسحب من حزب (تقدم) في شهر نيسان الماضي ولم يلاقي ترحيبا رغم نيله أصواتا كثيرة داخل البرلمان خلال التصويت وكان يحتاج أصواتا قليلة ليفوز بمنصب رئاسة البرلمان واضطر الحلبوسي لترشيح رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني لكنه أخفق بالتصويت بفارق متوسط من الأصوات أمام سالم العيساوي الذي تصر الأحزاب السنية الأخرى على اختياره بديلا للحلبوسي الذي يراه تهديدا له في محافظته الأنبار”.
ويرجح الشرع أن “الجلسة المقبلة للبرلمان المخصصة لانتخاب رئيس جديد له ستشهد انفراجة لصالح انتخاب العيساوي، وبذلك تنتهي قضية رئاسة البرلمان والفضل يعود لكتلة المبادرة المنسحبة حديثا من حزب (تقدم) والتي ستبادر بتأييد مرشح واحد لرئاسة البرلمان وطرحه للتصويت دون منافس”.
ويتابع “الحلبوسي رغم كل محاولاته في تصدير نفسه كزعامة سياسية إلا أنه فشل في ذلك بسبب بعض ممارساته خلال وجوده في رئاسة البرلمان”.
وفي 5 آيار الماضي، انشق معاون مدير عام الاتصالات في مجلس النواب، سعدون الشيحان، عن حزب “تقدم” الذي يرأسه رئيس مجلس النواب المقال محمد الحلبوسي، حيث جاء انسحاب الشيحان من الحزب على خلفية ممارسات الحلبوسي، التي لا تنسجم مع توجه الشيحان، الذي حاول معالجة الإخفاقات في محافظته لكنه لم يستطيع، على حد قوله.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي واثق الجابري، أن “المكون السني لا يعتمد على منهج الرموز كما هو الحال في المكونات الأخرى خاصة الشيعية، لكن القوى السنية يتبعون من بيده السلطة والحلبوسي سعى إلى تهميش القيادات السنية السابقة ومنها أسامة النجيفي ومحمود المشهداني وسليم الجبوري واليوم هو يواجه المصير ذاته ويقاتل من أجل الحفاظ على كتلة (تقدم)”.
ويستدرك “لكن بعد الانشقاقات الأخيرة يبدو أن (تقدم) وقيادة الحلبوسي بدأت تتلاشى وبدأ أعضاء الحزب يبحثون عن قيادات مؤثرة في المشهد السياسي وهذه العادة أصبحت سارية بالنسبة للكتل السياسية”.
ويردف الجابري “لا يمكن للحلبوسي أن يبقى زعيما بعد خروجه من السلطة وعندما يبتعد سينتهي دوره القيادي ولا يمكنه إعادة تحالفه أو الحفاظ عليه وأيضا هذا أعطى قوة للتحالفات السنية الأخرى في أن يكون لها دور في المشهد وبدأت تتطلع لبناء تحالفات جديدة خاصة تحالف السيادة الذي يتحرك الآن نحو تحالفات أخرى وستتغير الخرائط السياسية الحالية التي يتصدرها (تقدم)”.
ويعدّ منصب رئيس مجلس النواب من حصة السنة وفقا للعرف السياسي الدارج في العراق منذ تشكيل النظام السياسي بعد العام 2003، في حين يذهب منصبا رئيس الوزراء للشيعة، ورئيس الجمهورية للكرد.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- كيف تسبب التوتر الإقليمي بترحيل أزمة رئيس البرلمان؟
- الكويت: إسقاط الجنسية عن رئيس "حكومة الغزو المؤقتة"
- غائب منذ (10) أشهر.. البرلمان يفشل في حسم منصب "الرئيس"