عاش العراق ويلات النظام البائد وعانى من الاستبداد والظلم، وقد لاقت العتبات المقدسة حملات منظمة من نظام البعث البائد في كثير من الازمنة، كان منها الاعتداء عليها بالقصف المدفعي والجوي واستباحة قدسية المكان بحملات اعدامات المنتفضين ضد حكم البعث الاجرامي، وسرقة وتصدير بعض النفائس والمقتنيات الثمينة من العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية، لكن هذا آن له ان يندثر ويسقط في شهر نيسان من عام 2003م، بعدها بدأت مرحلة جديدة للعتبتين المقدستين وشهدت تلك المرحلة تأسيس نظام جديد جعل من العتبتين منارا لنشر العلم والمعرفة؛ بل وحقق هذا النظام انعطافة جوهرية وثّقتها سجلات التاريخ على انها انتقالة جيدة في المراحل العمرانية والتوسعة الكبيرة للعتبتين المقدستين لم تشهدها العتبتان الحسينية والعباسية المقدستان من قبل، وهذا بحسب مؤرخين وشهود عيان سنتناوله بالتفصيل في تقريرنا هذا.
أول إدارة للعتبتين المقدستين بعد عام 2003
كانت ادارة العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية بادئ الامر إدارة واحدة، تضمُّ مجموعة اشخاص تم تخويلهم من قبل المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف ومنها انبثقت ادارتين ومن الاخيرة انبثقت لجان متخصصة، وكان تخويل المراجع الاربعة: الإمام السيد علي الحسيني السيستاني، والشيخ بشير النجفي، والشيخ محمد اسحاق الفياض (ادام الله ظلهم)، والسيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره)، لثلاثة اشخاص فقط ليكونوا لجنة مشرفة لإدارة العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية هم كل من: (العلامة السيد محمد الطباطبائي، والعلامة السيد احمد الصافي، والعلامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي) وطيلة هذه الفترة كانت لا تزال العتبة العباسية المقدسة بإدارة السادة الخدم آنذاك، وفي هذه الفترة كان قد التحق لخدمة الزائرين في العتبتين المقدستين كل من: (السيد جعفر الموسوي والحاج كريم الانباري والسيد سعد الدين البناء، والسيد محمد شمس الدين والقاضي محمد حسين نصر الله، وغيرهم) فيما بعد اوعزت اللجنة المشرفة على ادارة العتبتين، بتشكيل لجنة ادارة العتبة الحسينية المقدسة ولجنة لإدارة العتبة العباسية المقدسة، واستمرت هاتان اللجنتان بإدارة العتبتين المقدستين بعد سقوط نظام البعث البائد ولغاية شهر تشرين الاول من سنة 2003 اي بحدود ستة اشهر.
كيف بدأ التغيير؟
يتحدث السيد جعفر الموسوي الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة السابق عن هذه المرحلة لوكالة نون الخبرية قائلا: "فترة ما بعد عام 2003 كانت منعطفا هاما في حياة العراق وكربلاء على الخصوص مع بداية مسيرة العتبات المقدسة الجديدة، ولم يستبعد السيد الموسوي ان تكون روح المبادرة لكل من الشيخ عبد المهدي الكربلائي والسيد احمد الصافي بالتحرك تجاه العتبتين المقدستين للحفاظ عليهما تخلو من المخاطر المحدقة بهما بعد اسقاط نظام البعث المباد والاجتياح الامريكي للعراق، لكنّهما لم يتحركا إلا بتوجيه المرجعية العليا في النجف الاشرف".
احداث رافقت عمليات الاحتلال الامريكي
اجرى سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي اتصاله معي (والحديث للسيد الموسوي) في نهاية شهر آذار من عام 2003 لاستدعاء بعض الاطباء، واتصلت بالمرحوم الدكتور محمد علي الشريفي، وطلبت منه الحضور لتلبية دعوة سماحة الشيخ، وبالفعل رافقته لمنزل الشيخ الكربلائي، وهنالك عرفت سبب هذه الدعوة التي كانت بغية تدارك الامور الصحية في مستشفى الحسين (عليه السلام) الطبي، وكذلك لتقديم الخدمة الصحية العامة للمراجعين ولمعالجتهم، خصوصا ان العمليات العسكرية والقصف الامريكي كان لا زال على كثير من المناطق كأطراف كربلاء تحديدا في منطقة السيد عون، التي سقط خلالها العديد من الجرحى وبعد اسعافهم الى مستشفى الحسين (عليه السلام) كان يتطلب الامر تواجد مَن يقدم لهم العلاج ويسعفهم..".
فتح ابواب الصحن الحسيني
كانت لا تزال ابواب العتبتين المقدستين مغلقة لكن الكثير من اهالي كربلاء توجهوا للإحاطة بالعتبتين المقدستين حينها، فيما استدعي بعض الاشخاص ليكونوا بين هؤلاء المبادرين رعاية وحفاظا على المكان من أية تصرفات غير لائقة، وكان من بين الاشخاص الذين تم استدعائهم للخدمة في العتبتين المقدستين السيد جعفر الموسوي، وعن ذلك يقول: "اشترك كل صاحب وجدان ولائي من ابناء كربلاء وشبابها المخلصين للإحاطة بالعتبتين المقدستين وحمايتها من اي طارئ قد يحصل، فالمخاوف كانت موجودة من تقدم القوات الامريكية المحتلة باتجاههما، لذا كان مئات الشباب متماسكين وحريصين على سماع توجيه المرجعية التي كانت تشرف على تجمعهم هذا" .
واقيمت صلاة الجماعة خارج الصحن الحسيني عند باب القبلة بهدف المحافظة على العتبات المقدسة حيث كانت رسالة صورية عصرية جسدها المصلون وتناقل خبرها الجميع، وبادر القائمون على توزيع اوقات التواجد بالقرب من العتبة المقدسة، عند كل باب من ابواب الصحن الحسيني الشريف، واستمر الحال بهذه الصورة لحين استلام مفاتيح الابواب الخارجية للعتبة الحسينية المقدسة، ودخل بعدها الزائرون وابناء كربلاء مهللين مكبرين مقيمين لشعائرهم لعدة ايام متواصلة، وكانت مسيراتهم الشعائرية فطرية ومن غير اية مشكلة تنتهي بارتقاء الرادود – (المنشد الحسيني) المنبر وقراءة القصائد الحسينية، وكان على رأس هؤلاء الرواديد المرحوم محمد حمزة الكربلائي والحاج اموري الاموي وغيرهما".
ويذكر الموسوي "بقيت العتبة الحسينية تستقبل هذه المسيرات لغاية زيارة الاربعين المباركة بفترة تزيد على الاسبوعين تقريبا، وخلال هذه الفترة كانت من بين الامور التي بادر بها ممثل المرجعية سماحة الشيخ الكربلائي بدعوة الخطباء لإقامة مجالس العزاء في الصحن الحسيني بشكل منظم فارتقى العديد منهم المنبر الحسيني بغية التوجيه والوعظ والارشاد والتنويه عن خطورة المرحلة وما يسترعي الالتفاتة اليه، وكان بينهم المرحوم الخطيب نزار المولى والخطيب السيد نوري والشيخ حمزة ابو العرب (رحمه الله) وغيرهم وكان ذلك قبل زيارة اربعين الإمام الحسين (عليه السلام) لسنة 1424 هجرية"..
من ذاكرة التغير واستلام زمام الامور
ومما حدثنا عنه (الأستاذ عبد الهادي المرشدي (رحمه الله))، عن ذاكرة التغيير واستلام زمام الامور في العتبة الحسينية المقدسة، بقوله: "كانت إدارة العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية بادئ الامر إدارة واحدة، متكونة من مجموعة اشخاص، بعد فترة من احكام العمل في المفاصل المهمة للإدارة حيث تم ارسال جزء منها فيما بعد لإدارة العتبة العباسية المقدسة، وخول المراجع الاربعة ثلاثة اشخاص فقط ليكون لجنة مشرفة على إدارة العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية هم: (العلامة السيد محمد الطباطبائي (رحمه الله)، والعلامة السيد احمد الصافي، والعلامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزهما)) وطيلة هذه الفترة كانت لا تزال العتبة العباسية المقدسة بإدارة السادة الخدم، وفي هذه الفترة كان قد التحق للعمل في خدمة زائري العتبة الحسينية المقدسة كل من: (السيد جعفر الموسوي والحاج كريم الانباري والسيد سعد الدين البناء، والسيد محمد شمس الدين والقاضي محمد حسين نصر الله)، فيما بعد اوعزت اللجنة المشرفة على ادارة العتبات بتشكيل لجنة ادارة العتبة الحسينية المقدسة ولجنة لإدارة العتبة العباسية المقدسة، واستمرت هذه اللجان بإدارة العتبتين المقدستين بعد سقوط نظام البعث البائد ولغاية شهر تشرين الاول من سنة 2003 اي بحدود ستة اشهر".
وفي عودة للسيد الموسوي للحديث عن اللجنة المشرفة على إدارة العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية يشير خلالها الى ما شهدته هذه الفترة بقوله: "في هذه الفترة كان كل من الحاج عبد الامير القريشي والشيخ صباح الجنابي، والشيخ اكرم الزبيدي، اعضاء في مجلس محافظة كربلاء ويعملون على التنسيق بين ادارة العتبتين المقدستين ومجلس المحافظة، فيما بعد اوعزت اللجنة المشرفة على ادارة العتبات بتشكيل لجنة ادارة العتبة الحسينية المقدسة ولجنة لإدارة العتبة العباسية المقدسة، واستمرت هذه اللجان بإدارة العتبتين المقدستين من سقوط نظام البعث ولغاية شهر تشرين الاول من سنة 2003 اي بحدود ستة اشهر".
وينوه السيد الموسوي عن مسالة هامة هي معاناة السيد محمد حسين الطبطبائي الصحية الناتجة عن التعذيب الذي لاقاه طيلة اعتقاله في غياهب السجون البعثية لفترات طويلة لذا كان غير متواجد تقريبا وكان قد عملَ تخويلا للسيد الصافي للإنابة عنه".
ويتابع السيد جعفر الموسوي الحديث "بعد تشكيل اللجنة الثلاثية تم تشكيل لجان رئيسية تحت اشراف اللجنة منها لجنة (اشراف عام على العتبة الحسينية المقدسة) وكنت أترأسها، ولجنة (اشراف عام على العتبة العباسية المقدسة) التي ترأسها الاستاذ عبد الهادي المرشدي (رحمه الله)، وباشرت كلتا اللجنتين بمهامهما وانبثقت منهما لجان فرعية، واستمرت هذه اللجان بمزاولة عملها الى غاية فترة تشريع قانون ديوان الوقف الشيعي واصدار قانون الامانة العامة".
فيما ذكر الاستاذ عبد الهادي المرشدي، في تعريجهِ الى بداية أمر تشكيل لجنة الاشراف العام على العتبة العباسية المقدسة بقوله: "لم تستقر الامور بَعد في العتبتين المقدستين فلا زالت مجاميع بعض السادة الخدم و(الكَوام) يعيشون اعتقاد ان لهم الحق بالسدانة، وممارسة بعضِ الامور التي اعتادوا عليها سلفا، لذا عارض الكثير منهم على التوجهات الجديدة رغم ان هذه الاعتراضات لم تستمر طويلا، فأختير منهم ممن ابدى استعداده لإبداء الخدمة الحسينية والالتزام بالتوجيهات الادارية للجان الجديدة".
كربلاء بعد عام 2003
مع اقتراب زيارة الاربعين لسنة 1424 هجرية، وشحة الخدمات الممكن تقديمها للزائرين الزاحفين صوب إمامهم الحسين (عليه السلام) كان لابد ان يكن هنالك مبادرات حقيقية لاستقبال الزائرين، التي وصفها السيد جعفر الموسوي، بالمعجزة فقال: "لم تكن الاوضاع متاحة لتقديم الخدمات فالأسواق كانت مغلقة وادارة العتبات المقدسة لم تشكل بعد، ليكن لها توجهاتها وتطلعاتها ازاء هكذا زيارات حاشدة؛ لكن اهالي كربلاء وابناءها وهو ما يجدر الاشارة اليه فتحوا بيوتهم للزائرين كما هو العهد بهم وقدموا ما لديهم حبا بالإمام الحسين (عليه السلام)، وكانت تلك الزيارة الحاشدة اول منعطف تاريخي للمسلمين الشيعة على الخصوص في كربلاء المقدسة، خصوصا ان الانفس تواقة لإبداء الخدمة الحسينية بعد زوال الكابوس والظلام الديكتاتوري عن العراق"..
فتح ابواب الحرم الحسيني
كانت ابواب الصحن الحسيني مغلقة بأمر السادن القديم، لكن كان يوجد ممر معين يدخل منه عدد من السادة الخدم السابقين الى داخل الصحن ويخرجون، وكانت الصلاة تقام وقتها في الحائر الحسيني جماعة بإمامة سماحة الشيخ الكربلائي وبالضبط في منطقة باب القبلة... بعد ذلك حصلت مفاوضات مع السادن القديم لفتح ابواب الصحن الشريف المغلقة بشكل نظامي لكي يؤدي الزائرون زياراتهم، وفعلا ً حصل ذلك وتم فتح ابواب الصحن الحسيني الشريف.. قبل زيارة الاربعين لسنة 1424هـ بأسبوعين تقريباً وتجدر الاشارة هنا الى تصوير بعض الفضائيات الاعلامية وقائع زيارة الاربعين الاولى حينها حتى داخل الصحن المشرف، وقد شاركت في تلك الزيارة حشود من الزائرين غير العراقيين ايضا حيث كانت الحدود مفتوحة والدخول والخروج بشكل اعتيادي لا يتطلب جواز سفر.
وللحديث عن فتح ابواب الغرف داخل الصحن الحسيني يذكر السيد سعد الدين البناء عضو مجلس إدارة العتبة الحسينية المقدسة في الدورة السابقة، في البداية كانت جميع الغرف مغلقة ما عدا غرفة العلاقات الخارجية حالياً وايضاً كانت مفتوحة غرفة الكهرباء لغرض تنظيم الانارة وغيرها مفتوحة، وغرفة ثالثة ايضاً مفتوحة كان فيها الاخوة الذين كانوا يعملون في العتبة في زمن النظام السابق وجميع الغرف الاخرى مقفلة، فكان من هذه الغرفة الصغيرة التي هي العلاقات حالياً تدار جميع شؤون اقسام العتبة من وفود او متبرعين او شخصيات تأتي للعتبة او جميع الامور الخدمية وغيرها..
أمانة عامة لكل عتبة مقدسة
كان قد ذكر (السيد سعد الدين هاشم مهدي البناء) في كتابه (التنظيم القانوني للعتبة الحسينية المقدسة) الأُسس التي اعتمدت في وضع الهيكلية الإدارية للعتبة الحسينية المقدسة في ظل التشريعات النافذة، وما هي أحكام تعيين أمينها العام ونائبه ومجلس إدارتها ورؤساء أقسامها وكذلك بقية العاملين فيها، وطبيعة الاختصاصات التي يمارسها كل منهم؟..
انطلاقة المشاريع في العتبة الحسينية
كان الأمر يستلزم العمل بشكل دؤوب وسريع لتهيئة الخدمات الضرورية المتنوعة للزائرين من هنا قامت العتبة المقدسة بتشييد طابق جديد متكامل في الصحن الحسيني الشريف، وبسبب الحرارة الشديدة صيفاً، وبرودة الجو وتساقط الأمطار شتاءً، كانت الحاجة ماسة لتسقيف الصحن الحسيني المشرف الذي تم تشيده بفترة زمنية قياسية، ووفق طراز إسلامي متناغم مع الزخارف والعمارة الموجود داخل الحرم، وتم أيضاً تشييد مسقفات في منطقة بين الحرمين الشريفين لإيواء الزائرين.
تقرير /حسين النعمة
أقرأ ايضاً
- تعالجوا في مستشفى الثقلين بالبصرة مجانا :مرضى مستفيدون يشكرون المرجعية الدينية والعتبة الحسينية (فيديو)
- منها مصحف بخط الامام السجاد (عليه السلام) مركز ترميم المخطوطات في كربلاء يعيد 5600 مخطوطة الى عبقها التاريخي
- عندما يعانق التاريخ جمال الحاضر والمستقبل ... متحف الامام الحسين (عليه السلام) ثروة انسانية وتراث الاصالة