بقلم:سمير داود حنوش
في منطقتنا رجل بليد أصبح يمتلك شهادة الدكتوراه. أين وجه الغرابة في الموضوع؟ هل يُستثنى عن مسؤولين ووزراء ونواب في البرلمان العراقي لا يستحقون مناصبهم لكنهم كذلك؟ وزعامات لا تصلح لقيادة مدرسة إبتدائية لكنهم يتحكمون في مفاصل دولة وأمور شعب، وعن مثقفين لا يصلحون لكتابة عرائض لكن أصواتهم تعلو بيننا، هل سمعتم بذلك النائب في البرلمان الذي لا يصلح لقيادة قطيع من الأغنام لكنه أصبح يمثل الشعب بعد أن زَوّر شهادته؟
أعداد كبيرة من حملة الشهادات العليا تغزو وظائفنا، وزاراتنا، كلياتنا، وحتى شوارعنا أصبحت تُشكّل عبئاً حقيقياً على الوظائف الحكومية حين تُطالب بالتعيين بعد إنهاء الدراسة.
التعليم العالي أصبح منفذاً للتخادم المصلحي والمنفعي بعد أن تحول إلى تجارة رائجة تُموّل بعض الجامعات خصوصاً التي تتواجد في إيران ولبنان وغيرها والتي ترتبط بشخصيات سياسية وحزبية.
هو الوباء القادم للعراق كما يصفه أحدهم حين تسمع إن أكثر من سبعين ألف عراقي يدرسون الماجستير والدكتوراه في إيران وحدها ومثل هذا الرقم ربما في لبنان من جامعات غير معترف بها يتم الحصول عليها بمبالغ نقدية تتراوح بين خمسة آلاف دولار صعوداً لشهادة الماجستير.
يتضح للجميع معنى هذا الوباء الذي سُجّل على قطّاع التعليم في العراق.
قصص وحكايات تدخل من أبواب النكتة والسخرية حين ترى حاصلاً على شهادة الدكتوراه يكتب عبارة "شكرن جزيلن" أليست هذه هي مجزرة بحق التعليم العالي؟
وقصص أخرى يرويها أعضاء في لجان تقييم مختصة بالأطاريح أو الرسائل العلمية في إختبارات طلاب لا يعرفون أصلاً بمضامين رسائلهم التي سيناقشونها أو على الأقل أبجديات اللغة العربية.
حتى المناصب العلمية والوظائف الأكاديمية توزعت بحصص بين الأحزاب والكتل السياسية دون الإهتمام بالخبرة أو الدراية العلمية، مما يعني أن بلداً مثل العراق كان قبلة للدارسين في شتى العلوم والمعارف ومن الدول التي كانت شهادات طلابه في المقام الأعلى من الرصانة والمهنية والعلمية، أصبح في أدنى مستويات القائمة تذيلاً بعد أن عشعش فيه الفساد والمحسوبية والمصالح الحزبية.
يجتهد البعض للحصول على شهادة الدكتوراه للوجاهة الإجتماعية حين يضعون أمام الإسم حرف الدال أو ربما لمنافع مادية وترقية في الوظيفة متناسين أن الشهادة العليا مسؤولية صاحبها أمام مجتمع ينتظر منه خلاصة دراسته.
في بلد مثل العراق لم تكن الجامعات والكليات الحكومية تتجاوز أصابع اليد الواحدة، في حين أصبحت اليوم الكليات الأهلية تتواجد حتى في الأحياء وأزقة المدن، بأي صورة أو عُذر يمكن تعريف إنهيار التعليم العالي في بلد كانت جامعاته في الماضي ملاذاً لطلاب أصبحوا رؤساء دول وحكومات وقادة في بلدانهم، أي مرثية يمكن أن تُبكينا ونحن نرى ذلك الإنهيار المتعمد في التعليم، ألا يستحق الحديث كل أنواع الرثاء؟
سأل أحد المستشارين أثناء الحرب العالمية الثانية رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل آنذاك وقال له "إن مؤسساتنا قد دُمرت والبنية التحتية إنهارت" سأله تشرشل "وكيف حال التعليم والقضاء؟" أجاب "أن التعليم بخير والقضاء عادل" رد تشرشل "إذن نحن بخير".
تُرى هل ما زال تعليمنا بخير؟ أترك الإجابة لكم.