حجم النص
بقلم: حسين النعمة
لا يخلو مجتمعا من الافراد السيئين بصفاتهم، لكن بين هؤلاء من يتمتع بالمقدرة على إلهاءك وخديعتك بمنمق الكلمات، ممن يتمتع بحلو الكلام ويجيد انتقاء المفردات، ويعرف جيدا فترات البوح بالتعظيم او الامتنان او الاطناب والاسهاب بالمديح، وهذا نمط من السلوكيات يعني ليس تطبيعا - رغم ان البعض يستطيع التطبع به؛ بل سلوكا لأفراد اعتادوا عيش الحياة بهذه الطريقة، وهي اقرب الى الاذلال لضمان الاستمرار بالعيش أو لحيازة شيء ثمين أو رضا المتملق إليه، واحيانا دون حيازة اي شيء.
تاريخيًا، استخدم التملق كطريقة للحديث عند مخاطبة الملك أو الملكة، ففي عصر النهضة، كان التملق طريقة شائعة تستخدم بين الكُتاب لمدح الملك مثل الكاتب إدموند سبنسر عند مدحه للملكة إليزابيث الأولى في (ملكة الجن)، وأيضا كما فعل وليم شكسبير مع الملك جيمس الأول في (مكبث)، وأيضا نيكولو مكيافيلي مع لورينزو الثاني دي ميديشي في كتاب (الأمير).
لكن هذا تملق لملك.. ولا ملك أعظم من الله، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (المنافقون/8)}، اما شواهدنا الاسلامية كثيرة ومنها قتل الإمام الحسين (عليه السلام) حيث استل كثيرون سيف إملاقهم للتقرب او لغنيمة من خليفة الدولة الاموية يزيد، ولا اسما من مقولة الإمام الحسين (عليه السلام) قبيل ذاك التملق والاذلال: "هيهات منّا الذلة"، فالعزة من الصفات الحميدة والاوصاف الفريدة التي يمتاز بها المؤمنون كما تقدم ذلك في نص القرآن الكريم في الآية الكريمة آنفة الذكر.. وايمان الامام (عليه السلام) وارتباطه بالباري تعالى يفرض عليه ان يكون عزيزا غير ذليل، لذا كانت مقولته: "ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.."، وهنا يكشف (عليه السلام) أن سلوك التملق يجر صاحبه الى اللؤم.
ادبيا تعدُّ الشخصية المتملقة غير الصادقة مثل الشخصية النمطية في العمل الأدبي، وهناك العديد من الأمثلة مثل ورمتانج من رواية سيد الخواتم لـ(جون رونالد من رويل تولكين)، و (جونريل وريغان من الملك لير)، و(أياغو من عطيل).
أما الذكر الحكيم فيصف شكلا من المنافقين بالتملق: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (البقرة/204)}، وهؤلاء تمرسوا على الباطل وارتدوا حُلي التملق واثقلوا كاهلهم الى حدِّ ظلم أنفسهم فكان لهم وعدا من الله لم يفصح عنه الا بالوعيد لهم في قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (إبراهيم/42)}.