بقلم: علي حسين
إذا أردت أن تعرف كيف تُدار السياسة في بلاد الرافدين، فإن عليك أن تتابع جولات الحوار الوطني التي تقام في الغرف المغلقة، وهي اجتماعات تحضرها قوى سياسية لاخلاف بينها، فيما يصر القائمون على الحوار على استبعاد القوى المدنية.
لا أعرف تفاصيل الاجتماعات، ولا ندري لماذا تستبعد بعض القوى السياسية، لكن وقائع ما يجري في المؤتمر تؤشر بوضوح إلى أن القوى السياسية لم تفهم الشعب حتى هذه اللحظة، وتصر على أن تحشر العراقيين في زاويةٍ ضيقةٍ تجعلهم يقولون: ليس في الإمكان أحسن مما كان !!.
ليس صحيحاً أن فكرة إجراء اللقاء ولدت من أجل معالجة حالة الاحتقان السياسي التي تمر بها البلاد، بل إن القصة بأكملها محاولة لمنح العملية السياسية العرجاء جرعة حياة.. رغم أن النظام السياسي سقط منذ اللحظة الأولى التي سقط فيها أول شهيد في إحدى ساحات الاحتجاج.
وبحسب البيان الذي قيل لنا إنه ناقش خارطة، فإن نقطة واحدة تفسح المجال لممثلي احتجاجات تشرين ومعهم القوى المدنية والحزب الشيوعي العراقي غابت عن خارطة الطريق، التي أُريد لها أن لا تختلف باللون والطعم والرائحة عن وثائق كثيرة عشنا خلال السنوات الماضية.
السادة المجتمعون يصرّون على العمل بموجب الديمقراطية العراقية التي تقتضي أن يربحوا الانتخابات كما ربحوها من قبل، والديمقراطية التي يتمسك بها ساسة العراق، لم يضعها أفلاطون في جمهوريته، وإنما وضعها المفكر عادل عبد المهدي الذي ظل يصرّ على أنّ الاحتجاج والتظاهر هما، نوعان من أنواع الإرهاب يجب أن يُضرب أصحابه بالرصاص الحي، وبقنابل من صناعة "الطرف الثالث".
الذين أحكموا الخراب على العراق وأقاموا دولة الفساد وسدوا كل الأبواب والنوافذ أمام المستقبل، والذين طاردوا المتظاهرين الشباب في الشوارع والساحات، والذين قالوا إن هذا الشعب مجموعة رعاع ومكانهم القبر، والذين هرّبوا المليارات، والذين تصدّروا المشهد السياسي بفضل أصوات البسطاء من الناس، أصروا على أن يجعلوا منا أقواماً كسيحة وفقيرة وعاجزة، تتلفت حولها، تتوجس من جارها، وتخشى مصافحة الآخرين لأنهم لا ينتمون إلى نفس الطائفة.
19 عاماً وتجمعاتنا السياسية تفترض أننا مجموعة من المختلّين عقلياً.
19 عاماً ونحن نعيش في دولة أحزاب تغذّي نفسها من أموال السحت الحرام، فيما المواطن وحيداً في الشارع ينتظر من يؤمِّن له حياته وينشر الأمل والتسامح.
19 عاماً ولم يعط النظام السياسي الجديد، العراقيين ما يمكن أن يتعلّقوا به أكثر من مصطلحات عن الانبطاح والتوازن والأغلبية والتوافقية.
19 عاماً أمضيناها معهم في معارك طائفية، ليست بينها معركة واحدة من أجل المستقبل.
19 عاماً من العمر مضت مع الفشل والخراب .. والعمر به كم 19 عاماً ياسادة.