في معمل بسيط جلس خطاطان يخطان النقوش والزخارف الاسلامية على الكاشي الكربلائي ووقف صاحب المعمل يتفقد القطع الموضوع في الفرن بدرجات حرارة لاهبة تفوق شمس الصيف في العراق بدرجات عالية، مهنة عريقة واصيلة شربها هؤلاء العمال الماهرين من اسطوات نقشوا اسمائهم على زخارف في العتبات المقدسة، مهنة فيها من التعب الشيء الكثير وتتداخل في طياتها الرسوم الهندسية والتصاميم الزخرفية وصناعة الطين وكبسه وفخره، ايدي تتوغل بالطين والالوان والغبار لتخرج لوحات فنية ذاع صيتها فوصلت الى اقصى بقاع العالم، انها صناعة الكاشي الكربلائي الذي حافظ على بصمته الكربلائية منذ الاف السنين.
اقدم اسطة
يبين صاحب معمل كربلاء للكاشي الكربلائي السيد ايسر السيد علي الرسام لوكالة نون الخبرية، سيرة والده الذي يعتبر من اقدم اسطوات كربلاء في هذه المهنة بقوله "عمل والدي المولود عام (1938) في العتبتين الحسينينة والعباسية وقضى سنين عمره خادما فيهما ويذكر انه في نهاية الاربعينيات كان من المكلفين جمع الشموع التي توضع في الثريات داخل الحرم الحسيني للانارة واستبدالها باخرى جديدة يوميا حيث لم تصل الكهرباء حينها للمرقد الشريف وكان يشرف عليهم حجي اسماعيل الشماع وتنزل بواسطة الزنبيل، كما تكفل كونه يعمل كهربائيا بتأسيس الربط الكهربائي للعتبتين المقدستين، ومن ضمن مهارات والدي مهنة الرسم وكان محله في سوق باب القبلة القديم واغلب صور اهل البيت الموجودة في السابق هي من رسم خيال والدي، وشارك في عملية الاعمار داخل الحرم حيث كان مصنوع من الخشب وجذوع النخل ومنها ركيزتين خشبيتين صعب الامر عليهم ففتحهما والدي".
ويستمر ايسر في سرد سيرة والده بقوله، انه "كان يتقن التحدث بسبع لغات منها الانكليزية والفارسية والتركية والايطالية والهندية والكردية والافغانية تعملها من الاحتكاك بزوار الامام الحسين (عليه السلام) الاجانب، وكان اشهر اسطة بصنع الكاشي الكربلائي هو الايراني حجي حسين موسوي زادة وتربطه بوالدي صداقة متينة وفي بداية الستينيات طلب منه اصدقائه اصحاب معمل كاشي كربلائي ان يتعلم من زادة كيفية صنع اللون الاحمر في الكاشي لانه يستخرج من الذهب وصناعته دقيقة وصعبة فعندما سأله كان جواب زادة اذهب وتعلم وهذه العبارة دقت جرس التحدي الذي حول مجرى عمل والدي من الرسم الى صناعة الكاشي الكربلائي، فخصص اكثر من خمس سنوات يجمع مصادر علمية وكتب الكيمياء عن كيفية صناعة واستخرج الالوان واحكم صناعتها واكتسب خبرة العمل بجهود فردية وصنع اول لوحة طبيعية وانطلق منها للعمل ومن ابرز الاعمال التي نفذها هناك اعمال كثيرة في الحضرة الحسينية مثل ايوانات بابي الرجاء والشهداء واعمال اخرى كثيرة، وترك العمل عندما تسلم الطاغية المقبور الحكم لانه رفض رسم صورته على الكاشي الكربلائي".
شرب المهنة
التحق ايسر بالعمل مع ابيه وتعلم المهنة التي يمتد تاريخها الى العصر البابلي، ويبين انه "تعلم صنع الكاشي من التراب حيث يتم تحويله الى طين برميه في احواض الماء وتستخلص الاملاح والشوائب منه بالغسل ويترسب الطين الى الاسفل وتبقى الشوائب في الاعلى ويتم تجفيفه بتعريضه للهواء واشعة الشمس لمدة اشهر او اكثر في الشتاء وخمسة ايام في الصيف ويوضع في العجانة ويخلط مع الزميج بنسب محددة ويدخل الى الفرن بقوالب بعد تقطيعه حسب نوع العمل وكبسه بواسطة بريس بوزن خمسة الى عشرة اطنان ثم يدخل في الكور التي كانت سابقا تعمل بسعف النخيل وعليها عاملان مهمتهما ادخال السعف للكورة ثم تحول بعدها الى النفط الابيض ويبقى لمدى 12 ساعة لفخره واخراجه ليصبغ باللون الابيض ثم يعاد الى الكورة ليتم تزجيجه لانه الطبقة الاولى للعمل، ويدخل الى الفرن لمدة ثماني ساعات تحت درجة حرارة تصل الى 1200 مئوية ثم تبدأ عمليه رسم اعمال الزخارف المصممة على الورق وتتضمن الزخارف قياس 20 سنتيمتر مربع المخصص للآيات القرآنية والكتائب والواجهات والقباب قياس (10x 15) سنتيمتر بزوايا حادة والكالوك 25 سنتيمتر مربع المستعمل بالقباب الصغيرة والنرد الرفيع والجوك بقياسات هندسية مختلفة، اما انواع الخط فتشمل سبعة انواع منها التعليق والثلث والنسخ والاجازة ولدينا خطاط مختص بهذا الامر، فيما تتكون الزخارف من اربع نقوش هي التركية والشاه عباسية والكربلائية والمغربية ونفذنا سوية زخارف كتب كثيرة للعتبة الحسينية المقدسة مثل زخارف كتب مفاتيح الجنان وزاد المتقين وضياء الصالحين واعمال الاشهر الثلاث واعمال ليالي القدر والصحيفة السجادية وحاليا تطبع نسخة من القرآن الكريم في مطابع دار الوارث من زخارفنا، ولدينا خبرات كبيرة في صناعة الالوان المكونة من اكاسيد المعادن والقلاي النقي والرصاص والحصو والزجاج والمنقيات ".
تصدير للخارج
الكاشي الكربلائي ما زال مطلوبا من جميع المحافظات العراقية ودولا عدة عربية واجنبية يقول عنها ايسر انها "طلبات كثيرة تصلنا من مختلف محافظات العراق يطلبون فيها زخارف للمساجد والبيوت التي باتت تضع الكاشي الكربلائي كما كان سابقا يوضع في اغلب البيوت وحاليا سعر المتر المربع يتراوح بين (80 ــ 120) الف دينار، ولكون الكاشي الكربلائي يعد مهنة تراثية وحرفة يدوية تميزت بها معامل كربلاء المقدسة فان الطلبات التي تأتي من الخارج كثيرة وجهزنا طلبات لمواطنين من دول خليجية مثل البحرين والامارات والسعودية وكذلك لبنان، كما جهزنا معمل ايراني بكثير من الكاشي الكربلائي وزودت طلبات اخرى لاشخاص من فرنسا منها لاحد المساجد بزخارف اسلامية ولوحات فنية للمنازل ووهناك طلبات كثيرة ارسلت لاشخاص في امريكا وبريطانيا".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير: عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- تعرضوا للقتل والتشريد :عائلات موصلية تقيم موكبا حسينيا لخدمة زاور الاربعينية في كربلاء
- الام خادمة حسينية تعيش بكلى واحدة :عائلة كربلائية من تسعة افراد تدير موكبا حسينيا لخدمة الزائرين
- هيئة سفينة النجاة :خمسون عاما من الاصرار على اقامة الشعائر الحسينية بنكهة كربلائية(صور)