تعد مهنة الندافة من المهن الشائعة التي لم ترتبط بمكان محدد، بل اشتهرت وعرفت في اغلب مدن العراق، رغم إن المناطق الشعبية أكثر تعاملاً معها.. وقد حافظت هذه المهنة على نفسها أمام التطور التقني للآلات الحديثة، والذي وأد الكثير من المهن الشعبية القديمة، كصناعة الخفوف وخياطة الفرفوري وحداد السكاكين وحائك البساط، ولتبقى تتنفس الحياة من جيل الى آخر عبر التوارث من الآباء الى الأبناء.
فيما تعد هذه الحرفة في محافظات جنوب العراق من المهن الرائجة ولها أسواقها وأصحابها، فما تزال رائجة لاستمرار الطلب على منتجاتها في محافظات وسط العراق، فهي تعتمد على الجهد العقلي لصاحب المهنة، وعلى ما يمتلك من مهارة في مجال عمله، ويتم صنع النماذج وفقاً للتصاميم التي يصنعها في تفكيره وكيفما يصنعها خياله وحسه وذوقه، ولأهمية استهلاكها من قبل الناس وخاصة في فصل الشتاء فان قسم من العاملين يزاولونها في بيوتهم عند الحاجة، فهي حرفة لا توجد فيها مخاطر.
يقول النداف أحمد جبار لموقع نون إنها \"مهنة الندافة احتفظت بمقومات وجودها كمهنة بحد ذاتها، إلا إن ذلك لم يمنع من اختفاء بعض الأدوات التي كانت يستعملها الندافين في السابق (المحلج) وهو عبارة عن دولاب يدوي يستعمل لعزل بذور القطن عن القطن، وكذلك انقراض آلة (الجك والقوس) المستعملة في ندافة القطن قديما والتي تسهم في جعل القطن ناعم الملمس، وفي مقابل ذلك ظهور آلات حديثة بدء الندافين يستعملونها في عملهم لكونها تقوم بالعمل بشكل أفضل مع إمكانية التقليل في عامل الزمن وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لنا لانجاز عملنا وتسليم منتجاتنا للزبائن\".
بينما يقول الحاج فاضل عبد الأمير (61) عاما لموقع نون إن \"حرفة الندافة صناعة شعبية تعود الى أزمان بعيدة وليس بمقدور احد اكتشاف متى بدأت هذه الحرفة، إلا إن الجميع متفقون على أصالتها وروعتها وجمالية منتجاتها التي ليس بمقدور العائلة العراقية الاستغناء عنها برغم التطورات الصناعية المتعاقبة وغزو المنتجات القطنية والنسيجية التي ازدادت في الأسواق المحلية، والتي لم تحد من رغبة المستهلك العراقي وبحثه عن منتجات الحرف والمهن التراثية الأصيلة وشرائها، بالرغم من شحتها واختفائها من عدد كبير من الأسواق العصرية والمولات التجارية الحديثة\".
حرفة الندافة بين وأدها وتأثير البضائع المستوردة عليها وتطورها في العراق
تطورت صناعة الندافة اليوم لدخول الأدوات والمكائن الحديثة وأصبحت أحسن مما كانت عليه من ناحية الشكل والنوعية، لكنها بقيت جزء من التراث والحرف والصناعة القديمة التي ما زال أبناء محافظات وسط وجنوب العراق يحتفظ بشيء من هذه الحرفة.
فيما حافظت هذه المهنة على نفسها أمام التطورات التقنية للآلات الحديثة في مناطق من جنوب العراق فقط، وبقيت تتنفس الحياة من جيل الى آخر عبر التوارث من الآباء الى الأبناء، والنداف يمارس مهنتين في آن واحد عمل الخياطة والرسم لأنه يخيط المفروشات بكل احتراف ويرسم الزخارف والرسومات على (اللحف).
النداف عباس غالي عليوي، (33) عاما في حرفة الندافة، يحدثنا عن عدة النداف فيقول \"كانت عدة النداف تتكون من (عصا مرنة) وهي من أغصان شجرة الرمان (وقوس خشبي) فيه وتر من سلك معدني مع (مطرقة خشبية) يقوم بندف ونفش القطن عند تمرير القطن من خلال الوتر، إضافة الى الإبرة والخيط والكشتبان الذي يتم فيه دفع الإبرة داخل القطن والسوط\".
ويضيف عليوي إن \"الكثير من الأسر العراقية لا تزال ترغب في شراء المفروشات والأغطية من الندافين بدلا من شراء المفروشات الجاهزة من المحال التجارية الأخرى برغم ارتفاع أسعارها\".
كما ويؤكد إن \"الأسر الريفية هي الأكثر اقتناءً لمنتجات النداف الحرفية من العائلات التي تسكن في المدن، وذلك لأنها اقل تأثراً بموديلات الصناعة الحديثة من جهة وتوفر الأقطان والأصواف بكثرة وبأسعار زهيدة من جهة أخرى\".
لاشك إن مهنة الندافة تحمل طابعاً تراثياً لا يمكن التغاضي عنه، برغم موجة استيراد البضائع الأجنبية، التي هي من الأسباب التي تهدد هذه المهنة التراثية بالانقراض والتي عادة ما تكون من مناشئ صينية أو تايوانية أو إيرانية بحيث لا يمكن تفضيلها قياساً على الفراش العراقي، لكن سبب تفضيل المستهلك لتدني الأسعار وجاهزية السلعة، بحسب أصحاب المحال التجارية في (المولات والسناتر)، فالمواطن الآن لا يمكنه انتظار النداف لأيام عديدة من اجل انجاز (فراش الزوجية)، إلا إن هناك حقيقة يعرفها الجميع وهي إن البضاعة العراقية تصمد وتعمر طويلاً.
فيما يضيف التاجر صفاء الصباغ إن \"هناك مورثا توارثناه عن الآباء والأجداد وهو تجهيز العرسان من النداف وهو عرف وتقليد اجتماعي من المهم المحافظة عليه بوجه مقتنيات العصر الحديث من المفروشات الحديثة التي تبهر الإنسان في كثير من الأحيان\".
الندافة حرفة من التراث العراقي القديم ومهنة الأجداد كما يسميها البعض، وبالرغم من دخول البضائع المستوردة ولاسيما صينية الصنع فإنها لم تستطع من القضاء على الندافة في مناطق الجنوب تحديدا بالرغم من خشية أكثر الندافين بان تلفظ هذه المهنة أنفاسها الأخيرة لعدم الاهتمام بها من قبل أصحاب الشأن التراثي.
تحقيق: حسين النعمة
موقع نون خاص
أقرأ ايضاً
- فرع كربلاء لتوزيع المنتجات النفطية: الخزين متوفر والمولدات الاهلية تتسلم كامل حصصها من الكاز هذا الشهر
- تحول إلى محال تجارية.. حمّام اليهودي في كربلاء (فيديو)
- مكونة من ستين منسفا وصينية.. سفرة طعام طويلة على طريق الزائرين في كربلاء المقدسة (صور)