- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مفاهيم الحقت الضرر بالانسانية
بقلم: د. صلاح حزام
هنالك مفاهيم سادت في فترات مختلفة وفي اماكن مختلفة ، وكانت لها آثار خطيرة على الحياة الانسانية.
سوف اتناول اثنين من تلك المفاهيم القاتلة:
-العنف الثوري
-نفّذ ثم ناقش
العنف الثوري ، أتخذه كل طغاة وسفاحي العالم شعاراً مركزياً لذبح الملايين بحجة حماية الثورة والقضاء على الطابور الخامس وتصفية الرجعية والتخلص من الفكر المناهض لآمال الجماهير الخ... مع ان من يتم ذبحهم هم الجماهير نفسها وليس سواها !!
قالوا ان الزعيم السوفيتي ستالين بدأ به ولكنه أقدم من ستالين ..
لعل البلاشفة كانت لهم اليد الطولى في ذلك لكنهم لم يكونوا وحيدين في اتباع منهج العنف الثوري.
الصينيون مارسوا العنف الثوري لاسيما خلال مايعرف بالثورة الثقافية التي قادها الرئيس ماوتسيتونغ.
الثورة الفرنسية ، وهي أقدَم تاريخياً ، ذبحت الآلاف مع انهم لم يطلقوا تسمية العنف الثوري على مجازرهم، ولكنها ، من الناحية الفنية ، كانت عمليات ممارسة للعنف الثوري.
كمصطلح ، فأنا لاأفهم كيف تم تركيبه!
العنف هو العنف ، سواء أكان ثورياً ام لم يكن ، والثورة هي التغيير الجذري ولاترتبط بالعنف بالضرورة الحتمية !!
ممكن ان تكون ثورة في الفكر والفن والأدب !! انها ثورات غرائزية لاتؤمن بدور الوعي والثقافة في إحداث التغيير المنشود ، لذلك تلجأ الى العنف.
فلماذا تُربط الثورة قسراً بالعنف الدموي ؟
السؤال الأهم ، هل نفع العنف الثوري في ترسيخ نظام جديد الى الأبد ؟
الثورة الفرنسية انتهت باعادة المَلَكية بعد هزيمة نابليون الذي حوّل الثورة الى امبراطورية، وتمت اعادة تنصيب لويس جديد كملك لفرنسا.
الثورة الروسية انتهت بسقوط الاتحاد السوفيتي واعادة الرأسمالية..
نظام العراق ، انتهى أمره بالشكل الذي نعرفه وتم اعدام قادته !!
اذاً لماذا لايتّعظ الآخرون ويتركون فكرة العنف الثوري ويستبدلونها بشيء آخر اكثر واقعيةً..
المفهوم الثاني هو: نفّذ ثم ناقش !!
المثير للسخرية انك تستطيع ان تُناقش ولكن بعد ان تُنفّذ المطلوب !!
في الجيش ممكن ان يكون ذلك ضرورياً، اذ لايمكن مناقشة كل جندي وكل ضابط في خطة المعركة .
ولكن في الحياة المدنية ، ذلك المفهوم يعني عسكرة الحياة ومصادرة حقوق الناس في حرية التعبير وإبداء الرأي..
بعض الاحزاب ( الثورية) تستخدم هذا المفهوم مع اعضائها وتحولهم الى ادوات تنفيذ عمياء لا رأي لها .
ذلك يقتل الحياة الداخلية للحزب ويحوله الى منظمة أمنية ..
يطلق على تلك الممارسة ؛ الديمقراطية المركزية .
هذا العبث بالمفاهيم يجعل الاشياء تافهة وبلا معنى .. كيف تكون الديمقراطية مركزية وهما متضادّان ؟؟
الديمقراطية تعني توسعة المشاركة
اما المركزية فهي ضد التوسعة ومع التركيز والحصر ، فكيف يجتمعان ؟؟
اعتقد أن الأمية وغياب الثقافة لدى ادعياء الثورة تقف وراء انتاج وترويج تلك المفاهيم..
التلاعب والعبث بالمفاهيم تناولها الكاتب البريطاني الكبير الراحل جورج ارويل في رواياته في الادب السياسي وخاصة روايته ذائعة الصيت : مزرعة الحيوان..
وسوف اختم هذا المنشور باقتباس مُضحك وشديد الاهمية من رواية مزرعة الحيوان.
حيث ان الحيوانات قامت بتعليق شعار على الحضيرة الكبيرة في بداية الثورة وبعد التخلص من الانسان صاحب المزرعة ، يقول الشعار:
كل الحيوانات متساوية
all animals are equal
ولكن بعد ان استحوذت الخنازير على السلطة والثورة ، قاموا ليلاً بالذهاب الى الحضيرة واضافوا سطرا أضافياً للشعار السابق ، يقول:
ولكن بعض الحيوانات اكثر مساواة
but some animals are more equal
وهنا تتجلى عبقرية ارويل في ايضاح كيفية تلاعب الطغاة بالمفاهيم والتعاريف من خلال جمع المتناقضات قسراً ..
المساواة هي المساواة ، فكيف يكون البعض اكثر مساواة !!
أقرأ ايضاً
- مفاهيم قانونية جديدة
- ثلاثة مفاهيم خطيرة تطرقت اليها جنين بلاسخارت
- النظام السياسي في العراق وإعادة مفاهيم صدام الخطيرة إلى الأذهان !!