- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العنف.. سلوك يؤدي الى تدمير المجتمع العراقي على نار ساخنة
بقلم: د. عبد المطلب محمد
هل اصبح العنف من جهة واللامبالاة من جهة اخرى هي السمة الاساسية لردود افعال اغلب العراقيين اتجاه ما يحصل من أحداث اجتماعية واقتصادية وصحية وسياسية ؟ ان العنف واللامبالاة هما وجهان لعملة واحدة تؤدي الى تدمير التلاحم الاجتماعي والتكافل المجتمعي والى تدمير المجتمع برمته وتسلط القوي وهضم حق الضعيف وانتشار الخوف في الشارع. فأذا كان العنف يعالج كل مشكلة بالتدمير والتحطيم والقتل فأن اللامبالاة تعني ترك الامور تسير على اعوجاجها وعدم الاهتمام بما يدور في الواقع من أحداث تؤثر بالنتيجة على حياة الفرد نفسه. وفي هذه المقالة المختصرة نبدأ بالحديث عن العنف ونترك الحديث عن اللامبالاة لمقالة اخرى.
لقد برزت منذ عدة سنوات وخاصة في السنوات القليلة الماضية ظاهرة العنف باشكاله المختلفة (قتل الاخرين بسبب الخلافات أو لغرض السرقة, القتل ما بين أفراد العائلة الواحدة لاسباب مختلفة, حالات الخطف, حرق وتدمير واتلاف المؤسسات الحكومية الخدمية والتعليمية والصحية, العنف الاسري ضد الزوجة والاطفال, العنف ضد الذات والانتحار بالاسلحة النارية أو الشنق أو الحرق أو السم أو الغرق وهذا لكلا الجنسين في سابقة لم تكن تقدم عليها النساء عادة في ظروف مماثلة, ... ). وهذه الظواهر جديدة على المجتمع العراقي لم تكن بارزة منذ عدة عقود واصبحت تحدث الان بشكل شبه يومي ويكفي قراءة المواقع الاخبارية لتعثر على خبر منها.
وكشفت مفوضية حقوق الانسان في العراق في 11 أيلول 2020 ان هذا العام ولغاية الشهر التاسع منه تم تسجيل (298) حالة انتحار في عموم محافظات العراق حيث بلغ عدد الذكور (168) والاناث (130) (نقلا عن وكالة ناس ليوم 16/9/2020). اما في عام 2019, فتم تسجيل (538) حالة انتحار منها (285) ذكور و(253) اناث في محافظات العراق عدا الشمالية منها. ان ظاهرة العنف نحو الذات ونحو الاخرين تؤدي بالفرد والمجتمع الى توقع الاسوء فهذه الظاهرة تنذر بالخطر على النظام الاجتماعي وتمزق اللحمة الوطنية وتعرض الامن المجتمعي لمستقبل مجهول.
ان اسباب العنف عديدة ومتنوعة فهي تنتج عن ضعف سلطة الدولة وفقدان هيبتها وعن تدخل دولة الاحتلال والدول المجاورة في الشأن العراقي وعن انتشار الفقر والبطالة وتردي الوضع الاقتصادي وعدم توفر فرص العمل والشعور باليأس كما ان العنف ينتج عن قلة الوعي وسوء التربية وعدم توفر الرعاية وعن العصبية القبلية والافكار الفاسدة والمنحرفة اضافة الى تعاطي المسكرات والمخدرات التي تدفع بالفرد الى ممارسة السلوك العنيف اتجاه الذات واتجاه الاخرين. وهنالك عامل مهم ايضا وهي الافلام والمسلسلات والاعلام المرئي الذي اصبح في متناول الجميع كبارا وصغارا ومشاهد العنف والانتقام والثأر والقتل والتدمير التي يعرضها هذا الاعلام بحيث تصبح هذه المشاهد مع الوقت مألوفة للمشاهد وجزء من حياته اليومية وخاصة الشباب منهم ويصبح مفهوم البطولة والشجاعة مرتبط بكثرة القتل والتدمير التي يرتكبها البطل المزعوم.
ان ظاهرة العنف لا يمكن تجاهلها وكأنها ظاهرة عابرة في المجتمع بل ينبغي البحث العلمي ودراسة الجوانب النفسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل جاد والبحث عن الاسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الظاهرة وايجاد الحلول الملائمة لها. كما ان هنالك ضرورة لسيادة القانون واعادة هيبة الدولة والتثقيف ونشر الوعي وكشف الاطراف والجهات الاجنبية والمحلية التي تقف خلف جزء من هذا العنف الممنهج وايقاف اعضاءها وتحجيم مخططاتها ومعالجة ظاهرة تعاطي المسكرات والمخدرات وتوفير فرص العمل وبيان الاضرار الاجتماعية والاقتصادية والامنية الناتجة عن العنف عن طريق المحاضرات المدرسية والجامعية ووسائل الاعلام المسؤول المختلفة لتعزيز ثقافة الحوار والتفاهم ونشر الوعي السياسي وبيان مخططات الاعداء الاجانب والمحليين وما يسعون اليه من تدمير التضامن الاجتماعي وبث الفرقة والافكار المنحرفة ونشر الخراب والفساد والتخلف واعطاء دور للمختصين والاعلاميين الواعين ورجال الدين لنشر خطاب يدعوا الى مباديء الاحترام المتبادل والتكافل ما بين أفراد المجتمع وفضح الفاسدين والمخربين والابتعاد عن العنف كوسيلة لحل المشاكل والخلافات.
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى