هادي جلو مرعي
لاأحبذ إستخدام وصف التحليل السياسي لمايصدر من أحاديث يدلي بها اشخاص يدعون ذلك، وتسميهم وسائل الإعلام بهذه التسمية، حيث تقول مذيعة الأخبار، او يقول مقدم البرنامج الحواري: معنا الآن من بغداد المحلل السياسي، والخبير الإستراتيجي فلان الفلاني، الذي يبدأ بالحديث بوصفه عارفا بخبايا الأمور، وإتجاهات الأحداث والسياسة، وفي الحقيقة فإنه لايقوم سوى بسرد جمل وعبارات إنشائية تلوكها ألسن لاعبي الدومينو في مقاهي بغداد، والجالسين في الدواوين والصالونات الخاصة وجلسات السمر.
الصحيح والله اعلم هو إطلاق وصف المعلق السياسي على من يظهر في وسائل الإعلام، وليس المحلل السياسي، فهو علم بذاته، يتطلب مهارات تحليل وتفسير وتاويل وفهم ودراية في التاريخ والجغرافية، وإستقراء الأحداث بمقدماتها، وأن يتوفر على معلومات عن حركة الحياة والشعوب، وعاداتها، وتفاصيل مايجري في جغرافيا العالم، وتقاليد الأمم وثقافاتها، وأساليب النظر في الأمور لوضع تحليل تفصيلي للموضوع محل النقاش.
مع إنتشار وسائل الإعلام بأشكالها المتعددة سواء بعد الإحتلال الأمريكي البغيض للعراق، او بعد ثورات الربيع العربي، صار الحديث الى وسائل الإعلام في قضايا السياسة هاجسا لكثير من الكتاب والصحفيين، وعديد الأشخاص الذين لاهم كتاب، ولاهم صحفيون، ويطلقون على أنفسهم محللين سياسيين يلوكون الكلمات كيف شاءوا، في حين لايجدون حرجا في ذلك، ولاتهتم إدارات القنوات الفضائية والإذاعات بمايقول هولاء لأن المهم لدى تلك الإدارات هو توفير المزيد من الضيوف لساعات التغطية.
درس مهم من مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الحالية برئاسة الكاظمي هو جزم المعلقين، أو مايسمون بالمحللين بحتمية مرور الحكومة بالنسبة لفريق، بينما يصر فريق منهم على الجزم بعدم مرور الحكومة، وفشل المكلف بنيل ثقة البرلمان، وفي التعليق والتحليل لايصح الجزم بالموافقة، أو الرفض لأن السياسة هي فن الممكن، ومانظنه لايحدث قد يحدث في وقت لاحق لأن حقيقة السياسة هي القبول بالممكن من النتائج، والإتفاق على المشتركات، وتقديم التنازلات. والسياسي يجب أن لايكون لينا فيعصر، ولاصلبا فيكسر، بل يأخذ المستطاع من المكاسب، ليعبر الى مرحلة أخرى، ولأن مانظنه غير ممكن التحقق، قد يكون ممكنا بعد برهة، وفقا لمعطيات تظهر فجأة.