هشام الهاشمي
قيادات عراقية رسمية وجهات دولية رفيعة تشدد على أهمية العنصر الاقتصادي في خلق الظروف التي من شأنها أن تتيح دفع الحوار السياسي الداخلي نحو اتفاق وطني مستدام. هذا التوجهات تعزز الثقة بالرغم عن انعدام الاستقرار في الساحة العراقية الداخلية، انطلاقا من الاعتقاد بأن التصحيح الاقتصادي من شأنه تضييق مساحة الاحتكاك وخفض حدته بين بغداد واربيل، النجف وبغداد، نينوى وبغداد، والبصرة وبغداد، وجعل بغداد وحدها من يدفع "ثمن الخسارة" وجعل التصادم والخصومة أكثر كلفة وأقل جدوى.
وتبدي دول الجوار العراقي تداخلا مجددا في المجال الاقتصادي في المناطق يتبدى في رصد مبالغ كبيرة من الأموال لغرض تعزيز الاستثمار الاقتصادي وبناء مؤسسات دولة رصينة فعالة في المناطق. وتؤكد مراكز دراسات دولية مراقبة للشأن العراقي أن الاستقرار بين العراق وجواره حيوي لضمان الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، بل وخارجها أيضا.
على الرغم من الركود الاقتصادي اللافت في العراق، خلال السنوات الأخيرة، لا تزال ثمة تخوفات من ان التدخل الاقتصادي الحكومي لا يزال غير كاف لمواجهة التحديات المستقبلية كما ينبغي، وخاصة على خلفية الركود الاقتصادي دوليا واضطراب اقتصادات إيران وتركيا والسعودية بسبب الحروب وارتفاع مستوى النفقات على التسليح.
الازمات الإقليمية بين إيران وامريكا على الصعيد الدولي تضع العراق أيضا أمام تحديات وتهديدات جديدة مترتبة على التأثيرات المتبادلة والمتشعبة بين الأزمات والتطورات في مجالات الامن، الطاقة، الاقتصاد وأسواق المال.
وعــلاوة عــلى ذلــك، لم يــؤد ارتفاع أسعار النفط إلى تحســين أوضــاع المجتمــع العراقي الــذي تستحوذ عليه نسب ارتفاع البطالة والمرض والامية وتعصف بــه جملــة مــن الأزمــات الداخليــة المتواصلــة خاصة السلاح غير المنضبط، التــي بلــغ بعضهــا ذروة جديــدة.
هــذه الأزمــات لم يجد لها ا. عادل عبد المهدي علاجــا جذريــا عميقــا. أولى هذه الأزمات وأكثرها خطورة هي تلك التي تعصف بحملة الشهادات العليا ومرضى السرطان في العراق. المعطيات المقارنة بين العراق وبين دول الجوار والاختبارات الدولية تؤشر إلى حالة متردية جدا في التعليم والصحة والخدمات البلدية، إلى مستوى تعليمي هابط وإلى فشل حكومي متواصل في معالجة هذه المشاكل.
ويمثل وضع التعليم مبعث قلق جدي يستوجب إصلاحا عميقا وجذريا يشمل، أولا وقبل أي شيء آخر، رفع جودة المعلمين وتحسين مستوياتهم. إن وضع التعليم في العراق مثير للقلق، هو أيضا. بينما تبرز على الصعيد الاقليمي توجهات زيادة ميزانيات التعليم، يلاحظ عكس ذلك في العراق.
العراق لا يمكنه الاعتماد بعد على هجرة العلماء العراقيين وجذبهم من الخارج، وهو يفتقر إلى الموارد اللازمة للتنافس على افكار العلماء في العالم. الحاجة إلى رصد الموارد للتعليم اكتسبت أهمية إضافية في برنامج رئيس الحكومة للاصلاح الوطني في المجال التعليمي في العراق. يشعر طلاب العلم في العراق بعدم الثقة الجدي بالمؤسسات الحكومية كافة. حصل تراجع في مكانة البرلمان ومجلس الوزراء بين الجمهور، ويبرز بشكل خاص التآكل والتراجع في مكانة الجهات الرقابية الحكومية والمستقلة. وفي أوساط النخب القضائية أيضا ثمة إقرار بالحاجة إلى إصلاحات جذرية في الجهاز القضائي، وثمة انتقادات حادة لمنظومة العلاقات بين رئاسة القضاء وبين الرئاسات الثلاثة، الجميع يحبذ ان تبقى استقلالية القضاء واضحة والمسافة البينية تبقى واضحة وثابتة.
التآكل الحاصل في ثقة الناخب العراقي بمؤسسات المفوضية العليا للانتخابات وبقانون الانتخابات وقانون الاحزاب يمثل مصدر خطر جسيما على استقرار تداول السلطة في العراق. وفي ضوء هذا، يتوجب العمل بطريقة محسوبة بغية استعادة هذه الثقة.
درجة متقدمة من الفساد المتفشي في المؤسسات التنفيذية وفي مؤسسات الخدمة العامة تستوجب اتخاذ إجراءات عملية حادة جدا من جانب سلطات فرض القانون وتطبيقه، دون أية خشية أو محاباة. لا يزال مستوى تماهي الجمهور مع منظمات المجتمع المدني النزيهة ومع قيمها مصانا بدرجة عالية، بالرغم عن مجمل التهديدات الأمنية والسياسية، لكن يلاحظ في المقابل تنامي شعور من الازدراء تجاه بعض المنظمات الحزبية وغياب الثقة في قدرتها على تزويد المواطن بالخدمات والرقابة والشفافية التي يستحقها.
إن تحييد التوترات وتعزيز المساواة بين أربيل وبغداد، والبصرة وبغداد، ونينوى وبغداد، هو تحد لم يعد من الممكن تجاهله، وهو يستوجب تحركا حازما من جانب الحكومة العراقية والمؤسسات التنفيذية. الانخفاض الحاد في نسبة المواطنين في الفرات الأوسط والجنوب الذين لا يؤيدون استحواذ الأحزاب الإسلامية وتقاسمها السلطة يعكس عمق الأزمة في الشارع هناك.
ويبدو أن ما تقوم به الحكومة في هذا المجال ليس كافيا.
تكريس عزل المعارضة السياسية ليس من مصلحة العراق، وعليها العمل بطريقة محسوبة لتحقيق المصداقية، والشفافية، لجميع مواطنيها، وسط المحافظة على طابع الدولة الليبرالي المحافظ.
يبدو أن الأحزاب الحاكمة لا تتفق مع الرؤية التي تميز غالبية المعارضة للانتخابات الذين يعتبرون مواجهة هذه المشكلات السلبية حاجة ملحة جدا والحل المقاطعة. وفوق هذا، يشكل الناخب المقاطع مركبا استراتيجيا مهما في علاقات الحكومة الخارجية مع العديد من الدول الديمقراطية، وثمة حاجة إلى اعتماد حوار شفاف دائم بين رئيس الحكومة ورئاسات الهيئات الرقابية والحقوقية، بما في ذلك حول القضايا السياسية.
أقرأ ايضاً
- مقاطعة الانتخابات لها ثمن يجب دفعه
- هل ستدفعي ثمن الفطيرة ياسعادة السفيرة !؟
- محافظ كربلاء المقدسة يثمن جهود وإدارة المهندس حسين مجيد الخرسان في الأداء الوظيفي