- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مُحامون و شيوخ عشائر و عرضحالجيّة .. وقانون
بقلم | د. عماد عبداللطيف سالم
الكثير من خريجي كليّات الحقوق والقانون، في هذا الزمن العراقي العجيب، لا يعرفون كتابة "عريضة الدعوى" للقضايا المكلّفين بمتابعتها بشكلٍ صحيح، ولا اجراءات تقديمها الى المحاكم على وفق السياقات المعتمدة بهذا الصدد.
لذا فإنّ البعض منهم يلجأُ الى كاتب العرائض "العرضحلجي" عند باب المحكمة، ليقوم بهذه المهمة بدلاً عنه.
تصوّروا.. "المُحامي" المتخرّج حديثاً، يستعين بـ "عرضحلجي" لأداء مهمّته.. واللهُ المُستعان.
لدينا أكثر من 84 كليّة أهليّة، وأكثر من 20 جامعة حكوميّة، فيها كليّات وأقسام للقانون، يتخرّج منها سنويّاً الآلاف من "المُحامين" و "الحقوقيّين" و "القانونيّين".. ومع ذلك فإنّ أضعف السلطات لدينا هي سلطة القانون، وأكثر المؤسّسات هشاشةً، وتعَرُّضاً لمختلف الضغوط، هي المؤسّسة القانونيّة.
لا يتم بسط سلطة القانون، و تطبيق أحكامه على الجميع بذات الدرجة.
و تُعَدْ ظاهرة الإفلات من العقاب "القانوني" ظاهرة شائعة في المجتمع العراقي.
بينما نجد أنّ سلطة العشيرة، هي الأكثر نفوذاً وتأثيراً فيه، من سلطة القانون النافذ ذاته.
وهذا يشكّل نكوصاً و انتكاساً لقيم المدنية، والدولة الحديثة، وصعوداً غير مسبوق لقوة الولاءات الفرعية في العراق، على حساب الولاء للوطن والمواطنة.
إنّ هذا اللجوء الى هذه الولاءات و التنظيمات ما قبل الدولتيّة، يعمل على إحداث شروخ عميقة في البُنيةَ القانونيّة للبلد، بحيث تُتيح هذه الولاءات و التنظيمات للأفراد والمجموعات التابعة لها، امكانيّة خرق آليات الخضوع (أو الامتثال المُجتمعي) للاطارالقانوني الحاكم فيه.
وهكذا امتلكت العشيرة القدرة على حسم الدعاوى والشكاوي والنزاعات الشخصيّة والتظلّمات (بمختلف انواعها وأشكالها ومسبّباتها ودوافعها، ومهما كانت الذرائع والمبرّرات التي تقفُ وراءها هزيلةً وبائسة، وتدعوا الى الضحك والبكاء معاً).. بل وتصدّتْ العشيرة في أحيان كثيرة، لحسم قضايا لها ارتباط بحدود المصلحة العامّة، وتُعَدْ من الاختصاصات الحصريّة للدول والحكومات.
وتستمد العشيرة قدرتها على فعل ذلك، من كونها فاعلة ومؤثِّرة في تطبيق "سُنَنِها"، واستحصال "حقوق" التابعين لها، أو "المُستجيرين" بها، وإلحاق "العقاب" المادي والمعنوي بـ "المُخالفين" لهذه "السُنَن" والأعراف والتقاليد، بأقلّ وقتٍ مُتاح، و بأقلِّ "كُلفة" مُمكنة.
بعد كُلّ هذا.. ماذا بوسع هذا العدد الهائل من الحقوقيّين و القانونيّين و المُحامين، وبمواصفاتٍ علميّةٍ ومهنيّةٍ كهذه، أنْ يفعلوا في بلدٍ كهذا، يقومُ بتخريج الآلاف منهم في كلِّ عامٍ دراسيّ.. ويُلقي بهم على أرصفة المحاكم، ليستعينوا بشيوخ العشائر و "العرضحالجيّة"، لأداء واجباتهم "القانونيّة"؟؟.