رأى باحث غربي ان تقديم نسخة برلمانية لقانون النفط والغاز غير تلك التي تعتمدها الحكومة، هو امر تقف خلفه غايات سياسية، يبدو ان الاكراد هم اللاعب الاكبر فيها، لا سيما مع نجاحهم في اقناع القائمة العراقية بتبني دعم قانون من شأنه ان يزيد التشرذم بنحو كبير، وجعلها تتخلى عن ما وصفه بـ\"المثاليات البونابرتية\"، في حين ان المالكي يبدو الان هو الشخص الوحيد الذي يركز على مؤسسات دولة اعتيادية وواضحة المعالم، مع انه لم يتمكن من ايصال فكرته، وهذا ما سوف يزيد الاستقطاب.
وقال الباحث في المعهد النرويجي للابحاث الدولية، ريدر فسر، في تعليق له خص به \"العالم\"، ان \"الحال اكثر اثارة مما يبدو عليه، فقد قدمت لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي نسخة قانون نفط وغاز منافس للنسخة العالقة لدى الحكومة منذ العام 2007\".
واشار الى ان \"قراءة سريعة للوثيقتين تشير في الحقيقة الى انهما متشابهتان الى حد كبير جدا، فهما تستندان الى الاسس نفسها، وتحتويان على المواد نفسها، بل ان معظم ما فيهما يستعمل اللغة نفسها\".
لكنه يقول \"في الواقع، هناك اختلاف وحيد كبير بينهما. اذ تمنح نسخة البرلمان سلطة تسمية رئيس مجلس النفط والغاز (الذي سيتخذ القرارات الرئيسية كلها) ونائبه، لرئاسة البرلمان، على ان يصادق عليهما البرلمان باغلبية مطلقة، في حين ان نسخة الحكومة تذكر ان رئيس الوزراء او ممثله هو من يرأس هذا المجلس. اما غير هذا، فالاختلافات تبدو صغيرة، على ان التفاصيل المتصلة بتمثيل المحافظات في مجلس النفط والغاز مختلفة قليلا (نسخة الحكومة تمنح ممثل المحافظة درجة وزير، وتتولى مجالس المحافظات انتخاب ممثلي المحافظات المنتجة)\".
وتابع فسر قائلا \"اما الملامح الاخرى المتبقية فتبدو متشابهة. وتماما مثل مشروع القانون الاصلي الذي قدم في العام 2007، تُحرم وزارة النفط من السلطة الفعلية لتعطى السلطة القوية الى لجنة النفط والغاز. فهذه اللجنة سوف تتمتع بحقوق الاعتراض (الفيتو) على الصفقات التي تعقدها المناطق الفيديرالية ايضا، وما لم تتمكن اللجنة من اصدار قرار بنسبة الثلثين، ستصبح تلك الصفقات سارية المفعول تلقائيا. كما ان المحافظات المنتجة ليس لها حقوق التعاقد نفسها الممنوحة للمناطق الفيديرالية\"، منبها الى ان \"هذا ما يشكل انتهاكا صارخا للدستور (الذي يعامل المحافظات والمناطق الفيديرالية بالنحو نفسه تماما بقدر تعلق الامر بقضايا الطاقة)\".
وقال فسر في تعليقه ان \"السبب في حصول النسخة البرلمانية على كثير من الاهتمام، على الرغم من الاختلافات الضئيلة، متعلق بالعملية الاجرائية: فمن خلال ما تقوم به لجنة النفط والغاز في هذه القضية، فانها تتحدى الحكومة والمحكمة الفيديرالية العليا\".
واضاف ان \"المحكمة سبق ان قررت ان اي مشروع قانون يجب ان يمر عبر الحكومة او رئاسة الجمهورية قبل تقديمه الى البرلمان، ما يعني ان حق المجلس التشريعي العراقي في المبادرة التشريعية ضعيف في هذا المجال\".
وذكّر انه \"في المرة السابقة حاول البرلمان تحدي الحكومة بالنحو نفسه (من خلال قانون يقطع الروابط الادارية بين المحافظات والوزارات المركزية) وانتهى به الامر الى الرفض من جانب المحكمة الفيديرالية العليا وبالنتيجة ألغي القانون المذكور. بعبارة اخرى، يمكن للمحكمة ان تسقط نسخة قانون النفط والغاز البرلمانية للاسباب الاجرائية نفسها\".
واكد الباحث ان \"هذا الامر يتصل، بالمقابل، بالسياسة التي تقف وراء خطوة تقديم نسخة برلمانية لمشروع قانون النفط والغاز\".
واوضح ان \"اللافت ان الاكراد والعراقية يظهرون انهم القوى البارزة التي كانت وراء مشروع القانون الجديد، فيما سجلت مقاومته قبل الجميع لصالح ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي. وهذا يفسر بوضوح دور البرلمان القوي في ايكال عملية صياغة مشروع قانونه الى لجنته، وكذلك مقاومة المشروع على اسس موضوعية واجرائية من جانب دولة القانون\".
ورأى ان \"ثمة ميزة مثيرة للاهتمام هي ان الاكراد يمضون قدما الان بالمشروع الذي سيعطي اللجنة المركزية حق الفيتو على كل العقود: اذ يُعتقد ان خلافا بين الاكراد والاسلاميين الشيعة كان السبب الرئيس في تأخير تقديم النسخة الحكومية من مشروع القانون الى البرلمان\".
ويجد الباحث ان \"النسخة البرلمانية تبين اكثر من اي شيء آخر مدى استعداد القائمة العراقية الى المضي الى اي شيء من اجل الاضرار بالمالكي شخصيا، ولا يهمها المسائل الايديولوجية التي بيديها\".
واوضح ان \"لدينا هنا مسودة قانون رفضها كل الخبراء في النفط العراقي تقريباـ ومعظمهم من انصار العراقيةـ عندما قدم اول مرة في العام 2007. فجوهر القانون بقي الى حد كبير هو نفسه، الا ان العراقية الان تدعم المشروع الذي سوف يحول وزارة النفط الى مجرد مكتب فخم فيما السلطة الحقيقية بأيدي لجنة من السياسيين وبضعة خبراء مستقلين\".
وتابع ان \"الاكراد، من جانبهم، تنازلوا بنحو كبير عن حقوق الاعتراض على العقود لصالح لجنة سياسية مركزية، وأن يكون الثلث لولاية برلمانية اضافة الى شرط الثلثين من اجل التوصل الى قرارات\"، لافتا الى ان \"النقطة الاكبر هي ان: الاكراد نجحوا في اقناع العراقية بمساندة لجنة أخرى تتكون من سياسيين على حساب بيروقراطيين [موظفين مكتبيين]\". واوضح ان \"صنو لجنة النفط والغاز في مستوى المفهوم هو بالطبع المجلس الوطني للسياسات العليا، الذي تسانده العراقية والاكراد على حد سواء ويقاومه المالكي\".
وقال فسّر انه بالنسبة لمراقب خارجي \"يظهر الاثنان بنحو كبير مثل نتاجات مبتدئين صغار بعلم السياسة، فالمثير ان نرى كيف نجح الاكراد في تحويل العراقية بمثالياتها البونابرتية المفترضة الى موقف سوف يسهم كثيرا بتفتيت اكبر من كل ما سبق\".
وتابع انه \"كي تزيد الطين بلّة، راحت العراقية تزعم انها تبني مؤسسات الدولة!\"
وقال فسّر انه \"حتى الان يبدو ان اللاعب الوحيد في المشهد العراقي الذي يركز على مؤسسات دولة واضحة وطبيعية هو بوضوح نوري المالكي، لكن فشل المعسكرين في توصيل أفكاره يحمل في طياته خطر خلق استقطاب متزايد مع حلقة مفرغة أكثر تسلطية من جانب المالكي\".
ورأى الباحث المختص بالشان العراقي ان \"من المثير للاهتمام ايضا ان الاكراد في هذه القضية يعملون من خلال البرلمان (ورئيسه اسامة النجيفي التابع للقائمة العراقية) بدلا من الرئاسة وصاحبهم جلال طالباني (الذي قدم مشروع مجلس السياسات الاستراتيجية)\".
واختتم تعليقه متسائلا عما اذا كان خلاف طالباني - بارزاني في كيفية تعاملهما مع العراقية والمالكي يكمن في خلفيات هذه القضية.
أقرأ ايضاً
- الأمم المتحدة: لا خوف على العراق
- السوداني يعوّل على السياحة لتكون مصدراً اساسياً بالاقتصاد غير النفطي في العراق
- في اول تصريح له بعد تجديد الثقة... امين عام العتبة الحسينية يشكر المرجعية الدينية العليا ويتعهد بالمسير على نهجها(فيديو)