من بين الغبار المتصاعد من تحت اقدام السائرين الى كربلاء المقدسة تلوح من بعيد مسيرة تشد الوانها الناظرين وتلفت انتباه الجالسين في خيم المواكب يصاحبها صوت قرع الطبول الذي يشبه الجوق الموسيقي للقطعات العسكرية، فتقت جموع الناس منشدة الى هذا الموكب الذي تبين فيما بعد انه موكب عودة السبايا اسماً على مسمى، حيث يتقدم جنود يزيد بن معاوية بزيهم الاحمر ووجوهم المكفهرة وعيونهم التي يتطاير منها الشرر، يقف بينهم رجل ارتدى السواد على طول جسده الا وجهه فقد غطته قطعة قماش اخصر والسلاسل مربوطة في معصميه ورجليه وجيد رقبته، ويفصل بينه وبين السبايا من النساء والاطفال الذين يرتدون السواد ولا يستطيعون السير من شدة التعب، مجموعة ثانية من الجنود الشداد الغلاظ فاقدي الرحمة، هكذا يسير في كل عام موكب عودة السبايا من منطقة المعقل في محافظة البصرة الى مدينة الشهادة والفداء كربلاء المقدسة، ليعيد الى الاذهان ما جرى على آل بيت الرسول وعيال صحبهم من قبل الامويين وخليفتهم يزيد بن معاوية عليه اللعنة.
التحول في طريقة المسير
يقول المشارك جميل عيسى (64 عاما) من المعقل، في حديث لوكالة نون الخبرية: منذ العام 2007 سار موكب عودة السبايا البالغ عدده 45 زائرا الى كربلاء المقدسة بطريقة المشي المجرد من اي معدات او فعاليات، وبدأ باعداد قليلة جداً، ثم تناقش اعضاء الموكب فيما بينهم بحكم كونهم اقارب وجيران لتطوير عمل الموكب السيار وتجعله يتميز بهيبة تليق بالقضية الحسينية فكان الرأي ان يسير الموكب مرتديا ازياء المعارك والسبايا الذي تمثل فيه النساء السائرات مع الموكب وكلهن اقارب وزوجات وبنات المشاركين والغاية من السير بتشابيه حسينية يشترك فيها الرجال والنساء لتجسيد واقعة عودة السبايا الى كربلاء وزرع مظلومية الامام الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه في اذهان محبيه وتجديد الحزن، مبينا ان للموكب صندوق سنوي يجمع مبالغ تصل الى خمس ملايين دينار تنفق على مستلزمات العمل، وكذلك لدينا مواكب ثابتة نمر عليها كل عام فنبيت في بعضها ونتناول الطعام او نرتاح في الاخرى.
الشيبة لها دور مميز
اما عضو الموكب السيد حلو الهاشمي الذي يقف على عتبة الثمانين من العمر فاكد انه كان يشارك في تمثيل واقعة الطيف (التشابية) بادوار مختلفة في سبعينيات القرن الماضي وتربى وهو طفل صغير على المشاركة في الشعائر الحسينية حتى منعت من قبل الطاغية المقبور فعدت الى التمثيل بادوار جديدة تتلائم مع كبر سني في منطقة المعقل، كما باشرت بالسير الى كربلاء المقدسة لمدة 15 يوما، والسير بموكب السبايا بازياء المعركة من البصرة الى كربلاء الشهادة.
واشار الحلو ان الغاية من الموكب هو التاثير على الشباب ودفعهم الى الالتزام الديني والاخلاقي وقد لمسنا تجاوب كبير من قبل الشباب لاسيما من الجيران والاصدقاء والاقارب، وكذلك الشابات اللواتي يحرصن على تمثيل دور السبيات وحرصهن طول مسافة المسير على العفة والحجاب والانضباط، فانعكس ايجابا على حياتهن العامة وعلاقاتهن مع الاهل والاقارب وتأثيرهن على زميلاتهن.
الراهب المسيحي
ارتدى زي الرهبان وصبغ شعر رأسه ولحيته باللون الأصفر وعلق الصليب على جيده وحمل العصا في رأسها الصليب يسير كئيبا حزينا منطويا على نفسه، انه المشارك زكريا وهاب من منطقة المعقل يقول امثل دور الراهب المسيحي الذي نحت رأس الإمام الحسين عليه السلام، ويضيف في بداية الامر كان الخجل يتملكني، ثم تدريجيا ومع تفاعل الناس مع الموكب لاسيما بكاء النساء وعويل الاطفال من الزائرين اصبح يتملكني شعور بالاحساس بمصيبة ابو عبد الله الحسين عليه السلام، مبينا ان بعض المشاركين في الموكب نشروا صورا للموكب على مواقع التواصل الالكتروني وفيه شخصيتي فوجدت تفاعل كبير وردود افعال ايجابية من قبل الشباب والشابات تحديدا، كما وجدت تسائلا يعاد عن دور المسيحي في ثورة الامم الحسين عليه السلام واجوبة معمقة عن وهب النصراني الذي نصر الحسين وقاتل واستشهد بين يديه والراهب الذي احتفظ ليلة براس الحسين ونحت وجهه وغيرها من المعلومات المفيدة، حيث ولد الموكب اسئلة وتلتها اجوبة وهذه هي الغاية المرجوة.
اجواء الملحمة
شاب ثلاثيني قوي البنية ارتدى الزي الاحمر بالكامل ووضع ريشة على قلنسوته عابس الوجه لا يبتسم سألته من انت قال لي شمر بن ذي الجوشن، ويضحك الدور الذي امثله يلزمني بأن اكون عبوسا غليظا كوني مجرما وقاتلا للحسين وسابيا لعائلته ومن معهم من النساء والاطفال، مستدركا انه اسمع الكثير من الاشادات على طول الطريق بموكبنا كما اسمع الدعاء بهلاكنا من قبل العجائز والمسنين، مؤكدا ان الموكب منظم جدا من حيث توفير الملابس للسبايا والجنود والإمام السجاد عليه السلام والسيوف والطبول والسياط بما يجسد الاحداث والمسير ما اضفى على الموكب مسحة التاريخ والواقعة، مبينا انهم عند الدخول الى مدينة كربلاء وقرب الحرمين الشريفين تزداد نسبة المشاهدة والاهتمام بالموكب ويشعر المشاهد باجواء عودة السبايا الى مدينة كربلاء المقدسة.
قاسم الحلفي - البصرة
تصوير: عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- صراع دولي وشبهات فساد.. هل تفشل الاتفاقية العراقية الصينية؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟