- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الانتخابات وترسيخ العقد الاجتماعي
عباس الصباغ
من السابق لأوانه ترجمة هذا الكم الهائل من الشعارات والبرامج المطروحة في متون اللافتات واليافطات والملصقات والبوسترات ومواقع التواصل الاجتماعي وغير ذلك الى الواقع العملي، فهذا امر مرهون بالبراغماتية الأدائية للمرشحين ومدى تمكنهم من ترجمة تلك البرامج على ارض الواقع ذلك بعد نيلهم الاستحقاق الانتخابي عبر صناديق الاقتراع التي من المؤمل ان يدلي فيها ملايين الناخبين العراقيين في 12 من ايار المقبل ممن يحق لهم قانونا خوض الانتخابات لانتخاب حوالي (6904) مرشحا، ويلاحظ إن بعض الملصقات الدعائية أشارت بوضوح الى منجزات حققها بعض المرشحين الذين ما يزالون في الخدمة الآن في أعمال البنى التحتية او الأمنية او الاقتصادية في محاولة لإبراز تلك المنجزات والبعض منها اشارت الى منجزات في سبيلها نحو التحقق او مازالت مجرد افكار او رؤى يأمل الجميع منها ان تتحقق وبنسب مريحة ومقنعة او معقولة تشعر المواطنين ان تصويتهم لهم كان في المكان الصحيح وللأشخاص المناسبين وان اصواتهم لم تذهب هدرا، فالناخب العراقي يأمل من هذه البانوراما الجميلة التي امتدت على خارطة الوطن أن ينتقل بقفزة نوعية نحو مستقبل أفضل وأحلام (ليست وردية) تتحقق طاردة كوابيس الماضي المزعجة وتخرجه من مطبات المحاصصة ومآزق الطائفية ومشاكل الفساد الإداري والمالي، إضافة الى تحسن واضح وملموس في مستوى المعيشة والخدمات والأمن، وكل ذلك استحقاقات تمليها مبادئ المواطنة والعقد الاجتماعي على من سيتحمل المسؤولية بعد فوزه في معمعة الانتخابات وحصوله على ثقة الجماهير التي صوتت له...إنها بانوراما تستحق التأمل والوقوف على ما ستؤول إليه صناديق الاقتراع كما تستحق أن "ينتقي" المواطن العراقي الذي اكتسب خطا بيانيا عاليا في الوعي الديمقراطي وبأكثر من دورة انتخابية، فالمواطن ماتزال عينه ترنو الى من يمثله تمثيلا صحيحا ويترجم مصالحه الوطنية الى واقع معاش وليس مجرد شعارات.
الانتخابات الشفافة والنزيهة هي احدى آليات الوصول الى تحقيق المجتمع المدني القائم على الاختيار الحر وثقافة حقوق الانسان وصولا الى النموذج الديمقراطي الفاعل الذي يحتكم الى صناديق الاقتراع كمؤشر حقيقي الى ديناميكية ديمقراطية ذات هوية عراقية بدأت تتجذر ليكون العراق بلدا يحتذى به في مجاله الإقليمي ولتعود اليه كاريزميته المحورية التي انفصلت عنه لعقود طوال من التخبطات التأسيسية والغياهب الديكتاتورية والتشوهات السياسية التي أقصت العراق عن تقمص دوره الإستراتيجي الفاعل، فنجاح الانتخابات التشريعية وفي ابسط مؤشراته يدل على إن العجلة العراقية دارت واستمرت في الدوران رغم المعرقلات والكوابح التي وضعت في طريقها كي توقفها عن الدوران، فنجاح الانتخابات التي تقوم على وعي المواطن بهذه الممارسة الديمقراطية ينتج عنه مجتمع مستقر نسبيا كون هذه الممارسة اعتمدت التداول السلمي للسلطة مما يرسخ اسس التعايش السلمي الاهلي بعيدا عن اجواء التنافر السياسي / المجتمعي الذي يصيب المجتمع الاهلي بالتصدع والتشتت، فالانتخابات النزيهة فرصة ثمينة للجميع (مواطنا ومجتمعا ودولة) لتجذير اسس العقد الاجتماعي المقنن للعلاقة مابين المواطن والدولة من جهة والمواطن والمجتمع من جهة ثانية، وصهر كل ذلك في آصرة المواطنية الصادقة التي تتوشج بالهوية الوطنية الجامعة والتي تستوعب جميع الهويات الفرعية في الفضاء الوطني العام، فنجاح الانتخابات يوفر الانسجام المطلوب في هذا المشروع الذي حققته جميع الديمقراطيات العريقة في العالم لاسيما في العالم الليبرالي الحر، ومن المؤمل ان يتحقق هذا المطلب في العراق الذي عانى كثيرا في العقود المظلمة السابقة من عدم الاستقرار السلطوي وعدم ثبات مراكز القرار، اضافة الى دخول العراق (دولة ومجتمعا) في نفق الديكتاتورية المعتم حيث مصادرة الحريات وكتم الاصوات واضمحلال التعايش السلمي الاهلي فضلا عن تلاشي تحقيق ادنى نسبة من مقاربات اليات العقد الاجتماعي المعهودة عالميا فكان العراق بأجمعه حديقة خلفية للسلطة الحاكمة فلم يكن هنالك اي عقد اجتماعي لعدم وجود اي هامش ديمقراطي في البلد فما احوجنا اليوم الى انتخابات تعيد الينا العقد الاجتماعي الذي غيّب عنا لعقود.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- كيف ستتأثر منطقة الشرق الاوسط بعد الانتخابات الرئاسية في ايران؟
- قبل الانتخابات وبعدها