- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قبسات نورانية من الأمام موسى بن جعفر(عليه السلام)
بقلم: عبود مزهر الكرخي
تمر على الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء استشهاد سيدي ومولاي الامام موسى الكاظم(ع)وهي مناسبة اليمة يتذكرها كل الموالين من المذهب الشيعي وحتى باقي المذاهب لتتحد القلوب وتتجه العقول والأجسام صوب القبة الشريفة للعتبة الكاظمية المطهرة وهذا الحزن والتوحد في احياء مراسيم استشهاد هذا الامام السابع من اهل البيت مرده هو لعظم المصيبة والعذاب الذي مر به الأمام موسى كاظم والذي بقى في غياهب وظلمات السجون والمطامير ومدة سجنه (ع) غير معلومة بالدقة , فبعض المؤرخين من يقول أربع سنوات , والآخر يقول: سبع سنوات , وثالث يقول: أربعة عشر سنة.
وعلى كل حال نحن نعلم أن الإمام (ع) قد قضى فترة ليست بقليلة في السجن حتى قتل مظلوماً محتسبا. ولكنه كان في كل تلك السنين يعبد الله محتسباً الى الله من غير أن يعترض على حكم الله وقضاؤه بل كان يشكر الله على هذا السجن لأنه قد طلب من ربه ان يتفرغ لعبادة الله جل وعلا وكان هذا السجن هو خير مكان للعبادة والذي كان لا تدخل اليه الشمس من كثرة الظلمة بحيث كانوا السجانين يخبرون الأمام بدخول وقت صلاة الصبح والظهرين والعشائين ولكنه كان في كل شاكراً لأنعم الله سبحانه ومسلم أمره لقضاء الله الذي لا يرد ولا يبدل ولهذا كان من أهم القابه هو كاظم الغيظ لما كان يمتلكه من حلم وسماحة. ومن الروايات التي تبين مدى عظمة وسمو أخلاق الأمام الكاظم روحي له الفداء هذا الرواية حيث تقول:
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال حدثنا يحيى بن الحسن قال: كان موسى ابن جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرة دنانير، وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتين دينار، فكانت صرار موسى مثلا.
حدّثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى: أن رجلا من آل عمر بن الخطاب كان يشتم علي بن أبي طالب إذا رأى موسى بن جعفر، ويؤذيه إذا لقيه. فقال له بعض مواليه وشيعته: دعنا نقتله: فقال: لا.
ثم مضى راكباً حتى قصده في مزرعة له، فتواطأها بحماره، فصاح: لا تدس زرعنا، فلم يصغ إليه، واقبل حتى نزل عنده فجلس معه وجعل يضاحكه.
وقال له: كم غرمت على زرعك هذا؟ قال: مائة درهم، قال: فكم ترجوا ان تربح؟ قال: لا أدري، قال: إنما سألتك كم ترجو؟ قال: مائة اخرى.
قال: فاخرج ثلاثمائة دينار فوهبها له، فقام فقبّل رأسه.
فلمّا دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري فسلّم عليه، وجعل يقول: { الله أعلم حيث يجعل رسالته }(1)، فوثب أصحابه عليه وقالوا: ما هذا؟ فشاتمهم.
وكان بعد ذلك كلما دخل موسى خرج يسلّم عليه ويقوم له.
فقال موسى لمن قال ذلك القول: أيما كان خيراً ما أردتم أو ما أردت؟(2).
اخبرنا سلامة بن الحسين المقري وعمر بن محمد بن عبيدالله المودب قالا: اخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا القاضي الحسين ابن اسماعيل، حدّثنا عبدالله بن أبي سعد، حدّثني محمد بن الحسين بن محمد بن عبدالمجيد الكناني الليثي، قال حدثني عيسى بن محمد مغيث القرطي ـ وبلغ تسعين سنة قال: زرعت بطيخاً وقثاء وقرعاً في موضع بالجوانية على بئر يقال لها أم عظام، فلما قرب الخير واستوى الزرع بغتني الجراد، فأتى على الزرع كله، وكنت غرمت إلى الزرع وفي ثمن جملين مائة وعشرين ديناراً.
فبينما أنا جالس طلع موسى بن جعفر فسلّم، ثم قال: ايش حالك؟ فقلت اصبحت كالصريم بغتني الجراد فأكل زرعي، قال: وكم غرمت فيه؟ قلت مائة وعشرين ديناراً مع ثمن الجملين، فقال: يا عرفة، زن لابي المغيث مائة وخمسين ديناراً، فربحك ثلاثين ديناراً والجملين، فقلت: أيا مبارك ادخل وادع لي فيها فدخل ودعا وحدثني عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) انه قال: (تمسكوا ببقايا المصائب).
ثم علقت عليه الجملين وسقيته، فجعل الله فيها البركة، زكت فبعت منها بعشرة آلاف(3).
والامام موسى بن جعفر هو سابع ائمة اهل البيت وعاش فترة توصف بالمضطربة وقد عاصر عدد من الحكام العباسيين وهم أبو جعفر الدوانيقي والهادي والذي توعد بقتله والمهدي ولكن لم يفلح ليعاصر حكم هارون العباسي البغيض(4).
أمّه حميدة البربرية، ويقال لها حميدة المُصفّاة(5)، كانت من خيار النِّساء، وقد مدحها الإمام الصادق (عليه السلام) بكلمات تكشف عن عظمتها وسمُوّ قدرها فقال: «حميدة مُصَفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها حتى أُدّيَت إليّ كرامةً من الله لي والحُجّة من بعدي»(6).
وُلِدَ (عليه السلام) بالأبواء(7) لسبعٍ خلوْن من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة(8).
ـ كنيته أبو الحسن، وهو أبو الحسن الأول، وأبو إبراهيم، وأبو علي، ويعرف بالعبد الصالح والكاظم (عليه السلام). واستشهاد الأمام الكاظم قد تعددت الروايات في سبب سجنه وبالتالي قتل الأمام الكاظم ولنسرد بعض من تلك الروايات:
الرواية الأولى : في محاورة للأمام موسى الكاظم مع هارون العباسي وننقلها كما هي " لكن الغريب ماورد في جواب الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) لهارون الرشيد عند ما سأله الأخير قائلا:
«حُدَّ فدكاً حتى أردها إليك»
حيث أبى الإمام(عليه السلام) لكن الرشيد ألحَّ عليه.
فقال(عليه السلام): لا آخذها إلاّ بحدودها.
قال هارون: و ما حدودها؟
قال(عليه السلام): إن حدّدتها لم تردّها.
قال هارون: بحق جدك إلا فعلت؟
قال(عليه السلام): أما الحد الأول فعدَن، فتغير وجه الرشيد و قال: أيهاً، قال: و الحدّ الثاني سمرقند، فاربد وجهه، قال: و الحدّ الثالث أفريقية فاسودَّ وجهه، و قال: هيه، قال: و الرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية.
قال الرشيد: فلم يبقَ لنا شيء، فتحول إلى مجلسي.
قال الإمام(عليه السلام): قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها، فعند ذلك عزم على قتله.(9)
ومن خلال هذه المحاورة تبين مدى صلابة الأمام وشجاعته ليقف بوجه هذا الحاكم الدكتاتور هارون العباسي وهذا ليس بغريب عليه لانهم اولاد الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام) والذين الشجاعة هي الصفة التي يمتازون بها ولا تأخذهم في قول الحق لومة لائم كما عرف عن جده أمير المؤمنين. وهذا مادفع الى قتل الأمام ودس السم اليه وهذا هو مامعروف به هارون في تصفية كل مناوئيه وتصفيتهم بأبشع الطرق اجراماً ووحشية ومقولته المشهورة لأبنه المأمون العباسي في أن(كرسي الحكم عقيم) دلالة على مدى وحشيته واجرامه.
وفي جزئنا القادم سنتطرق الى الروايات الأخرى لاستشهاد الأمام موسى الكاظم(ع) أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ [ الانعام: 124 ].
2 ـ الإمام الكاظم (ع)عند أهل السنة تأليف الشيخ فارس الحسّون ص 15. من منشورات المكتبة العقائدية. مركز الأبحاث العقائدية.
3 ـ نفس المصدر. ص 17.
4 ـ نفس المصدر. ص 16.
5 ـ أعلام الورى للطبرسي: 2/ 6، مؤسسة آل البيت.
6 ـ أُصول الكافي للكليني: 1/ 550، دار التعارف للمطبوعات.
7 ـ الأبواء: بلدة بين مكة والمدينة فيها توفيت ودفنت آمنة بنت وهب أمّ الرسول الكريم.
8 ـ إعلام الورى للطبرسي: 2/ 6، مؤسسة آل البيت.
9 ـ بحار الانوار، ج8 ص106، كما روى ذلك ابن شهرآشوب في مناقبه.