- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
السلام على أسد بغداد...الإمام موسى كاظم الغيظ
بقلم : عبود مزهر الكرخي
تمر في هذه الأيام المباركة وفي شهر رجب الأصب مناسبات عدة، ومن هذه المناسبات والتي يتوقف فيها الموالون وكل العالم الإسلامي، مناسبة مهمة يقف فيها كل مؤمن يسترجع وتتملكه العبَرة والعبِرة تجاه أمام خالد من أهل بيت النبوة وهو سيدي ومولاي الإمام باب الحوائج موسى الكاظم(عليه السلام)والذي يعتبر علامة فارقة ومميزة في سيرة أهل البيت(عليهم السلام)ليكون استشهاد موسى كاظم الغيظ(عليه السلام)يوم حزين وفاجعة ينتفض فيها الشيعة وكل المؤمنين من كل الطوائف والأديان لزيارة يوسف آل البيت، وأداء مراسيم زيارة استشهاد هذا الأمام الخالد الزاهد حليف السجدة الطويلة والمغيب في قعر السجوم وفي ظلم المطامير من قبل هارون العباسي والذي لم يهدأ حتى دس له السم ليلاقي ربه وَالوارِدِ عَلى جَدِّهِ المُصْطَفى وَأَبِيهِ المُرْتَضى وَأُمِّهِ فاطَمَةَ سَيِّدَةِ النِّساءِ بِإِرْثٍ مَغْصُوبٍ وَوَلاءٍ مَسْلُوبٍ وَأَمْرٍ مَغْلُوبٍ وَدَمٍ مَطْلُوبٍ وَسَمٍّ مَشْرُوبٍ.
وفي هذه الأيام الحزينة المباركة نستذكر منهجا فريدا في الصبر والإيثار والتضحية من أجل المبادئ السماوية السمحاء ممثلة بكاظم الغيظ الامام موسى بن جعفر(عليه السلام)الذي سار على منهاج جدّه رسول الله (صلى الله عليه و آله) وآبائه المعصومين(عليهم السلام)في الاهتمام بشؤون الرسالة الإلهية وصيانتها من الضياع والتحريف، والجدّ في صيانة الأمة من الانهيار والاضمحلال ومقارعة الظالمين وتأييد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للصدّ من تمادي الحكام في الظلم والاستبداد.
وباب الحوائج هو اسد بغداد وحاميها وحارسها الأمين والذي كانت مدرسته العلمية يتوافد عليها العلماء والفقهاء ومن كل المشارب ومن طلاب المعارف والعلم، والتي كانت تشكل تحدياً علمياً رصيناً حضارياً وإنسانياً وعلمياً أمام كل الحضارات الوافدة وتجاه كل الملل والنحل والأديان والطوائف، وتخرج منها العديد من فطاحل العلماء والمجتهدين وتبلور المنهج المعرفي للعلوم الإسلامية والإنسانية معاً.
لماذا سُمي الإمام الكاظم (ع) بأسد بغداد ؟ وماهي قصة الأسد مع الإمام الكاظم(عليه السلام﴾؟
عن الشيخ إستاذ العرفان المفيد رضوان الله تعالى عليه في كتابه الإرشاد وعن ابن شهر آشوب في كتابه مناقب آل أبي طالب(عليه السلام) ومصادر أخرى كثيرة .
روي عن علي بن أبي حمزه البطائني قال : ( في بعض الأيام خرجت مع الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام ﴾ من المدينة إلى ضيعة له خارجها( مكان خارج مدينه) وكان الإمام راكباً بغله وأنا راكب حماراً ، فلما صرنا بعض الطريق اعترضنا أسد هائج فارتجفت خوفاً وتقدم الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) غير مكترث به فرأيت الأسد يتذلل للإمام ﴿عليه السلام﴾ ويهمهم ( أي له صوت عظيم ) ووضع الأسد يده على كفل بغلته ( اي موضع رجل الإمام ) وخفت من ذلك خوفاً عظيماً ، ثم تنحى الأسد إلى جانب الطريق ، وحوَّل الإمام وجهه نحو القبلة ، وجعل يدعو ثم حرك شفتيه بما لم أفهمه ثم أومئ إلى الأسد بيده إلى أن مضى فهمهم الأسد همهمة طويلة والإمام يقول : (اللهم أمين)، ونظرت إلى الأسد حتى غاب عن أعيننا .
فقلت له سيدي ومولاي جعلت روحي فداك ما شأن هذا الأسد ولقد خفت منه عليك وعجيب من شأنه معك ، فقال الأمام(عليه السلام): ﴿ يا أبا حمزة إن هذا الأسد قد خرج إليَّ يشكو عُسر ولادة لبوَته منذ ثلاثة أيام وسألني أن أدعو الله ليفرج عنها ففعلت ذلك وألقي في روعي أنها تلد ذكراً فأخبرته بذلك فقال لي الأسد امضي بحفظ الله فلا سلط الله عليك ولا على ذريتك ولا على أحد من شيعتك شيئاً من السباع فقلت أمين. وهذا هم أهل بيت النبوة رمز للشجاعة والإقدام متبعين سيرة أجدادهم من الرسول الأكرم محمد وعلي والحسين والعباس(صلوات الله عليهم أجمعين).
ومن الدلائل التي تدلل على شجاعة وأقدام الإمام موسى الكاظم(عليه السلام)ما تورده الروايات و أحد الأسباب التي تدلل على استشهاد الأمام الكاظم قد تعددت في سبب سجنه وبالتالي قتل الأمام الكاظم ونسرد بعض تلك الرواية :
وفي محاورة للأمام موسى الكاظم مع هارون العباسي وننقلها كما هي " لكن الغريب ماورد في جواب الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) لهارون الرشيد عند ما سأله الأخير قائلا: «حُدَّ فدكاً حتى أردها إليك»، حيث أبى الإمام(عليه السلام) لكن الرشيد ألحَّ عليه. فقال(عليه السلام): لا آخذها إلاّ بحدودها.
قال هارون: وما حدودها؟ قال(عليه السلام): إن حدّدتها لم تردّها.
قال هارون: بحق جدك إلا فعلت؟
قال(عليه السلام): أما الحد الأول فعدَن، فتغير وجه الرشيد و قال: أيهاً، قال: و الحدّ الثاني سمرقند، فاربد وجهه، قال: و الحدّ الثالث أفريقية فاسودَّ وجهه، و قال: هيه، قال: و الرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية. قال الرشيد: فلم يبقَ لنا شيء، فتحول إلى مجلسي.
قال الإمام(عليه السلام): قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها، فعند ذلك عزم على قتله (1).
ومن خلال هذه المحاورة تبين مدى صلابة الأمام وشجاعته ليقف بوجه هذا الحاكم الدكتاتور هارون العباسي وهذا ليس بغريب عليه لانهم اولاد الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام) والذين الشجاعة هي الصفة التي يمتازون بها ولا تأخذهم في قول الحق لومة لائم كما عرف عن جده أمير المؤمنين. وهذا ما دفع الى قتل الأمام ودس السم اليه وهذا هو ما معروف به هارون في تصفية كل مناوئيه وتصفيتهم بأبشع الطرق اجراماً ووحشية و مقولته المشهورة لأبنه المأمون العباسي في أن(كرسي الحكم عقيم) دلالة على مدى وحشيته واجرامه.
ولم يخل الإمام(روحي له الفداء)من نشاطات تربوية وتنظيمية لتكشف عنايته الفائقة واهتمامه بمستقبل الأمة الإسلامية الزاهر والزاخر بالطليعة الواعية التي حفظت لنا تراث ذلك العصر الذهبي العامر بمعارف أهل البيت(عليهم السلام) وعلوم مدرستهم التي فاقت كل المدارس العلمية في ذلك العصر وأخذت تزهر وتزدهر يوماً بعد يوم حتى عصرنا هذا.
ومن هنا لم يستسلم الإمام(عليه السلام)ويتعرض لشتى أنواع الضغوط والتنكيل، بل كان متمسكاً بالعبادة والطاعة لله سبحانه وتعالى والأهم الصبر على ألوان العذاب وينال لقب راهب آل هاشم والذي كظم غيضه فزاده الله سبحانه رفعة وعلوا . وفي ايامنا الحالية نحتاج إلى الاقتداء بسيرة الإمام الخالد ولنبتعد عن كل مظاهر الأنانية كلنا في أمس الحاجة اليوم الى أن نزداد تمسكا وصبرا وإيثارا ونبتعد عن نفحات الأنا. ونزداد قرباً وتمسكاً من المعاني السامية والعظيمة التي تمسك بها أمامنا(روحي له الفداء)والذي دافع عن الحرية والثبات على الرأي والأهم محاربة التسلط والطغيان والظلم والاستبداد، ليرفع لواء الحق و\الفضيلة كما فعل جده الإمام الحسين(عليه السلام).
وكان الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) في صبره وشكره لله تعالى محل حيرة وذهول من قبل العدو قبل الصديق، وكان هذا الزهد والصبر التي عاشها الكاظم تمثل مصدر قلق واضطراب لدى الحكام الذي عاصرهم من بنو العباس، لأنه كان يمثل صرخة استنكار وشجب لكل ما يقوم به من ظلم وطغيان وحياة مليئة بالمجون والخلاعة وعدم السير بأحكام الدين الإسلامي الحنيف،.
فالسلام على الإمام العابد والزاهد المغيب في ظلم المطامير ذي الساق المرضوضة بحلق القيود والجنازة المنادى عليها بذل الاستخفاف، سيدي ومولاي موسى بن جعفر كاظم الغيظ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ بحار الانوار، ج8 ص106، كما روى ذلك ابن شهرآشوب في مناقبه.
أقرأ ايضاً
- وقفه على قرار البنك المركزي حول اليه الدفع حين شراء المنازل
- تساؤل غير صحيح.. لماذا يجب على السُنّة والبعثيين الاعتراف بالخطأ !
- سياسات واشنطن في سوريا تطغى على مصالح الشعب السوري