حجم النص
بقلم:سالم مشكور "العراق بعد داعش" عبارة يدور حولها، ويخوض فيها، الكثير من المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية، مع تقدم عمليات تحرير الموصل، واعتبار ان هذا التحرير سيعني حكماً انهيار الجيوب الداعشية في مناطق صغيرة أخرى. كل جهة تتناول الموضوع من زاوية معينة، لكن الجميع يشترك في همّ واحد هو كيفية منع عودة "داعش" بعنوان آخر؟ الوصول الى هذا "المنع" يستدعي تحديد أسباب الدخول "السلس” لـ “داعش" الى مدن كبيرة مثل الموصل والرمادي وغيرهما. بالتأكيد هي عوامل عديدة لا يمكن حصرها في عمود صحافي محدود الكلمات، لكنني أود التركيز على أحد أهم هذه العوامل وهو "الحاضنة الشعبية" التي وفرت البيئة المناسبة لدخول وبقاء "داعش" طيلة السنوات الماضية والتي بدونها ما كان بإمكان هذه العصابات أن تفعل ما فعلت. البيئة الاجتماعية الحاضنة لـ"داعش" لم تأت من فراغ. بدأت منذ الاطاحة بالنظام السابق والهواجس التي انتابت تلك الاوساط الاجتماعية التي اعتادت تقلد الدور الرئيسي في الحكم، من الوضع الجديد وما أفرزه من معادلة جديدة تنهي تهميش غالبية العراقيين من العرب والكرد، والخوف من أن يكون ذلك على حساب الاخرين. البعض من هذه الشريحة كان رافضاً من الأساس لفكرة أن تدخل المكونات الأخرى كشريك في الحكم. هذه الهواجس واجهت نوعين من السلوك أديا الى تحولها الى مواقف عدائية واحتقان أخذ لوناً طائفيا. السلوك الاول: سوء تصرف كثير من المسؤولين الجدد، وعدم مراعاة تلك الهواجس والحساسيات، وأحياناً التصرف وكأن البلد لمكون واحد. أما السلوك الثاني فجاء من أوساط خارجية، ومن خلال أدوات داخلية لإرباك الوضع واستغلال هواجس تلك الاوساط الاجتماعية، في اثارتهم وتحريضهم ضد الحكم الجديد مستخدمين في ذلك سلاح الطائفية المقيت. تدفقت الاموال من دول التحريض، وجرى استقطاب سياسيين ورجال دين من البيئة السنيّة ذاتها ليكونوا ماشة النار التي تحرك الحطب، فتزيد من لهيب نار الطائفية. هكذا تكونت الحاضنة الاجتماعية للقاعدة ثم "الدولة الإسلامية في العراق" وتفرعاتهما، ثم تصاعد التحريض ليبلغ أشده فيما عرف بساحات الاعتصام في مدن عدة شهدت نفخاً في الطائفية وتسعيرها على يد سياسيين ومنتحلي صفة رجال دين، فكانت النتيجة أن دخلت داعش الى هذه المدن بدءاً من الموصل، التي بدا بعض أهلها مرحبين بها، بفعل عمليات الحقن الطائفي التي مورست عليهم. اللافت ان المحرضين اختفوا فجأة تاركين أهالي هذه المدن بين نارين: "داعش" أو مخيمات النازحين التي لا تتوفر فيها مقومات الحياة. لا أحد ينكر أن الموصل كانت أكثر المدن التي احتلتها عصابة "داعش" ترحيباً بها، بل أن بعضهم ما زال متمسكا بها متوجساً مما بعدها. ولا يمكن أيضا انكار أن قادة عسكريين فاسدين قاموا بممارسات قمعية – وأحيانا إجرامية - ضد أهالي الموصل مما ساعد في تعميق الشرخ بينهم وبين الحكومة ككل، وما يتبعها من أجهزة أمنية. لكن الثابت، وبشهادة بعض أهالي الموصل، أن مسؤولين محليين استغلوا بعض الممارسات في دعم التحريض والشحن، لأبناء الموصل ضد القوات الأمنية، مقابل تسويق العناصر المتطرفة، التي تحولت الى قوة داعمة لداعش لاحقاً. تبدو الحاجة ملحّة اليوم، ونحن على اعتاب اكمال تحرير الموصل، لجهود كبيرة من جانب سياسيين ورجال دين من أبناء هذه البيئة الاجتماعية، ممن يعون خلفيات ما جرى، للعمل على تصحيح وعي الاهالي، ومعالجة ما تم زرعه في نفوسهم من احتقان طائفي لتحصينهم من العودة حاضنة جديدة، لنسخة جديدة من "داعش". فما حدث خلال السنوات الماضية كافٍ للوعي بأن التحريض الطائفي كان وراء ما جرى من مصائب وويلات.
أقرأ ايضاً
- الصيد الجائر للأسماك
- ضمانات عقد بيع المباني قيد الإنشاء
- إدمان المخدرات من أسباب التفريق القضائي للضرر