حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ رغم فداحة ووحشية العملية الإرهابية التي قام بها الأمريكي ذو الأصل الأفغاني (عمر صديقي متين) في مدينة أورلاندو التابعة الى ولاية فلوريدا الأمريكية، إلا أنها لم تحظَ بردود أفعال مدوية كالتي حظيت بها عمليات إرهابية سابقة كالتي حدثت في باريس او أمستردام وأنقرة وقبلها في لندن وفي الولايات المتحدة نفسها ربما لان الإعلام الأمريكي لم يشأ أن يسلط أضواء أكثر عليها لحساسية وحراجة الهدف الذي توخاه (متين) باستهدافه ناديا ليليا للشواذ من جهة ولتقليل الصدمة عن الشارع الأمريكي الذي يخوض حمى التنافس على انتخابات رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.وبحسب "الواشنطن بوست" الأكثر انتشارا في الولايات المتحدة فان هذا الهجوم يدل دلالة واضحة على وجود ثغرات أمنية كبيرة في منظومة الأمن الأمريكي ونقلت الصحيفة رأي الـ(اف بي آي) بان (متين) يعتبر "ذئبا" منفردا والبحث عن الذئاب المنفردة أشبه بالبحث عن إبرة وسط كومة من القش وأن اسمه وُضع على لائحة الإرهاب، وقد اعتقل للاشتباه مسبقا ولكن تم إلاقرار بأنه لا يشكل تهديدا فأطلق سراحه خشية التعرض إلى انتقادات بخصوص انتهاكات لحقوق الإنسان. وهذا هو موجز رأي الحكومة الأمريكية حول الحادثة كما أوجزته الواشنطن بوست. ولهذا كان رد فعل البيت الأبيض باردا ومخيبا للآمال وتمثل بتصريح الرئيس اوباما الذي وصف الحادث: بأنه مجرد (عمل إرهابي مدفوع بالكراهية ويبدو أن مطلق النار تأثر بمصادر معلومات متطرفة مختلفة على الانترنت) لا أكثر دون الإشارة إلى جهة ما أو إجراء مستقبلي معين للحد من تكرار مثل هكذا أعمال إرهابية تمرغ هيبة الولايات المتحدة في الوحل. ومن الغرائبية التي حملها هذا العمل الإرهابي والذي حدث في عقر الولايات المتحدة أن الولايات المتحدة وفي كل عمل إرهابي تقيم الدنيا ولاتقعدها سواء بالإجراءات الأمنية خاصة الاحترازية والاستباقية منها او الإجرائية المباشرة ولكن وفي هذه المرة اقتصر رد فعلها على "لملمة" القضية التي من الممكن أن تتكرر في المستقبل بان الجاني يعاني من خلل نفسي أو أن فعله شخصي بحت يتعلق بالشذوذ الجنسي، وهو ذو علاقات اجتماعية وأسرية مضطربة وانه "متأثر" تمام التأثر بمواقع انترنت متطرفة ورغم أن الإرهابي (متين) قد أعلن عن مبايعته لتنظيم (داعش) الذي اعتبره من جنود "الخلافة" إلا أن الأجهزة الأمنية الأمريكية نفت عنه ارتباطه بجهة خارجية بحجة أنها تابعته طويلا ولم تعثر له على أي "دليل " يؤكد ارتباطه بجهة خارجية وكما صرح الرئيس اوباما بنفسه غداة المجزرة (أن لا "دليل واضحًا" حتى الآن يؤكد ارتباط متين بجهة خارجية) ورغم أن الصحافة الأمريكية وصفت الحادثة المروعة بأنها امتداد لـ 11 سبتمبر أو أنها 11 سبتمبر مصغر آخر في حين اختزل الرئيس اوباما الصدمة المروعة لهذه الحادثة بأنها (عمل إرهابي مدفوع بالكراهية) في إشارة الى أن الجاني ارتكب هذه المذبحة لدوافع اخرى غير الإرهاب والاعتداء على مواطنين عزل وفي حادثة إرهابية كشفت نتائجها المروعة عن مقتل حوالي خمسين شخصا وجرح أكثر من خمسين آخرين وُصفت بأنها اكبر حادثة قتل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة سبقتها الكثير من الحوادث إلا أن مرتكبيها كانت لهم دوافع وارتباطات تختلف عن دوافع وارتباطات (متين)، ومع هذا لم يتطرق اوباما (ومعه مدير الاف بي آي) الى أمور مثل وجود خلايا إرهابية نائمة وفي قلب أمريكا من الممكن ان تقوم بعمليات مستقبلية او يتطرق الى نجاح داعش في تحريك هذه الخلايا كما حدث في 11 سبتمبر . ولم تثر تصريحات اوباما "الباردة" إعجاب المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب الذي يوصف باليميني "المتطرف" والذي راح يتباهى بأنه كان على حق في جميع مواقفه التي انطلق منها من نزعة (الإسلام فوبيا) وراح يشرح لجمهوره ومؤيديه الإجراءات التي ينوي القيام بها في حال فوزه بكرسي الرئاسة وهو موقف لايميل اليه الديمقراطيون كثيرا فاوباما (ومعه كلينتون) لايحبذ تحميل مسلمي الولايات المتحدة تبعات ماقام به (متين) المسلم المولود في فلوريدا ملمحا الى إن التعامل مع مسلمي الولايات المتحدة من منطلق (الإسلام فوبيا) فانه سيضر بالأمن القومي الأمريكي من جهة ومن جهة ثانية فان الولايات المتحدة ستخسر سمعتها كبلد قام دستوره على احترام الحريات العامة وعدم التمييز بين الأديان واحترام حقوق الإنسان ومن الإجحاف التعامل مع ملايين المسلمين الأمريكان تعاملا عنصريا شوفينيا متعصبا . بعض المحللين الإستراتيجيين عدوا ما قام به متين بمثابة جواز مرور لترامب لدخول البيت الأبيض من خلال توظيف الإسلام فوبيا لدغدغة مشاعر الأمريكيين القومية واتخاذ الإرهاب حجة جاهزة لذلك واستثماره في برنامجه الانتخابي مستغلا الصدمة التي تركها (متين) على الشارع الأمريكي كتلك الصدمة المرعبة التي أحدثتها أحداث 11 سبتمبر وتأثيرها الفاعل على مجريات الانتخابات الرئاسية والتي أدت الى فوز جورج بوش الابن وبذات النهج يحاول ترامب بان يستغل حادثة متين كفقرة في برنامجه الانتخابي وكورقة رابحة باستثمار نزعة الإسلام فوبيا المتنامية في المجتمعات الغربية خاصة الولايات المتحدة منها. ومن المؤكد ان البرود الرسمي تجاه حادثة متين الإرهابية سيؤدي الى احد أمرين أحلاهما مر: الاول تنامي ظاهرة الخلايا الإرهابية وفي قلب الولايات المتحدة واستفحالها الى حواضن تكون رهن الإشارة لأي عمل ارهابي، والثاني تنامي ظاهرة الإسلام فوبيا واستفحالها الى مظهر من مظاهر تصادم الحضارات المبكر وعلى التراب الأمريكي وبذلك سيدفع مسلمو الولايات المتحدة الثمن باهظا مرتين. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- الضربات الأمريكية والسيادة العراقية.. الغلبة لمن؟
- معركة طوفان الأقصى.. التداعيات المتسارعة والمواقف الأمريكية الواضحة !