حجم النص
بقلم: نــــــــــــــزار حيدر لماذا تلتصِق مؤخّرة الزعيم عندنا بالكرسي، ولا يحصل هذا الشّيء في الغرب مثلاً؟!. لأنّ الزّعيم عندنا يعاني من واحدٍ او أَكثر من المشاكل والامراض التّالية؛ أولاً؛ فإمّا انّهُ يعيش مرض جنون العَظَمَة، فلا يرى الا نَفْسَهُ وهو لا يرى ذاتهُ وشخصيّتهُ وقيمتهُ الا من خلال السّلطة، ولذلك تراهُ غير مستعدّ لتركِها حتّى اذا تسبّب ذلك بتدميرِ البلاد ومَن عليها، كما هو ديدَن الطّغاة عادةً. انّهُ لا يؤمن بالدَّور وانّما بالمنصب، ولا يؤمن بالمسؤولية وانّما بالموقع، ولا يعتقد بالانجاز وانّما بالامتيازات، ولذلك همّهُ السلطة أبداً حتى اذا تسلّل اليها عبر انهار الدّم وجماجم الضحايا!. ثانياً؛ او انّهُ لا يعتقد بنظريّة تعاقب الأجيال التي يستخلف أحدها الآخر، وهي سنّة الحياة وخلق الله في عباده، فتراهُ يسعى ﻻداء كلّ الأدوار في كلّ الأوقات، فيأخذ فُرَصَ غيرهِ. ثالثاً؛ او انّهُ لا يعتقد بنظريّة التطوّر التي لا تتحقّق على ارض الواقع الا بتجدّد العقليّات والدّماء وطريقة التّفكير. رابعاً؛ او انّهُ لا يثق بأحدٍ أبداً ليترك لهُ السلطة، فلا يرى في الآخرين الا مشروع مؤامرة يحاولون قلب الطاولة عليه وتخريب ما بناه وتدمير ما انجزهُ، فهو الامين المؤتمن على احلام الشعب، وغيرهُ خائن لا يؤتمن على شيء. خامساً؛ او انّهُ لا يعتقد بقدرةِ أحدٍ على إكمال المسيرة لضعفهِم وعجزهِم، فهو الوحيد الذي حباه الله تعالى بقدراتٍ خارقةٍ يقدر بها ان يحقّق المعاجز، وان الله تعالى كسرَ القالب الذي خلقه بهِ فلم يستنسخ أحداً مثله، وان الأرحام قد عقُمَت فلا تلدُ الأمهات مثلهُ أبداً. سادساً؛ او انّهُ يُؤْمِنُ بنظريّة (التقمُّص) التي تنصّ على انّ السلطة قميصُ الله تعالى يلبِسُهُ من يشاء من عبادهِ ولذلك فلا داعي لان يخلعَ هذا القميص ويمنحهُ لغيرهِ أبداً، بل لا يجوزُ ذلك ولسانُ حالهِ [لا اخلعُ قميصاً البسنيهُ الله عزّ وجل]!. سابعاً؛ او انّهُ يرى انّ [السّواد بستانٌ لقريش ما شِئْنَا أخذنا مِنْهُ وما شِئْنَا تركناهُ] وانّ خيرات البلد ملكُ ابيه فـ [لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أنوفُ أقوامٍ]! ولذلك فهوَ لن يترك السّلطة قبل ان يضمن انّ أولادهُ وأحفادهُ وأقاربهُ وعشيرتهُ سيتداولونها من بَعْدِهِ!. ثامناً؛ او انّهُ متورّطٌ في ملفّاتِ فسادٍ ضخمةٍ يخشى اذا ترك السّلطة فسيكون (العِجلُ السّمين) الاول الذي سيقف خلفَ القُضبان، ولذلك تراهُ يتشبّث بالسّلطة ليحمي نَفْسَهُ!. انّ كلّ هذه المشاكل والامراض يُمكن ان يُبتلى بها الزّعيم عندنا بغضّ النظر عن الهويّة والخلفيّة والانتماء والزّي، فهي انّما تتعلّق بالعقليّةِ فقط وفقط، ولذلك رأينا كيف تشبّع بها ثلاثةٌ من (الزّعماء) مروا في تاريخ العراق الحديث، على الرّغمِ من انّهم مختلفونَ في كلّ شيء حدِّ التّناقض، الاول (جلّاد) دمّر العراق وكاد الثاني (ضحِيّة) ان يفعلَ الأمر نَفْسَهُ فيما يوشك الثالث (ضحيّة) فعلَ الشّيء ذاتهُ. جلّادٌ وضحيّتان، اختلفوا في كلّ شَيْءٍ ولكن جمعتهُم أمراضُ السّلطة!. الاوّل (الجلّاد) هو الطّاغية الذّليل صدام حسين [القومي العروبي العلماني] الذي تشبّع بهذه الأمراضِ والمشاكل حتى أوردَ العراقُ الى المهالكِ ورماهُ الى المجهول، فأضاعَ حلمِ الشعب في الحياة الكريمةِ بعدَ ان دمّر كلّ شيء حتّى السيادة. الثّاني هو أحد ضحايا ذلك الطّاغية واقصد به السيد المالكي (المتديّن) الذي ينتمي الى التيار الديني او ما يُسمى بالإسلام السّياسي، فهو الاخر تشبّع بتلكَ الأمراض والمشاكل حتّى أضاع حُلم العراقيين وتحديداً شيعة العراق في بناءِ نظامٍ ديمقراطي عصري حديث، يَكُونُ النموذج الذي يُحتذى في تعايش التنوّع والتعدُّد. أمّا الثالث، فهو الاخر أحدُ ضحايا الطّاغية الذليل واقصد بهِ السيد بارزاني الذي ينتمي الى التّيار القومي الكُردي ذو النّزعة العلمانيّة، فهو الاخر تشبّع بالمشاكل والامراضِ أعلاهُ حتى التُّخَمة، ليُضيّع حُلم الشّعب الكُردي في الفيدراليّة الّتي تنتهي الى قيام الدّولة الكرديّة! غَيْرَ مكترثٍ بحجم الخطر الذي يهدّد كلّ ما انجزه الكرد في الإقليم لحدِّ الان!. الثلاثةُ يختلفونَ في كلّ شَيْءٍ، في الهويّةِ والخلفيّةِ والانتماءِ وفي كلّ شيء، الا انّهم ثلاثتَهم التصقت مؤخّرتهم بالكُرسي، وفي بلدٍ واحدٍ وسلطةٍ وَاحِدَةٍ وفي فترةٍ زمنيّةٍ متقاربةٍ. هذا يعني انّ المشكلة عندنا ليست في الهويّة ولا في الزِّي ولا في الانتماءِ ولا في الخلفيّةِ وانّما محصورةً في العقليّة، في طريقةِ التّفكير، وفي طريقةِ فهم الامورِ، وفي طريقةِ التّعاملِ مع الأشياء، فالزّعماءُ عندنا يختلفونَ في كلّ شَيْءٍ الا في العقليّةِ فهي القاسم المشترك بينهم جميعاً، ولذلك نكرّر المشاكل وتتراكم الأخطاء ولم نحقِّق تقدُّماً استراتيجيّاً يُذكر، فأقصى ما نحقّقُهُ هو الرّتوش على الّلوحة الأصليّة البائسةِ لحياتِنا، ولذلك فما لَمْ تتغيّر العقليّة فسنظلّ نستنسخْ الظّاهرة (الفرعونيّة) في السّلطة وستظلّ تلتصق خلفيّات الزّعماء عندنا في الكراسي، وسنظلّ نشهد منظر الصّراعات الدّامية على السّلطة سواء كانت بُنية النّظام السّياسي ديكتاتوريةً ام ديمقراطيةً، وستظلّ عندنا طريقة تغيير الزّعيم تشبه الى حدٍّ بعيد طريقة تغيير المرافق العامَّة، نحطّمُ البلد ونعرّض ما أنجزناه لمخاطر جمّة في كلِّ مرّة نهمُّ بتغييرِ زعيم!. انّ الثّلاثة المذكورون اختلفوا في كلّ شَيْءٍ ولكن كلٌّ منهم ضربَ الدّستور والقانون عرض الحائط ولم يُعر لمستقبلِ البلد ايّ اهتمامٍ ولم يأخُذ بنظرِ الاعتبار المخاطر التي تُحدق بهِ وبالشّعب، يدفعهم الى ذلك عقليّتهم التي لم تختلف في شيء، لأنّهم ثلاثتهُم همُّهم السّلطة والمنصب والامتيازات وَلَيْسَ ايّ شَيْءٍ آخر. والغريبُ في الأمرِ ان الثّاني والثّالث كانا يعيبانِ على الاوّل تشبّثهُ بالسّلطة والثّالث كان يعيبُ على الثّاني تشبُّثهُ بالسّلطة، وهو اليوم يُمارسُ الامرَ نَفْسَهُ، فلقدْ ظننتُهُ قد تعلّم الدّرسَ، ولكن يبدو انّ الزّعيم عندنا في العراق لن يتعلّمَ درسٌ أبداً، فهو يترك السّلطة دائماً بلا كرامةٍ. والمضحكُ المُخجل المَعيب في القضيّة ان جيش (العلمانيّين) من كُتّاب ومثقّفين ومفكّرين ومنظّرين الّذين ظلّوا يبشّروننا بنموذج الدّولة المدنيّة (العَلمانيّة) أسوةً بتجربةِ اقليم كُردستان تلفّعوا اليوم بالصّمت ولم ينبُسوا ببنتِ شَفةٍ جرّاء ما يجري في نموذَجهم من تشبّثٍ بالسّلطة وصراعٍ دمويٍّ عليها وتهديدٍ للمنجزات لدرجة اثارة ضحك واستهزاء العالم علينا، فدسّوا رؤوسَهم في التّراب كالنّعامة! وتركوا مؤخّراتهم في الهواء الطّلق!. أيّها العلمانيّون! أيّها الاسلاميّون! أيّها العراقيّون! صدّقوني انَّ المشكلة ليست في الهويّة وانّما في العقليّة. غيّروا العقليّة ليتغيّر كلّ شيء. كيف؟! هذا ما ساتحدّث عَنْهُ غداً باْذن الله تعالى. E-mail: nhaidar@hotmail. com