- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في ذكرى مولد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام)/الجزء الثاني
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي الإمام علي وظلم التاريخ له من المعلوم إن في تاريخنا الكثير من التاريخ المزيف الذي ظلم شخصيات عديدة ومن هذه الشخصيات الإمام علي {ع} وهذا ماذكره سبحانه تعالى في محكم كتابه إذ يقول {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ...}.(1) وستتطرق في مبحثنا هذا عن ظلم التاريخ لسيدي ومولاي أمير المؤمنين والذي كان بدوافع سياسية أموية وعباسية وغيرها الغاية منها النيل من هذه الشخصية الخالدة والتي لم ينجب التاريخ مثلها أبداً بعد نبينا الأكرم محمد(ص) والتي تشير إلى ابتلاء سيدي ومولاي أمير المؤمنين كما أبتلى إبراهيم الله سبحانه وتعالى والذي في الآية التي ذكرناها آنفاً أن الله يبتلى أنبياؤه ومنها نبيه إبراهيم(ع) وليصبح بالتالي سيد الوصيين وأمام المتقين هو أيضا يبتليه ربه ليصبح في مصاف ومنزلة الأنبياء ولكي يكون بحق في منزلة الأوصياء الهادين ولنبحث في تاريخنا المزيف الذي ظلم شخصيات عدة ومن هذه الشخصيات الإمام علي(ع). ولكن قبل ذلك لتكن لنا إطلالة على معنى التاريخ وبمفهومه البسيط فلو تعرفنا على التاريخ، لمفرده، فهو علم مستقل، ولمجموعه يدخل في نطاق الفلسفة، فالمؤرّخ إنّما يؤرّخ للذين دخلوا التاريخ، ولعبوا دوراً فيه، وحرّكوا مساره، سواء دخلوا التاريخ للإفساد كفرعون، وهتلر، وستالين، أو دخلوا التاريخ للإصلاح، كما فعل الأنبياء والمصلحون، ولا فرق في ذلك بين الساسة، والقادة، والعلماء، والفلاسفة، والمفكّرين، والشعراء، والمخترعين، وأصحاب الصناعات والحرف. والفلاسفة الذين ذكروا الروح العامّة للتاريخ، فضلٌ كبير بالنسبة إلى العلم والأجيال الآتية، فإنّ التحوّل في العصر الحديث من تاريخ الأفراد إلى تاريخ الحضارات ليس معناه أنّ تاريخ الأفراد صار منسيّاً؛ لأنّ الاستفادة تكون من الجانبين، فقد يكون بعض العلماء قد اتّخذ التاريخ والفلسفة معاً معياراً للعلم، فلهم علم التاريخ، ولهم فلسفة التاريخ. ولهذا فالتاريخ والفلسفة هما يكونان متلازمان مع بعض فالفلسفة هي التي تعطي الروح للتاريخ من خلال لعب الدور في ذلك بتفسير الحوادث التاريخية وكذلك الشخصيات وفق منظور المؤرخ واتجاهاته وهنا تبرز المفارقة في أن التاريخ قد كان عرضة للتحريف والتزوير وفقاً للأهواء الشخصية للمؤرخ وكذلك لرغبة الحكام والسلطة وهذا ما عمل عليه الحكم الأموي والعباسي في نشوء طبقة من المؤرخين والكتاب هم ما يطلق عليهم وعاظ السلاطين والذي لا تتوفر فيهم التجرد والموضوعية في كتابة التاريخ والذين كانوا عبيد للدرهم والدينار وبالتالي هم أبواق للحكام المتسلطين على رقاب الناس والذي أدى إلى تشويه التاريخ ودخول التحريف والتزوير وقلب التاريخ رأساً على عقب وظلم شخصيات عديدة ولا حصر لها نتيجة لمخالفة فكر المؤرخ للشخصية أو إرضاء للحاكم ولو أدى ذلك إلى خسران دينه ودنياه وهذا ما أشار اليه العلامة الكاتب د. علي الوردي في كتابه (وعاظ السلاطين) والذي يشير في حوادث كثيرة ماهية التحريف والتزوير وماهية هؤلاء الوعاظ. وهذا ما حصل مع شخصية الأمام علي (ع) وأهل البيت والتي سوف نتطرق في مبحثنا شخصية الأمام أمير المؤمنين روحي له الفداء وبالدليل والحجة ومن كتبهم وكيف أن المؤرخين قد حاولوا بشتى الطرق إخفاء وطمس فضائل الشخصية المتألقة لباب مدينة العلم والحكمة والتي لا تزال ولحد الآن هذه المحاولات وعلى قدم وساق والتي باعتقادي المتواضع لم يفلحوا في ذلك لأن شمس الأمام علي (ع) هي شمس ساطعة لا يحجبها غربال الغش والتحريف والتزوير والتي يحرقها ألق هذه الشخصية العظيمة والتي وصفها نبينا الأكرم محمد (ص) في حديثه الشريف بقوله {والله ياعلي لا يحبك إلا كل مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق}والذي يعني من أن ناصب الأمام علي هم منافقون وحتى لهم لوثه في النسب وهذا ما أشار إليه نبينا الأكرم في حديثه الشريف بقوله { يا علي أنت صاحب حوضي، وصاحب لوائي، وحبيب قلبي، ووصيي ووارث علمي، وأنت مستودع مواريث الأنبياء من قبلي، وأنت أمين الله على أرضه وحُجة الله على بريّته، وأنت ركن الإيمان وعمود الإسلام، وأنت مصباح الدجى ومنار الهدى، والعلم المرفوع لأهل الدنيا، يا علي من اتّبعك نجا ومن تَخلّفَ عنك هلَكَ، وأنت الطريق الواضح والصراط المستقيم، وأنت قائد الغرّ المحجلين ويعسوب المؤمنين، وأنت مولى من أنا مولاه، وأنا مولى كل مؤمن ومؤمنة، لا يحبك إلا طاهر الولادة ولا يبغضك إلا خبيث الولادة، وما عرجني ربّي عَزّ وجَلّ إلى السماء وكلّمني ربي الا قال: يا محمد أقرأ عليّاً مني السلام، وعرّفه أنه إمام أوليائي ونور أهل طاعتي، وهنيئاً لك هذه الكرامة}.(2) ولنكمل الحجة ونأتي هذا الحديث المسند على من يبغض الأمم علي(ع) وهو لأبو أيوب الأنصاري:{ اعرضوا حبَّ علي على أولادكم، فمن أَحَبَّه فهو منكم، ومن لم يحبه فاسألوا أمَّه من أين جاءت به، فاني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول لعلي بن أبي طالب(عليه السلام): لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أو ولد زنية أو حملته أمُّه وهي طامث}.(3) وهم بالأضافة الى ذلك في الدرك الأسفل من النار مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن تحته بقوله {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}.(4) فأي مهانة أعطاها جل وعلا لهؤلاء وعاظ السلاطين والكتاب النواصب وكيف يلاقوا ربهم وهم بهذه الوضعية من الإثم والذنب والذين لم يفلحوا في طمس هذا الألق الساطع للسيرة العلوية وهذا ما ذكره أبن أبي الحديد في مقدمته شرح النهج البلاغة حيث يقول: "وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل ؟ ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله ؟ فقد علمت أنه استولى بكل حيلة في إطفاء نوره، والتحريف عليه، ووضع المعايب والمثالب له، جميع المنابر وتوعدوا مادحيه، بل حبسوهم وقتلوهم ومنعوا من راوية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكراً، حتى حضروا(منعوا) أن يسمى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلا رفعة وسمواً، وكان كالمسك كلما ستر أنتشر عرفه وكلما كتم تضوع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة. وما اقول في رجل تُعزى(تنسب) أليه كل فضيلة ؟وتنتمي إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها وأبو عذرها وسابق مضمارها،ومجلي حلبتها. وكل من بزغ فيها بعده فمنه اخذ، وله اقتفى من وعلى مثاله احتذى...وإن رجعت إلى الخصائص الخلقية والفضائل النفسية والدينية وجدته أبن جلاها، وطلاع ثناياها".(5) وجهل الأمة الإسلامية بالتاريخ في اعتقادي يرجع إلى أمرين: الأمر الأول: هو تواطأ العلماء مع الحكومات والحكام على إخفائها. الأمر الثاني: أن البلدان العربية والإسلامية تعرضت في القرنين الأخيرين إلى الاستعمار الغربي. وكان هذا عامل في بعد الناس عن البحث في الدين والتعلّم، فأضحى الدين تقليدياً دون علم ولا بحث أو تحقيق، ولذا نجد أغلب السنة جاهلين للتاريخ والسيرة، ففي المغرب العربي مثلاً الجهل هو عامل بعد الناس وجهلهم بأهل البيت (ع) وليس بعدهم عنهم ناتج عن عداء أو بغضاء أو نصب. ولنتعرف ماذا يقول كتاب حياة المستبصرين عن المذهب الشيعي والتي أخذنا منها نقاط غير متسلسلة : " وكلّ من يتعرّف بالمذهب وبالخصوص بفضائل أهل البيت ومناقبهم، فإنه يعثر على إيجابيات يفتقدها المذهب السني بكل فرقة، وهي تتلخص ـ في اعتقادي ـ في هذه النقاط التالية: · أن المذهب عقلي، فهو يوافق الأحكام العقلية سواء على مستوى المعتقدات أو على مستوى الفروع، فكلّما تعمّق الإنسان في معرفة المذهب وفهمه أزداد اقتناعه به، وأنّه المذهب الحق، وهو يمتاز بهذه الميزة لسببين: السبب الأول: إنّ كل الديانات السماوية نزلت لتنظيم حياة الإنسان وإيصاله إلى كماله المنشود، لينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة، والدين جعله الله تعالى الطريق الذي يوصل إلى الحق والكمال ويجعل الإنسان يعيش لهدف سامٍ وعالٍ وهو الخلود بعد الموت. القياس: فإن كان الدين محرّفاً أو مشوهاً بالبدع والخرافات ـ التي يرفضها كل عقل سليم ـ فإنه لا يؤدي الدور المطلوب منه، لأن العقل البشري حينئذٍ يرى أن هذا الدين لا يؤدي به إلى كماله، ولا يرفع نقائصه بل بالعكس هو يبعده عن هدفه. ومراده، فيتركه ويتبع طرق أخرى معتقدات يتوهم أنّها توصله إلى ذلك الهدف المنشود. فباختياره الطريق الخاطئ (المادي، العلماني، الحيواني إلى غيره) فهدفه يتحول وينحرف أيضاً فيحصل على كمالات دنيوية، فانية، اعتبارية، ويترك الكمال الحقيقي وهو التأسي بالإنسان الكامل الذي لا يحصل إلا عن طريق الدين والالتزام به. السبب الثاني وهو المهمّ: إن المذهب الشيعي (أو الدين الإسلامي الحق) أنتقل من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، صاحب الوحي والرسالة إلى كافة الناس بعد ارتحاله عن طريق فئة مختارة من طرف الله تعالى تمتاز عن باقي البرية بكونها من أهل بيت النبوّة، كبرت وترعرعت في أحضان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أخذت من فضائله، وقيمه، وأخلاقه، وعلمه، والأهم من ذلك تمتاز هذه الفئة بصفة لا يتصف بها إلا نبيّ منزل أو رسول مرسل وهي العصمة. فللعصمة الدور الأساسي للحافظ على الدين وصونه من التحريف والبدع والخرافات، فبقي دين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على حاله ينتقل من إمام معصوم إلى وصي معصوم إلى يومنا هذا، ولذا يستحيل أن يخالف المذهب أحكام العقل. · النقطة الرابعة التي يمتاز بها المذهب عن باقي المذاهب أو الفرق الإسلامية هو وجود مرجع التقليد يحتار المكّلف مهما كان أمام مسألة فقهية تواجهه ولا في تحديد وظيفته الشرعية إزاءها، فلا يلجأ للرأي أو القياس الذي يؤدي بالإنسان الجاهل إلى الانحراف عن الشرع بل هو مقيد بفتوى العلماء الذين بذلوا حياتهم في العلم والاجتهاد وفق ما ورد عن الأئمة (ع)وعن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم. فوجود المرجع يحفظ المذهب ويحميه من الانحراف ودخول البدع والأوهام فيه كما أن له دوراً أساساً في الحفاظ على اتحاد الأئمة واتفاقها. · ما وجدت إيديولوجية أو مذهب أو فرقة تحثُّ على العلم والتعلم كمذهب أهل البيت. فالعلم هو الذي ينوّر العقل والعقل هو السّراج الذي يضيء الطريق، والطريق هو الشريعة السمحاء التي سطرها الحق تعالى للإنسان، فلو اتبع المسلمون نصائح أهل البيت وتوجيهاتهم وعلموا بما أوصوا به لما شقي مسلم على الأرض ولما تخلف عن الحق ولما ركن إلى رأى كونيه ومعتقدات غير المعتقدات الإسلامية، فالعقل إذا تحرك وصل إلى كشف الحقائق وتشخيص المصلحة من المفسدة، وفي هذا العصر مع تطوّر وسائل الإعلام والاتصال لم يبقى لأحد حجّة فعلى كل واحد منا أن يبحث وينقّب في التاريخ، فليبحث كل واحد منا في كتب الشيعة أو السنة عن حديث المنزلة، عن حديث الدار، عن حديث الثقلين، عن حديث الغدير حتى يطلع على محتواها وقد تواترت هذه الأحاديث بأسانيد صحيحة ومعتبرة القول على وصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم في كل فرصة يرى الناس أن له نائباً، ووصي، وخليفة ولم يكن إلا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فهل يعقل أن تحمل كل هذه الروايات على محامل مختلفة، ما عدا الولاية والخلافة، هل يعقل أن يؤولّ حديث الغدير بالمحبة والقربى، والتاريخ يروي في أي ظروف ورد هذا الحديث فلنتمعّن إن الله تعالى لما جعل الدين الإسلامي خالداً صالحاً لكل الأزمنة والعصور، فقد جعل له أيضاً رجاله، فلو لم يرسل الله تعالى ولينصب الأئمة لإكمال الرسالة المحمدية لاضمحلت ولما كان الدين الإسلامي خالداً إلى قيام الساعة، فلنبحث ولنصبر ونغتنم والله ولي التوفيق. والحمد لله ربّ العالمين".(6) ومن هنا سوف نقوم بدراسة السيرة الخالدة لسيدي ومولاي أبي الحسنين(ع) بإمعان وتفاصيل لكي نبين بالحجة والمنطق ما حصل من تجني على شخصية الأمام روحي له الفداء لأننا تعودنا ومن خلال مذهبنا الشيعي العلمي والمنطقي أن كل ما يعارض العقل والمنطق والقرآن والسنة النبوية وسيرة أهل البيت نضربه عرض الحائط ولا نعترف به وهذه عظمة مذهبنا ولهذا نلاحظ اتساع المد الشيعي بسبب هذه الركيزة التي يرتكز عليها والتي أعطت لمذهبنا هذه القيمة السامية والتي اعترف بها العدو قبل الصديق. ولهذا نقرأ هذه العبارة في كتبنا الشيعية وحتى في كتب المستبصرين والتي بها تشيعوا نتيجة ما أستقرأوه من المذهب وعرفوا ماهية المذهب لهذا تشيعوا وهذه المقولة هي (إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه)وهذه هي علمية ومنطقية مذهبنا الذي حار كل المخالفون فيه في الرد عليه أو النيل منه ليبقى نبراس يهدي كل القلوب المؤمنة وكذلك الحائرة والتي اهتدت لطريق الحق لتربح بالتالي دينها ودنياها وليبقى مذهبنا ممثلة بيعسوب الدين وسيد الوصيين سيدي ومولاي علي بن أبي طالب وأئمته المعصومين(صلوات الله عليهم أجمعين) هم من يمثلون الدين الإسلامي الحنيف والذين هم من يضعوننا على المحجة البيضاء التي لا لبس فيها ولا غموض مصداقاً لقوله الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه إذ يقول {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.(7) الأمام علي أول القوم أسلاماً لماذا الإمام علي (عليه السلام) دخل الإسلام قبل ابي بكر مع ان ابابكر كان اكبر سنا منه ؟ علي بن أبي طالب أول من أسلم كما تقول الرافضة... ومعلوم أن علي أسلم وهو صبي.. هل يصح من علي رضي الله عنه الإسلام وهو طفل أم لابد أن يجدد إسلامه عندما يكبر؟. ليخترعوا وعاظ السلاطين كيفية أخفاء هذه الحقيقة والتي هي كالشمس الساطعة بأن قالوا ووضعوا بمنتهى الحرفية والمهنية بأن ((علي أول الصبيان إسلاماً وأبو بكر هو أول الرجال إسلاماً)) فأي حديث مختلق هذا وأي فرية ترتكب بحق سيدي ومولاي أمير المؤمنين وهذا السؤال هو مايردده الكثير من المخالفين كون علي (عليه السلام) هو أول من أسلم، ليس هو قول الرافضة كما يقول هذا المدّعين، بل هو قول تسالم عليه العامة والخاصة ولنفند هذا ادعاء جملة وتفصيلاً ومن كتبهم ومصادرهم. روى الحاكم في (المستدرك على الصحيحين) في حديث صحيح عن سلمان رضي الله عنه قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): {أولكم وارداً عليَّ الحوض أولكم إسلاماً علي بن أبي طالب}. وفي حديث آخر صححه الحاكم ووافقه الذهبي عليه قال: عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: {إن أول من أسلم مع رسول الله (ص) علي بن أبي طالب رضي الله عنه}.(8) فهل لقائل لهذا المدعي بأنه كيف يطالب بتجديد الإسلام لعلي(عليه السلام) بعد بلوغه، الذي يفهم منه عدم صحّة إسلامه، وهو بحسب هذا الحديث الصحيح أول الناس وروداً على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الحوض.. كيف.. كيف؟؟ وأما ديانته (عليه السلام) قبل إسلامه، فهي كانت على التوحيد والإسلام نفسه، إذ الإسلام هو دين كل الأنبياء والأوصياء، وقد اشتهر أمره (عليه السلام) بأنه لم يسجد لصنم وتسامع الناس في الخبر عنه عند ذكر اسمه الشريف قول (كرّم الله وجهه) لعدم سجوده لصنم قط في حياته.. نعم ارتباطه بالشريعة المحمدية كان عند إعلانها وظهور الدعوة، وهذا معنى انه أول من اسلم أي أنه أول من آمن بالشريعة المحمدية... وهناك فرق بين الدين والشريعة ينبغي الإطلاع عليه، إذ الدين واحد، وهو دين الإسلام كما يدل عليه قوله تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسلاَمُ }.(9) وأيضاً قوله تعالى: { وَوَصَّى بِهَا إِبرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ }.(10)، وأما الشريعة فهي يمكن أن تختص بقوم دون قوم وجماعة دون جماعة بل وزمان دون زمان، قال تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنهَاجاً }.(11) فالشريعة الموسوية هي غير الشريعة العيسوية وأيضاً هي غير الشرعية المحمدية، والمراد بالاختلاف هو السعة التي تشتمل عليها هذه الشرائع على أصول الدين من الإيمان بالتوحيد والمعاد والنبوة. وقال الأمام علي: {أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر}(12). وقال: {أنا عبد الله وأخو رسوله, وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر. لقد صليت قبل الناس سبع سنين}(13). وقال في كتاب له إلى معاوية: {إن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا أقربها إلى رسول الله, واعلمها بالكتاب وافقهها في الدين وأولها إسلاما وأفضلها جهادا}.(14) وقال عمر بن الخطاب: "أما علي فسمعت رسول الله يقول فيه ثلاث خصال لوددت أن تكون لي واحدة منهن وكانت احب إلي مما طلعت عليه الشمس, كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه, إذ ضرب النبي على منكب علي (عليه السلام) فقال له: { يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا وأول المسلمين إسلاما وأنت مني بمنزلة هارون من موسى}".(15) وهناك رواية صحيحة السند عندهم ينص فيها سعد بن أبي وقاص على أنّ أبا بكر أسلم بعد خمسين رجلاً! وهذا يعني أنه أسلم بعد سبع أو تسع سنين تقريباً. وهذا ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) معرّضاً بمن يقارنه بأبي بكر أو ينسب لأبي بكر الأسبقية والتصديق كما سنرويه. وقول سعد قد أخرجه أصحاب التاريخ بسند لا غبار عليه ولكن قد استنكره ابن كثير تلميذ ابن تيمية كعادته لكونه يخالف ثوابت مذهبه دون دليل ولا جرح ولا قدح بسنده فقال في تاريخه (البداية والنهاية) عن محمد بن سعد قال: قلت لأبي: أكان أبو بكر أولكم إسلاماً؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ولكن كان أفضلنا إسلاماً.(16) ورواه ابن جرير بقوله: وقال آخرون أسلم قبل أبي بكر جماعة، مع العلم أن إسلام أربعين رجلاً لم يحصل إلا بعد خمسة أو ستة أعوام بعد البعثة فيدل إسلام أكثر من خمسين رجلاً قبل أبي بكر كونه قد أسلم بعد سبع أو تسع سنين ولذلك كان أمير المؤمنين يكثر من قول: (آمنت قبل الناس بسبع سنين) ويردد كثيراً هذا المعنى ليثبت هذه الحقيقة التي أراد الظالمون طمسها وتغييرها.(17) ولنكمل الحجة وناتي بهذا الحديث في كلام أهل العلم: قال اليعقوبي في تاريخه: « كان أول من أسلم: خديجة بنت خويلد من النساء، وعليٌّ بن أبي طالب من الرجال، ثُمَّ زيد بن حارثة، ثُمَّ أبو ذرٍّ، وقيل: أبو بكر قبل أبي ذرٍّ، ثُمَّ عمرو بن عبسة السلمي، ثُمَّ خالد بن سعيد بن العاص، ثُمَّ سعد بن أبي وقَّاص، ثُمَّ عتبة بن غزوان، ثُمَّ خبَّاب بن الأرت، ثُمَّ مصعب بن عمير ».(18) وعن سعد بن أبي وقَّاص، وقد سمع رجلاً يشتم أمير المؤمنين عليه السلام فوقف عليه وقرَّره بقوله: يا هذا، علامَ تشتم عليَّ بن أبي طالب ؟ ألم يكن أول من أسلم ؟ ألم يكن أول من صلَّى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ألم يكن أعلم الناس ؟...إلى آخره.(19) ونقول لكل المخالفين والنواصب يبدو أنهم نسوا قول الله سبحانه وتعالى بخصوص نبي الله يحيى(ع) بقوله {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}.(20) وكذلك عن نبي الله عيسى(ع) { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ}.(21) أذن أين العلة في أنه أرسل الرسل وهم صبيان بل وحتى أطفال في المهد فكيف يكون إسلام علي الأمام علي(ع) وهو وصي رسول الله محمد(ص) والذي في كل أحاديث نبينا الأكرم يؤكد على مكانة الأمام علي ومنزلته العظيمة والسامية والذي لا ينطق عن الوحي بل هو وحي يوحى أي بأمر من الله سبحانه وتعالى وهو قد خرج من أصلاب شامخة وأرحام مطهرة لم تنجسها الجاهلية بأنجاسها وهو الذي كرمه الله عن جميع العالمين في أنه وليد الكعبة المطهرة والتي لا يدخلها إلا طاهر ومبرئ من كل الأرجاس والأدناس ولكن هذه مشكلة تأريخنا في أنه تعرض للتحريف والتزوير وبشكل لا يعقل ولا يصدق ومن قبل أناس من هم يدعون العلم والمعرفة وهم عبيد للدرهم والدينار ليس أقل ولا أكثر ويكتبون وفق أهواء حكامهم وملوكهم وكذلك أحقاد بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهنَّ وهذا التحريف يسير بنفس الحرفية والمهنية بل وبشكل أعنف وأشرس في وقتنا الحاضر ليصبح كل من يقول الحقيقة أن يدفع ضريبة الدم إزاء ما يقول بالأمام علي وأهل بيته الطيبين الطاهرين، ولكن تبقى الأقلام الشريفة والخيرة والتي تؤمن بقيم الحق والعدالة والكلمة الصادقة تقف لهم بالمرصاد لهؤلاء الأدعياء من الكتاب والمؤرخين ولتكتب بأحرف من نور كل الحقيقة لتصبح هذه الكلمات النورانية لمولى الموحدين وسيد الوصيين أسد الله الغالب سيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)تحرق كل غرابيل الغش والخداع التي يحاول حجب شمس الحقيقة الساطعة لمولانا أمير المؤمنين روحي له الفداء ولآل بيته الطيبين الطاهرين (سلام الله عليهم أجمعين). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1 ـ [البقرة: 124]. 2 ـ ينابيع المودة: ص133 ط اسلامبول. ورواه الطبري في «بشارة المصطفى» (ص54) بعين السند واللفظ. 3 ـ انظر: علل الشرائع: 59. والبحار: (ب87 ص301 ح110). 4 ـ [النساء: 145] 5 ـ الأمام علي من المهد على اللحد، للعلامة الخطيب السيد محمد كاظم القزويني.منشورات النور للمطبوعات بيروت، لبنان. الطبعة الثانية. باب علي والفضائل النفسية ص135 6 ـ موسوعة من حياة المستبصرين المجلد السابع تأليف: مركز الأبحاث العقائدية ص106 ـ أم عبد الرحمن تروي قصّة استبصارها. 7 ـ [البقرة: 256، 257]. 8 ـ انظر المستدرك على الصحيحين 3: 136. 9 ـ [آل عمران:19]. 10 ـ [البقرة:132]. 11 ـ [المائدة:48]. 12- المعارف لابن قتيبة, ص74. 13- خصائص النسائي, ص3. مستدرك الحاكم, ج3, ص112. سنن ابن ماجه ج1, ص57. تاريخ الطبري, ج2, ص56, ط م1357. تاريخ الكامل لابن الأثير ج2, ص37. شرح النهج لابن أبي الحديد, ج3, ص257. 14- كتاب صفين لابن مزاحم, ص168, ط م. 15- رسالة الإسكافي, مناقب الخوارزمي, شرح النهج لابن ابن الحديد, ج3, ص258. 16 ـ (البداية والنهاية 3/ 39) 17 ـ رواه ابن جرير في (تاريخه 2/60) 18 ـ تاريخ اليعقوبي 2: 23. 19 ـ مستدرك الحاكم 3: 500، وصحَّحه هو والذهبي، وحياة الصحابة 2: 514 ـ 515. 20 ـ [مريم: 12]. 21 ـ [مريم: 29،30، 31، 32، 33، 34].