إن المتتبع للمجالس الحسينية ليلاحظ بسرعة ودون أي تعب في التقصي والبحث أن هناك فارقا كبيرا قد أصابها في جانب الحضور الجماهيري فيها، حيث كان في أيام القمع الصدامي الإجرامي كبيرا حتى انك لو تأخرت عن الحضور في بداية المجلس فقد لا تجد لك مكانا لتجلس فيه، بينما لا يحضرها في هذا الوقت وبعد سقوط ذلك النظام المستبد والحرية التي حصل عليها الشعب في إقامة وإحياء شعائره إلا أفراد قلائل وقد لا يتجاوزون عدد أصابع اليد في بعض الأحيان.
ومن اجل الوقوف على بعض أسباب هذا التفاوت في الحضور إلى المجالس التقت مجلة الروضة الحسينية بعدد من الخطباء الذين لهم تماس مباشر بالقضية للتعرف على تلك الأسباب.
السيد عادل طاهر الحسيني قال: إن هناك عدة أسباب لعزوف الناس عن حضور مجالس الحسين(ع) التي تقام بالبيوت أولها العامل النفسي كون الإنسان بطبيعته حريص على ما منع والعراقيون بطبيعتهم يحبون التحدي فكانوا في زمن النظام السابق في موقف فيه نوع من تحدى السلطات لحضور المجالس، والسبب الثاني هو أن المجالس قليلة وعزيزة مما جعلها سببا لاستقطاب الجمهور، أما الآن وبعد السقوط وانتشار المجالس في الجوامع والبيوت والحسينيات فالناس توزعت بين هذه المجالس، حتى بات من النادر حضور أشخاص من منطقة معينة لمجلس في غير منطقتهم.
وقال الشيخ مصطفى العيداني: هناك أسباب ثانوية نابعة عن مفهوم خاطئ وهي مسألة التبعية والفئوية، وكثرة المؤسسات التي باتت تشعر الكثير من المتلقين الذين يرتادون المجالس بالانتماء لجهة معينة دون أخرى، وهذا مفهوم خاطئ ومع الأسف يعمل به الآن، إضافة إلى ثقافة الخطيب في طرحه للشبهات العقائدية والفكرية المنبثقة الآن والتي أخذت حيزا في الساحة الإسلامية ضد مذهب أهل البيت(ع) فنلاحظ أن الناس تتبع الخطيب الذي يستطيع أن يوضح مفاهيم الشبهة والرد عليها وان كانت المحاضرة تنقل أو تبث بالفضائية، فمن الضروري أن يكون عند الخطيب إلمام بالأطروحات التي تطرح الآن.
فيما قال الشيخ هادي الجابري: قبيل السقوط كانت الناس متعطشة لسماع المحاضرات لما فيها من أمور جديدة تستحق الاستماع والفهم بعد أن كانوا يستمعون إليها من خلال بعض القنوات الإذاعية الإسلامية وبصعوبة بالغة، وقد حصل نوع من الانفتاح في التسعينات فكان الحضور في المجالس بشكل ملفت للنظر.
وأما بعد السقوط فقد أثرت التقنية العلمية وخصوصا دخول الـ (سي دي) وكثرة القنوات الفضائية التي تنقل المحاضرات نقلا مباشرا تأثيرا واضحا على حضور المجالس الحسينية، إضافة إلى وجود المجالس الحسينية الكبيرة في بعض المناطق والمحافظات العراقية التي قللت من حضور الناس في المجالس الصغيرة والتي لا يكون فيها الخطيب مشهورا إلى درجة يستقطب فيها الجماهير، كما أن تقديم بعض المحفزات المادية كانت تدفع باتجاه كثافة الحضور في المجلس من قبيل توزيع المقبلات والمأكولات في المجلس، وهذه الظاهرة ربما كان لها بعض الأثر في زيادة الكم من الحاضرين.
أما اليوم فان كثرة مشاغل الناس في البحث عن مصادر رزقها ولأوقات قد تتخللها فترات عقد المجالس سبب آخر في ضعف الحضور بعد السقوط، وكذلك قلة وسائل التعريف بمكان المجلس، بينما كان الحال في السابق مختلفا فقد كان عملية الإخبار عن المجلس تتناقله الألسن ويتم الحث على حضوره من قبل الجميع.
وأضاف: إني ادعوا القائمين على إحياء المجلس بابتكار أساليب جديدة في استقطاب الناس إلى مجالسهم ومنها على سبيل المثال إقامة المسابقات الدينية وتقديم جوائز رمزية إلى الفائزين فيها مما يشكل دافعا كبيرا ليس للحضور فقط وإنما للتثقف من خلال المطالعة أيضا.
أما السيد مالك محمد الموسوي فقد لخص الأسباب في ثلاثة أولها: أن المجالس وبسبب كونها محظورة في الجوامع وتحت المراقبة جعل الناس تتجه إلى المجالس التي تقام في الأماكن البعيدة عن أنظار السلطة ورغم قلتها كان الحضور يبدو متميزا وكثيفا، وأن استشعار الناس بوجود رغبة لدى الحكومة في طمس تلك الشعائر قد ولد عندهم الواعز الكبير لإحيائها حتى عند بعض من لم يكونوا متدينين أيضا في سبيل الحفاظ على القضية الحسينية.
أما السبب الثاني فهو انشغال الناس حاليا بالعمل لتوفير لقمة العيش الصعبة لعوائلها، وثالثا ظهور بعض الخطباء الجدد الذين لا تتوفر لديهم الثقافة العلمية والدينية كون طبيعة الناس في العراق تدعوهم إلى أتباع الخطيب المتمكن من طرح الشبهة ومعالجتها.
ونحن بدورنا نقول: ربما كانت هذه بعض الأسباب التي أدت إلى قلة الحضور في المجالس الحسينية، وربما كانت هناك أسباب غيرها وقد تكون أكثر منطقية والتي ندعو من الله تعالى زوالها عن صدور وأذهان الناس من اجل عودة المجالس الحسينية إلى ألقها الماضي في الحضور إليها، ولكي نكون مصداقا لأتباع أهل البيت(ع) الحقيقيين الذي كانوا يستشعرون وجود الزهراء (عليها السلام) في تلك المجالس، كما أنهم لا يريدون فقدان أدنى قدر من الخير والبركة التي تتنزل على تلك المجالس والتي كثرت الأخبار والروايات عنها، فتدعوا جميع المؤمنين إلى حضور المجالس دون النظر إلى مقدار الفائدة المادية والفكرية التي ستجنى من ذلك المجلس، لأنه مجلس مقدس لدى أهل البيت(ع) مهما كان لونه أو طعمه أو رائحته.
يحيى الفتلاوي
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- بدعم كامل من العتبة الحسينية المقدسة اجراء (1701) عملية جراحية خاصة ضمن برنامج الاستقدام والاخلاء الطبي