تشتكي المتسوّلات العراقيّات في مدينة الموصل شمال العراق، من المنافسة الشّرسة الّتي يواجهنها من طرف المتسوّلات السوريّات. وتقول المتسوّلات العراقيّات إنّ نظيراتهنّ السوريّات يعتمدن على مظهرهنّ الجميل لاستمالة قلوب العراقيّين في الشّارع.
أبدت "أمّ خديجة" الّتي تبلغ من العمر خمسين عاماً، وهي امرأة عراقيّة متسوّلة معروفة في شوارع مدينة الموصل، انزعاجها من انتشار المتسوّلات السوريّات في شوارع المدينة بشكل غير مسبوق، ما انعكس سلباً على ما تجنيه يوميّاً "أمّ خديجة" الّتي انخفضت مداخيلها من 50 ألف دينار يوميّاً إلى 10 آلاف دينار عراقيّ.
وقالت "أم خديجة"، الّتي تقضي معظم وقتها في التسوّل في الشّارع الرّئيس لمنطقة النبي يونس في الجهة اليسرى لمدينة الموصل الشماليّة، لوكالة الأنباء الألمانيّة: "المتسوّلات السوريّات المهاجرات هنّ السبب الرّئيس في قطع أرزاقنا في الشّوارع والأزقّة بالموصل، ويحقّقن يوميّاً مبالغ طائلة، ما انعكس سلباً وأثّر في إيراداتنا الّتي كنّ نكسبها بمعدّل 50 ألف دينار يوميّاً. أمّا اليوم، فقد انخفضت إلى 10 آلاف دينار يوميّاً". وأضافت المتسوّلة العراقية أنّ النّساء السوريّات، وغالبيتهنّ من الفتيات، انتشرن بشكل كبير في التقاطعات المروريّة، وأصبحن من اللاتي يكسبن أموالاً كثيرة، بعد أن أزحن كثيرات من المتسوّلات العراقيّات، بسبب شكلهن في استمالة الأشخاص".
وكان نحو 100 ألف سوري فرّوا إلى العراق بعد اتّساع رقعة العنف والاضطرابات في سوريا. وأقيمت لهم مخيّمات في مناطق محاذية للحدود السوريّة مع العراق في كلّ من كردستان والموصل والأنبار، فيما فضّل آخرون الاندماج في عدد من المدن العراقيّة. وتقدّم الحكومة العراقيّة ومكاتب المرجعيّات الشيعيّة ومنظّمة الهلال الأحمر ومنظّمات أخرى وميسورون المساعدة للنّازحين السوريّين.
ودعت "أمّ خديجة" الجهات العراقيّة إلى إخراج المتسوّلات السوريّات، "لأنهنّ السّبب في قطع أرزاقنا". وقالت متسوّلة عراقيّة أخرى تدعى نبيلة (58 عاماً)، وأمّ لأربع فتيات، تمارس التسوّل منذ 10 سنوات في منطقة الدوّاسة بالموصل لـ "د ب أ": "إنّ اثنتين من بناتي يمارسن التسوّل، ولجأن إلى تقليد السوريات من أجل منافستهن حيث اللاتي انتشرن في الشّوارع بشكل كبير". وأضافت أنّ "المتسوّلات السوريّات ينزلن إلى الشّارع بملابس جميلة لإثارة الطّرف الآخر. لهذا استطعن بفنونهنّ إزاحة أكبر عدد من المتسوّلات". وذكرت نبيلة أنّ "رجال المرور والشّرطة المنتشرين في الشّارع يوميّاً، لهم مواقف لإنهاء حالات العراك بين المتسوّلات السوريّات والعراقيّات، لكنّي أرى أنّ السوريّة أصبحت تسيطر على الشّارع ".
وقال علي إدريس، وهو مواطن عراقيّ: "علينا مساعدة المواطنين السوريّين ومنحهم كلّ أشكال المساعدة، لأنّهم شعب يتعرّض للاضطهاد، وظروفهم قاسية جدّاً تدفعهم إلى النزوح الجماعيّ، إذ إنَّ أغلبهم لا يملكون المال لشراء رغيف". وأضاف: "بالتّأكيد نحن لا نشجّع التسوّل، لأنّه مهنة الرّبح الذّليل، وعلى جميع العراقيّين مساعدة المهجّرين السوريّين وتقديم يد العون لهم، إلى أن يفرّج الله عن كربهم ويعودوا إلى بلادهم آمنين محترمين أعزّاء".
وقالت متسوّلة سوريّة فضّلت عدم ذكر اسمها: "إنّ الشّعب العراقيّ شعب نبيل، وساعد السوريّين والسوريّات في أشدّ الظّروف". وأضافت: "نحن نتعرّض يوميّاً للضّرب من قبل المتسوّلات العراقيّات، كونهنّ لا يردن منافسة الآخرين لهنّ في هذه المهنة الّتي دفعتنا إليها مرارة الظّروف القاسية، ولا سيَّما أنَّنا تركنا في بلدنا أموالنا وملابسنا ومنازلنا، وغادرنا تحت ضغط الانفجارات في مشهدٍ لا يمكن نسيانه".
وتتصاعد دعوات المراجع الشيعيّة والسنيّة على حدّ سواء، للعراقيّين باستمرار احتضان أشقّائهم اللاجئين من سوريا، وتقديم كلّ وسائل العون والدّعم لهم، ليتجاوزوا المعاناة النّاتجة من جرّاء ترك بلادهم وأموالهم بسبب القتال الدّائر حاليّاً منذ أكثر من سنتين.
وقال الشّيخ محسن الحبّار، إمام وخطيب جامع النّوري الكبير في مدينة الموصل: " نحن لا نشجّع التسوّل لجميع البشر، لكنّنا نرى أنّ الصّدقة الجارية أوّلاً يجب منحها للمهجّرين الّذين تركوا منازلهم وبلادهم مرغمين". وأضاف أنّ "أشقّاءنا السوريّين هم أوّل من فتح للعراقيّين بيوتهم وبلدهم، واستقبلوا ملايين العراقيّين الّذين فرّوا في الأعوام السّابقة على خلفيّة أعمال العنف والتّهديدات بالقتل، وعلينا اليوم ردّ الجميل". ودعا إمام الجامع الكبير "جميع العائلات العراقيّة الميسورة إلى تقديم العون والمساعدة لأشقّائهم السوريّين المهجّرين..." .
وتعليق..
ينظر الكثيرون بسلبيّة إلى تعليل المتسوّلين بأنّ ظروف الحاجة والفقر الّتي يعيشونها تدفعهم إلى ممارسة التسوّل لتأمين حاجاتهم، ما يدفعهم إلى العيش مثل الفطريّات عالةً على غيرهم. إلا أنّهم يستدركون: ولكنّ هناك فرقاً بين التسوّل عن حاجة، وبين اتخاذه مهنةً للعيش على الدّوام، وهذا ما لا يتّفق مع طبيعة الإنسان في سعيه لتحصيل رزقه بسعيه وجهده.
يعتبر الكدح من أجل تحصيل المعاش من الأعمال الجليلة الممدوحة، فهو ضرورة طبيعيّة لازمة لقيام الإنسان بحاجاته، ونهوض المجتمع بوظيفته في إعمار الأرض وإشاعة الكرامة والعدالة فيها، وهو ـ كذلك ـ ضرورة إنسانيّة شخصيّة، لما له من دور فاعل في تحريك القابليّات الفكريّة والنّفسيّة والجسديّة للفرد، إذ يضفي عليه سعادةً استثنائيّةً وصحّةً مونّقة.
وإذا كان الإسلام دين الفطرة الّذي وازن بين حاجات الرّوح والجسد، وبين الدّنيا والآخرة، فإنّه لا غرو أن يحثّ الإنسان على العمل والكدح من أجل معاشه، فيعتبره كالجهاد في سبيل الله تعالى في الفضل والثّواب، فقد رُوِيَ عن الإمام الكاظم(ع) أنّه قال: "مَنْ طلب هذا الرّزق من حِلِّه، ليعودَ به على نفسه وعياله، كان كالمجاهد في سبيل الله"، كذلك فإنَّه أفضل العبادة، ففي الحديث عن النبيّ(ص) أنَّه قال: "العبادة سبعون جزءاً، أفضلها طلب الحلال"؛ وهو مضافاً إلى آثاره الدّنيويّة، له آثار أخرويّة باهرة، ففي الحديث عن النبيّ(ص) أنّه قال: "من بات كالاًّ من طلب الحلال، بات مغفوراً له".
وفي مقابل ذلك، شدّد الإسلام النّكير على البطّالين المتكاسلين عن طلب المعاش، سواء عن زهد في الدّنيا، أو توهّماً منهم بأنّ الرّزق ينزل بدون سعيٍ، اتّكالاً منهم على جود الله تعالى وكرمه، ففي الحديث أنّ الإمام الصّادق(ع) سأل عن رجل، فقيل له: "إنّه جليس بيته يعبد الله ويقوته بعض أخوانه"، فقال(ع): "والله، للّذي يقوته أشدّ عبادة منه". وفي الحديث عنه(ع) قال: "إنّي لأبغض الرّجل فاغراً فاه إلى ربّه، فيقول ارزقني، ويترك الطّلب"، وفي بعض الأحاديث، أنّ تارك العمل والسّعي في رزقه ممن لا يستجاب لهم، وفي بعضها النّهي عن ترك طلب الرّزق ولو وقت الحرب.
ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل إنّه في أصل النّظر وابتدائه، من الواجبات الكفائيّة الّتي لا بدَّ من قيام النّاس بها، فإذا تأدّى الوجوب ووُجِد ما يكفي النّاس من أنواع الحرف الضّروريّة وسبل العيش المهمّة، صار الاشتغال مستحبّاً، ثم حيث يضعف جانب منه وتشتدّ الحاجة وتدعو الضّرورة إليه، يصبح واجباً على نحو الكفاية، كما في مهنة الطّبّ أو النّجارة أو غيرهما مما يختلف أمره باختلاف المجتمعات والظّروف.[بيّنات- مبحث فضل التكسّب وآدابه].
مصدر التّحقيق الأصليّ: موقع دوتشيه فيليه الألماني
أقرأ ايضاً
- وسط دمار مدينة النبطية :مساعدات العتبة الحسينية الطبية والغذائية تصل مستشفى نبيه بري الحكومي(فيديو)
- مستقبل أخضر.. جهود لمكافحة التصحر بزراعة 15 ألف شجرة في الموصل
- "فسطاط" تحدده المصادر التاريخية.. اين تقع خيمة حرب الامام الحسين في معركة الطف؟