اندثرت الصناعات العسكرية العراقية منذ لحظة سقوط النظام السابق في العام 2003 بعد أن تم تدمير عشرات المصانع المحلية وتسريح آلاف الموظفين فيها، وبات العراق يعتمد بشكل كلي على الاستيراد بالنسبة لاحتياجاته الأمنية بل وحتى الزراعية وغيرها من المجالات، وبعد التعافي والاستقرار النسبي توجهت الحكومات المتعاقبة نحو تنشيط هذه المعامل بشكل تدريجي حيث تم صناعة مسدس بابل وغيره من الأدوات العسكرية.
ويوم أمس الأول السبت، افتتح القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، عددا من المصانع والمعامل لإنتاج العتاد الخفيف وقنابر الهاون في زيارة أجراها إلى هيئة التصنيع الحربي في العاصمة بغداد.
وبهذا الصدد، يقول الخبير الأمني عماد علو، إن “هذه المعامل هي خطوة جيدة ومطلوبة على صعيد استقلالية القرار السياسي وامتلاك صناعة حربية تلبي بعض الحاجات الأمنية وتحد من تسرب العملة الصعبة من أجل شراء الأسلحة ولحين الوصول إلى الاكتفاء الذاتي بالنسبة لبعض أنواع القذائف والأعتدة التي يمكن صناعتها في العراق”.
ويضيف أن “العراق يمتلك تاريخا كبيرا في التصنيع الحربي وهناك العديد من الكوادر والعلماء والإمكانات الصناعية التي تمكن البلاد من ولوج هذه الصناعة التي باتت مجالا استثماريا كبيرا”.
ويبين أن “إشراك القطاع الخاص في هذه الصناعة سوف يفتح الأبواب أما دخول التكنولوجيا الحديثة وتطوير الصناعات الحربية والارتقاء بمستوياتها لتنافس الصناعات في الدول الإقليمية التي باتت تصدر منها مثل إيران وتركيا وقطر وغيرها”.
ويشير علو إلى أن “النقطة الأساسية في هذا الملف حتى لا يكون حبرا على ورق، هي أن على الأجهزة الأمنية بكل صنوفها أن تقتني منتجات هيئة التصنيع الحربي حتى تستمر هذه الصناعات في التطور والارتقاء لتلبية الحاجات المحلية في الميدان العراقي واكتشاف نقاط الضعف ومن ثم تلافيها لتكون ملبية لقواتنا الأمنية”.
وكان رئيس هيئة التصنيع الحربي محمد صاحب الدراجي، أعلن في أوقات سابقة عن إنتاج مدفع “التحدي” عيار 22 ملم، بعد أن تم إنتاج مسدس “بابل”، الشبيه بمسدس “طارق” السابق.
وفي السياق، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية محمد الشمري، أن “متابعة عقود التسليح ومصانع التصنيع الحربي وما تنتجه وجميع القضايا التي تتعلق فيه بشكل كامل، سواء التي أبرمت في السابق أو مستقبلا هي من واجبات مجلس النواب وتحديدا اللجنة الأمنية”.
ويتابع “شخصنا ملفات فساد كثيرة وتوجد في اللجنة الأمنية أيضا العديد من الملفات الخاصة بعقود التسليح، وستتم بعض الاستدعاءات لشخصيات ومسؤولين في هذا النطاق”.
ويوضح الشمري أن “هذه الخطوة إذا تطورت ونمت وتمت توسعتها من قبل الحكومة فيمكن أن نصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي مستقبلا في إنتاج الأسلحة والأعتدة”.
يذكر أن العراق أسس في العام 2015 شركة الصناعات الحربية، التي اتخذت من المنطقة الصناعية في الإسكندرية جنوب بغداد مقرا لها، وذلك بعد اجتياح تنظيم داعش بعض المحافظات العراقية، وفي العام 2019، بدأت أولى الخطوات لاستعادة الإنتاج العسكري، تمثلت بمصادقة مجلس النواب على قانون هيئة الصناعات الحربية، الذي ألغاه الحاكم المدني بول بريمر عام 2003.
وكانت هيئة التصنيع العسكري تضم قبل سقوط النظام السابق نحو 33 شركة يعمل فيها نحو 47 ألف عامل، وتحولت ملكيتها إلى وزارات الصناعة والدفاع والمالية، قبل أن يعاد ربطها في العام 2020 بهيئة الصناعات الحربية.
ويرى الخبير الأمني عدنان الكناني، أن “التصنيع الحربي ضرورة قصوى لكل دولة في العالم تحترم سيادتها إلا أن بعض الدول أرادت للعراق عدم امتلاك نوعيات معينة من الأسلحة، فالكويت وإقليم كردستان لديهما فوبيا من امتلاك العراق للأسلحة حيث يعتقد هؤلاء أن الاعتداءات التي شنها النظام السابق ستعود مجددا مع امتلاك العراق للأسلحة”.
ويشدد “قواتنا بالإمكانيات الموجودة لديها تستطيع فقط أن تكافح الشغب أو تتعامل مع جرائم داخلية وبالنسبة لقدراتها القتالية على الحدود أو مجابهة قوات مجهزة فهي لا تستطيع، والدليل على ذلك هو تنظيم داعش حينما اجتاح أرضنا كانوا بأعداد بسيطة لكنهم استطاعوا أن يقهروا قواتنا وهذا أبسط اختبار، كما أن قواتنا لا تستطيع الآن الوقوف بوجه الجيش التركي ومنعه من التوغل”.
ويشير إلى أن “هذه الصناعات قد تشكل نسبة قليلة جدا في حال شنت حربا على أرض العراق كما أنها لا تمكننا من المحافظة على حدود بلدنا، والحكومة العراقية الآن تستطيع الذهاب نحو تصنيع الطائرات المسيرة التي باتت سلاح العصر، كما نحتاج إلى أسلحة باليستية وهي أكثر ضرورة من القنابر والأعتدة الخفيفة”.
جدير بالذكر، أن الحاكم المدني للعراق بول بريمر، الذي تولى السلطة في العراق بعد سقوط النظام السابق، أصدر عشرات القرارات، وبعضها كان يتعلق بحلّ المنشآت التابعة للنظام السابق، فضلا عن تأسيس منشآت وهيئات جديدة، وما تزال قراراته لغاية الآن فاعلة، وما جرى تعديله من قبل البرلمان بسيط جدا.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟