بات المرجفون وتجار التقول على الشرفاء الوطنيين في كل واد يهيمون وعلى كل مرتع يتسكعون، ولعل أهم خصلة يتصفون بها اتهام الآخرين وقذف المؤمنين والتقول عنهم لغاية خبيثة يستبطنوها ولأجندة خارجية يسوقونها، وطالما غمسوا ضمائرهم بقيح الباطل يلمعون صورته طمعا بالجائزة التي ربما تنقلب وبالا عليهم وهم لا يفقهون، ولعل أكثر أعضاء الإنسان شغلاً باتهام الآخرين لأغراض سياسية أو شخصية هو اللسان أو القلم؛ فهو لا يكف عن التهجم والتسقيط والتقول والتهريج لغايات هي في الأغلب يعتورها الكثير من الريبة والخبث في السرائر والرغائب والمعطيات، ومن هنا جاءت أهمية آداب اللسان والكتابة والعناية بهما، والتي من بينها التثبّت فيما يُقال أو يُنقل أو يكتب.
وواقع الناس اليوم يشهد تساهلاً مُفرِطاً في نقل ما يسمعون من أحكام وفتاوى وأخبار وأحداث سواء تعلّقت بعلماء الدين أو زعماء ومشاهير أو عامة الناس وكلما كثر جهل المتحدث وقل ورعه كان أشدّ وأجرأ في هذا المضمار، وكلما كان المفترى عليه عظيما كان جرم المفتري أشد والآثار المترتبة على الفرية أكبر، يقول تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً). [سورة الإسراء:36].
ويندرج تحت الآية كل معنى يدل على قول ما لا علم للإنسان به، فلا يَرْم الإنسان غيره بما ليس له به علم ولا يقول: رأيت ولم ير ولا سمعت ولم يسمع ولا يشهد الزور، ومنهج القرآن والعترة الطاهرة في التثبّت أعظم منهج وأحكم طريق؛ قال تعالى (قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). [سورة البقرة:118]. وجاء في الأحاديث الشريفة ( كذّب سمعك وبصرك وصدّق أخاك المؤمن).
وخصّ الله بذلك القوم الذين يوقنون؛ لأنهم أهل التثبّت في الأمور، والطالبون معرفة حقائق الأشياء على يقين وصحّة، فهؤلاء المنتفعون بالبيان الذين لا يجرون وراء الشكوك، ولا يأخذون بالتقولات وإنما يبحثون عن اليقين،
وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). [الحجرات:6]. والتبيين: تطلّب البيان وهو ظهور الأمر، والتثبّت التحري وتطلّب الثبات، وهو الصدق، والآية أصل في الشهادة والرواية والنقل ورعاية حال الناقل وعدم الاسترسال وراء الشائعات والظنون والأوهام، وهي أصل في وجوب التثبّت وألاّ يتتبّع السامع القيل والقال ولا ينصاع إلى الوقوع في المزالق بسبب التسرّع أو تصديق ما لا حقيقة له.
فخبر الفاسق ومن ضمنه ما تسوقه بعض الفضائيات والمواقع الالكترونية يكون داعياّ إلى التتبّع والتثبّت، ولا يصلح لأن يكون مستنداً للحكم بحال من الأحوال وإنما كان الفاسق معرّضاً خبره للريبة والاختلاق؛ لأن الفاسق ضعيف الوازع الديني في نفسه وضعف الوازع يجرّءه على الاستخفاف بالمحظور وبما يخبر به مما يترتب عليه إضرار بالغير أو بالصالح العام.
وعلّة التثبّت هي: (أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ) فربما سمع السامع كلمة ونشرها في المجالس والمحافل والمنتديات وصفحات الإنترنت، ثم تبيّن له بعدُ أن صاحبها بريء؛ فيندم على وقوعه في المحظور وما لا يمكن تداركه ولذلك كانت الكلمة كالرصاصة إذا انطلقت لا يمكن إرجاعها.
وفي هذا السياق طالب سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي خطيب جمعة كربلاء المقدسة وممثل المرجعية الدينية العليا فيها في خطبة صلاة الجمعة في 21/11/2008م الجميع توخي الحذر وطلب اليقين في جميع الأخبار لاسيما ما يتعلق بها بالمرجعية لخطورتها وما يترتب عليها من مواقف مصيرية تمس البلاد والعباد في صميم علاقاتهم في الدين والمجتمع، ومما تذكره بعض وسائل الإعلام بشأن بيانات المرجعية الدينية العليا تقولات تسبقها (صرح مصدر مقرب وغير ذلك من التعابير) وأضاف إلى ضرورة وجوب التحقق من أن أي بيان منسوب لابد أن يكون صادرا من مكتب سماحة السيد المرجع ومختوم بختمه المبارك أو بختم المكتب، حيث لا يمكن التعويل على غيره لأنه لا يستوفي الدقة في نقل الحقيقة التي هي من مصاديق الإعلام الملتزم.
وغالبا ما تكون الدوافع في الأقاويل المنسوبة لشخصيات دينية ووطنية مهمة كالمرجع الأعلى هي دوافع سياسية الغرض منها التصيد بالماء العكر وتنفيذ أجندات حزبية وطائفية وإقليمية من خلال فبركة بعض الأخبار وتلفيقها ونسبتها إلى مكتب سماحته وهي لا تنطلي بحال من الأحوال على أهل الخبرة والإختصاص ربما ينخدع بها مؤقتا الناس البسطاء أو الذين في قلوبهم مرض، ولكنه سرعان ما تنكشف الحقيقة للعيان وتنقشع أكاذيب الأفاكين بنصوع الحقيقة التي لا يمكن حجبها بتضليل المضلين.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- المرجعية الدينية.. مشاريع رائدة وطموحات واعدة