- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
موقف المرجعية العليا من الانتخابات والكيانات والرموز الدينية
في انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراءها نهاية السنة الحالية، ما رأيك ننتخب أم لا ننتخب؟ المسؤولية الملقاة علينا في انتخاب الحكم الذي يحفظ كرامتنا والأشخاص الذين يصونون حقوقنا تصرخ فينا انتخبوا الأكفأ والأنزه بعيدا عن المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية والإثنية، ومن جانب آخر تردي الخدمات وسوء الإدارة وتفشي الرشى والروتين الإداري والفساد المالي والتلكؤ في تنفيذ المشاريع ولاسيما الإستراتيجية منها وعدم تنفيذ الكثير من الوعود التي أطلقها مرشحو الانتخابات السابقة، تحبط فينا عزائم المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، وبات المواطن محتارا بين خيارين لا ثالث لهما ينتخب أم لا ينتخب؟!
ربما يؤدي وصول عناصر غير كفوءة إلى سدة المسؤولية التشريعية أو التنفيذية إلى حرمان البلد والمدينة من العطاء والخدمة التي يمكن أن يقدمها من هو أكفأ وأكثر نزاهة وإخلاصا، وسيؤدي ذلك إلى زعزعة ثقة المواطن بآلية الانتخابات، إذ يرى أنها لم توصل تلك العناصر التي كان يأمل وصولها، بينما كان أمله أن الانتخابات هي التي ستوفر له هذه الفرصة.
ولكي لا يكون ثمة تقاطع بين تحقيق رغبة المواطن والمشاركة في الانتخابات لابد من تجنب أية آلية أو صيغة تؤدي إلى تقييد المواطن بحيث يضطر إلى اختيار وانتخاب شخص يرى أنه هناك من هو أفضل وأكفأ منه، وإمكانية تحقق هذا الأمر بالقائمة المفتوحة متاحة أكثر مما في القائمة المغلقة، وفي المرات السابقة كانت الآلية والصيغة هو إتبّاع نظام القائمة المغلقة ... وهذا جعل المواطن يختار أفراد تلك القائمة وربما يرى أن البعض منهم لا يصلح أصلاً لتمثيله في مجلس المحافظة أو يرى من هو أكفأ منه وأجدر، وعليه إذا لم تكن الصيغة والآلية تسمح للمواطن بحرية الاختيار وإعطاء فسحة واسعة له في ذلك فإنه لمثل هذه الآلية آثاراً سلبية.
واعتماد القائمة المفتوحة هو إشعار المواطن ألا يكون لديه شعور بأنه لا ثمرة ولا فائدة من المشاركة في هذه الانتخابات أو الانتخابات القادمة لمجلس النواب، حيث أن البعض ممن لديه هذا الشعور قد يعزف عن المشاركة في الانتخابات بسبب القصور الحاصل من الأداء الحكومي أو أداء مجلس النواب عن تحقيق طموحاته وآماله، من عدم توفر الخدمات وعدم توفر فرص العمل.
إن البعض ينتابه حالة عزوف أو عدم اكتراث بشأن ما يتعلق بالانتخابات القادمة، نحن نوافق هؤلاء في المعاناة التي يمرون بها ولكن لا نوافقهم على ما يترتب عليه موقفهم من نتائج وخيمة، ليس من الصحيح عزوف مجموعة عن المشاركة بحجة أن مجالس المحافظات لم تستطع تحقيق الشيء الكثير من شعاراتها، من قبيل تشغيل الأيدي العاملة وتقديم الخدمات المطلوبة وغيرها من الوعود التي قطعتها على نفسها سابقا، وهي أسباب عند البعض داعية للعزوف عن المشاركة في الانتخابات، وهذا غير صحيح لان عزوف المواطنين عن المشاركة وكما أسلفنا سيعطي مجالا للعناصر السيئة الوصول إلى مجالس المحافظات، وهي ستضر بالتالي في مصلحة الشعب والوطن.
شاركنا في الانتخابات أم لم نشارك، فأن مقاعد مجالس المحافظات ومجلس النواب لابد أن تملأ ولا يمكن أن تترك فارغة، وإذا لم يصل إليها من هو أفضل من غيره – وإن كان دون مستوى الطموح والأماني – فستملأ بعناصر سيئة وفاسدة وبالتالي نقع في شر أعظم، وهذا يستدعي أن نبحث في أسباب عدم تحقيق طموحات وآمال الناس .. هل هي لأسباب خارجة عن إرادة الناخب أم لخلل موجود في القانون أم لخروقات تحدث هنا أو هناك؟!
عندما نريد أن نتعامل مع أمر ما فإننا نواجه حالتين، هناك حالة بحاجة إلى عمق وهناك تعامل مع المدلول السطحي للأشياء، مسألة الانتخابات من النوع الأول حيث أن البلد يمر بحالات صعبة ويجب أن نصنع مستقبله بأنفسنا، هناك فرق واسع بين النظام البائد وما شهده من قتل وتدمير وتشريد وبينما نعيشه الآن من مرحلة جديدة تشوبها الفوضى، وهذا بحاجة إلى وقت، ومن غير المعقول إصلاح أنفسنا في فترة زمنية قصيرة، وللتعامل مع مسألة المشاركة في الانتخابات ينبغي إن نلاحظ الأمور الثلاثة التالية:
أولا: نتيجة خوض العراق التجربة الديمقراطية فانه قد دخل في ظروف قاسية جدا والذي له دراية في التاريخ يقف على أن الإنسان ينبغي عليه تخطي الصعاب لبلوغ أهدافه، وهذه الأمور تعطي زخما للمواطن العراقي تحثه على أن لا يعزف عن المشاركة في الانتخابات لمجرد وجود ظروف قاسية.
ثانيا: دور المرجعية دور الأبوة وهي لا تدعم شخصا أو قائمة معينة بذاتها، فالمرجعية تقف إزاء كل الكيانات بمسافة واحدة، هذا ما أكد عليه وكلاء المرجعية في أكثر من مناسبة.
ثالثا: دور الناخب لا يتعدى احد احتمالات ثلاثة لا رابعة لها، إما أن نحصل على مجلس ممتاز تتوفر فيه كل الإمكانات للشعب، وإما أن نحصل على مجلس غير جيد ولكنه غير سيء، وإما أن نحصل على مجلس غير جيد وسيء، ولا يوجد احتمال رابع، وإذا ما دار الأمر أمام المكلف في هذه الاحتمالات فالعاقل ينتخب الاحتمال الأول وإذا لم يحصل ينتخب الثاني، أما الثالث لا يمكن أن نفكر به فهو من ضمن الاحتمالات التي ينبغي أن تترك، بعض الأمور بحاجة إلى روية وتفكر وتدبر وهي غير خاضعة لردة فعل ولا هي خاضعة للمساومة واللامبالاة، حيث أنها أمور مصيرية لابد أن نشارك فيها ولابد أن ندقق الاختيار خوفا من الوقوع في المحذور الثالث.
وذكر سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي ممثل المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف في إحدى خطب الجمعة \"أن هناك بعض الأشخاص أو الأحزاب يرون أنفسهم أنهم على خط المرجعية وحينما يرشحون للانتخابات، هذا لا يعني أن المرجعية تتبنى هذه القائمة أو ذلك الشخص، وان وظيفة المرجعية هي حث المخلصين من أبناء الشعب أن يرشحوا أنفسهم في مجالس المحافظات، بعض وسائل الإعلام تذكر أن بعض ممثلي المرجعية لهم قوائم معينة.... هذا ليس بصحيح، نحن وظيفتنا أن نشجع عقلاء القوم الذين تتوفر فيهم الإدارة والنزاهة والإخلاص والولاء لشعبهم ووطنهم أن يرشحوا أنفسهم في انتخاب مجالس المحافظات، وفي الوقت نفسه نشجع المواطن على المشاركة في الانتخابات بمقتضى المسؤولية الشرعية والوطنية، وان تكون المشاركة واسعة ينتخبون من خلالها من تتوفر فيه النزاهة والكفاءة، والعزوف عن المشاركة يعني تصدي الجهات الفاسدة لتبوء المقاعد الرئيسية في البلاد، وعليه ينبغي أن يكون دقة في حسن اختيار القائمة والأفراد\".
وفي هذا الصدد نشرت جريدة الأحرار الصادرة عن قسم الإعلام في العتبة الحسينية المقدسة في عددها (125) - الصادر في 16جمادي الأول 1429هـ ـ فتوى لمكتب سماحة الإمام السيستاني حفظه الله في النجف الأشرف يبين امتعاضه وعدم رضاه من الأشخاص والأحزاب الذين يتاجرون بصوره لأغراض شتى من بينها الانتخابات، نورد نص الاستفتاء والجواب عليه لكي نضع النقاط على الحروف بشأن طرح الرموز الدينية التي هي بالأساس تقف إزاء الجميع بمسافة واحدة ولا تؤيد أشخاصا بالعين وإنما تؤكد على الثوابت الوطنية التي تحفظ مصالح الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والقومية والإثنية، حتى نقل عن بعض المراجع من عدم ممانعتهم لتبوأ مسيحي لسدة الحكم في العراق المسلم شريطة تحقيق العدالة...
س- هناك ظاهرة بدأت بالانتشار وهي نصب صور سماحة السيد حفظه الله على جدران الدوائر الرسمية والمدارس الحكومية ونحوها، ما هو نظركم بشأنها؟
ج: إن سماحة السيد – دام ظله – لا يرضى بذلك أبداً والمرجو من محبيه الكفّ عن مثل هذه الممارسات.
وهذه الفتوى وإن كانت لا تخص الانتخابات، بيد أن العموم فيها يشمل الانتخابات وغيرها، ولهذا فإن الإمام السيستاني وعن لسان مكتبه في النجف الأشرف ووكلائه في باقي المحافظات بأنه ومنذ سقوط النظام البائد حتى هذه اللحظة كانت خطاباتهم عامة تدافع عن الجميع وتتوخى تطبيق العدالة في توزيع السلطة والثروة حسبما تقتضيه الكفاءة والنزاهة، ولا نتذكر طيلة هذه الفترة أنها خصت شخصا أو حزبا أو تيارا أو مذهبا بالمدح والإطراء ولاسيما ما يخص الانتخابات، وبطبيعة الحال أنه لن يقبل أن تقوم أية جهة باستخدام اسمه أو رأيه أو صورته بأي شكل من الأشكال للترويج في أثناء الانتخابات السابقة أو المقبلة.
على الناخب أن يضع نصب عينيه عند الإدلاء بصوته في انتخاب القائمة أو الشخصية التي يروم انتخابها: الإخلاص والكفاءة والنزاهة والحرص على خدمة المواطن، وهذه المسألة مهمة ولا ينبغي المرور عليها مرور الكرام، بل لابد أن يبذل الجهد الكافي في البحث والاستقصاء هل تتوفر هذه الأمور الجوهرية في تلك الشخصية أو تلك الجهة، هذه مسؤولية المواطنين ينبغي تأديتها على أفضل وجه، وتبقى المسؤولية الدينية والوطنية على عاتق موكليهم فإنهم ينبغي تحمل هذه الأمانة بكل إخلاص في سبيل خدمة المواطن والوطن، ولابد أن يتضمن القانون الجديد نزاهة وشفافية الانتخابات وان يحفز المواطن لكي يشارك في الانتخابات، وهذه مجموعة من النقاط التي تسهم في إنجاح العملية على المستويين الرسمي والشعبي، وكذلك الموانع التي تقف حجر عثرة أمام ديمومة عجلة النظام الديمقراطي الفتي الذي يشهده العراق الجديد بعيد سقوط النظام البائد:
*نأمل من الجهات الرسمية تهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات وردم المعوقات الموجودة في سن قانون الانتخابات، وتوفير الميزانية المخصصة للمفوضية العامة للانتخابات.
* هناك بعض الكيانات تعمل على أن لا تجرى الانتخابات في وقتها المحدد وتضع العراقيل لتأجيلها، فتارة يطرحون مشكلة كركوك وأخرى يجري الحديث عن القائمة المفتوحة أو المغلقة، وغيرها من الأمور التي تضعف رغبة الناس في المشاركة.
* ينبغي أن تجرى الانتخابات بحرية تامة من خلال مشاركة جميع الأطياف وتوسيع سعة الاختيار لدى الشعب.
* على جميع القوى السياسية والمواطنين المشاركة في الانتخابات وتفويت الفرصة لمن يتربص بهم سوءا.
* هناك مسؤولية ملقاة على الجميع في ضرورة المشاركة في الانتخابات، ومن هذا المنطلق فان الجميع مدعو لأداء هذه المسؤولية انطلاقا من التكليف الشرعي والوطني وعليهم الدقة في الاختيار.
* ربما يعتقد البعض أن هذه القائمة أو تلك الشخصية تستطيع أكثر من غيرها أن تخدم المواطن، عليه اختيارها من دون أن يلتفت إلى الدعايات أو الشائعات التي تصدر من هنا وهناك.
* إجراء الانتخابات وفق آلية وضوابط تضمن نزاهتها وشفافيتها وبصيغة تسمح للمواطن أن يكون له فسحة واسعة في اختيار من يراه مناسباً وكفوءا ونزيهاً ويعتقد أنه الذي يصلح لتمثيله في مجلس المحافظة.
* أن تكون الانتخابات بصيغة تحفِّز المواطن للمشاركة الواسعة فيها وتجنّب أي إجراء أو ضوابط تحدّ من هذه المشاركة للمهجرين وغيرهم.
* فتح المجال لجميع المكونات للمشاركة في هذه الانتخابات وليس من الصحيح استعمال أي أسلوب سواء أكان بالضغط أو غير ذلك من الأساليب التي تؤدي إلى حرمان بعض المكونات من المشاركة في هذه الانتخابات لأن مثل هذا الأمر سيشعر هذه المكونات وجماهيرها بحرمانها من حق أساسي من حقوقها والشعور بالتهميش والإقصاء وقد يؤدي إلى نتائج سلبية أكبر من النتائج السلبية فيما لو اشتركت في خوض هذه الانتخابات.
* أملنا من جميع الكتل السياسية أن تتخطى الخلافات فيما بينها والاتفاق على صيغة مقبولة تدفع من خلالها العناصر الكفوءة والمخلصة إلى مجالس المحافظات، لتحقق بذلك طموحات الشعب من تقديم الخدمات بشكل أفضل عن الماضي، ومن المعلوم أن الكثير من المواطنين يقولون أن المجالس السابقة لم يحققوا آمالنا وهم يأملون من الانتخابات القادمة أن تحقق لهم ما حرموا منه سابقا من تبوأ أناس كفوئين لكي يحققوا تطلعات هذا الشعب، من العيش في بلدهم بحرية وأمان وعز وتطور وازدهار.
دعوة المرجعية خالية البتة من الدوافع الطائفية والجهوية والحزبية، بل نراها بالعكس من ذلك مبتنية على رص الصفوف والوحدة الوطنية والوقوف بشكل حازم ضد جميع النعرات الطائفية وكل ما من شأنه أن يفرق الجمع ويبدد الشمل، وفيما يتعلق بالانتخابات فهي دائما تدعو العقلاء في أن يدخلوا حلبة التنافس، لأن تنافسهم هو تنافس أن يحسن اختيار الجهة التي تطور بلدهم، وبصراحة أن معظم محافظاتنا بحاجة إلى اعمار حقيقي وهي حاليا خارجة عن الخدمة، فإنها تحتاج إلى شبابية، تحتاج إلى حملة واسعة في كل مفاصل المحافظات سواء كانت الخدمية أو التطورية لاستقلال وتقدم العراق من شماله إلى جنوبه، والصلاحيات المزمع إعطائها إلى مجالس المحافظات يجب أن تستغل بالشكل الأمثل، هذا المقدار كاف أن يفكر الكل كيف يقدم الخدمة للمواطن والوطن، فإنه يتحقق بمجرد توجيه عام لعقلاء المحافظات والمجتمعات العراقية.
ومن المعلوم أن الناخب العراقي أصبح لديه خبرة كافية لانتخاب الأكثر نزاهة والأكثر كفاءة لإسداء الخدمة للمواطن والوطن، ولا يتحقق ذلك إلا بعد أن تجرى الانتخابات بشفافية ونزاهة ويعطى الناخب من خلالها الحرية الكاملة في انتخاب من يضمن حقوقه المشروعة، وحصول مثل هكذا انتخابات ليس صعب المنال وإنما بحاجة إلى أثقفة المشرع والناخب والمرشح، فالمشرع مطالب بتسريع سن القوانين التي تخدم الصالح العام بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية، والناخب ينبغي أن يكون على مستوى من المسؤولية لانتخاب من تتوفر فيه المواصفات التي تؤهله للخدمة بعيدا عن كل الميول الأخرى، والمرشح ينبغي أن ينأى بنفسه من استخدام الرموز الدينية والشعارات الفارغة البعيدة عن معاناة المواطن وما أكثرها، ليكن همه الأول والأخير تقديم البرنامج السياسي والاقتصادي والثقافي الذي يسعى من خلاله تقديم أفضل الخدمات للمواطن الكريم، والأخذ بيد العراق لإيصاله إلى شاطئ الاستقلال والأمن والتطور والازدهار، والبرنامج الناجح هو الذي يلمس المواطن مصداقيته حاضرا ومستقبلا وهو بلا شك أفضل من استخدام الصور والشعارات المخدرة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وفي الوقت نفسه نرى أن الذي يثير المشاعر المجردة في حملاته الانتخابية في الأعم الأغلب خالي الوفاض من أي مشروع حضاري للتغيير نحو مستقبل واعد، وهو مطمح كل عراقي غيور وشريف...
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات