- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل يرى الإرهابي نفسه محقا في قتله الأبرياء؟!!!
الحكمة الإلهية علم يبحث فيه عن أحوال الموجود بما هو موجود على وجه كلي وتمييزها مما ليس بموجود حقيقي، توضيح ذلك أن الإنسان يجد من نفسه أن لنفسه حقيقة وواقعية وراء نفسه وأن له أن يصيبها فلا يطلب شيئا من الأشياء ولا يقصده إلا من جهة أنه هو ذلك الشيء في الواقع ولا يهرب من شيء ولا يندفع عنه إلا لكونه هو ذلك الشيء في الحقيقة، فالطفل الذي يطلب الضرع مثلا إنما يطلب ما هو بحسب الواقع لبن لا ما هو بحسب التوهم والحسبان كذلك، والإنسان الذي يهرب من سبع إنما يهرب مما هو بحسب الحقيقة سبع لا بحسب التوهم والخرافة.
ونحن في هذه الأجواء المتلبدة قد التبس علينا الحق بالباطل وترانا بأمس الحاجة للتعرف على الحكمة الإلهية لتأخذ بأيدينا إلى شاطئ النجاة، فالدوافع الفكرية والثقافية التي تدفع الإنسان بالقيام بعمل ما هي التي تضفي على ذلك العمل الصبغة الشرعية والقانونية بغض النظر عن صحته من عدمه، فالمقاومة التي تدافع عن كرامة الأمة والأرض والدين تختلف عن الإرهاب الذي يبطش بالشعوب ويحصد الأبرياء بشكل عشوائي لأغراض حزبية أو طائفية ضيقة، بيد أن الأخير لا يقر على نفسه بالإرهاب بل يعتمد في أدبياته أنه يقاوم الإحتلال ويريد تخليص الأمة من التبعية والإذلال!! وقادة تنظيم القاعدة علنا يصرحون أن المصلحة الكبرى التي تكمن في إخراج المحتل من أفغانستان والعراق يسوغ لهم قتل الأطفال والنساء والشيوخ في الطرقات والأسواق والمدارس!!! فهل نقبل كلامهم أم أن في التشريع الإسلامي ضوابط وعلل ينبغي التعرف عليها حتى لا يختلط على الأمة الحابل بالنابل ولا يلتبس الحق بالباطل، ومن بين تلك الضوابط الحديث القائل: أعرف الحق تعرف أهله، كيف نتعرف إذن على الحق؟!
بكل بساطة الحق هو الصدق والوفاء وعمل الخير وكل ما من شأنه أن يحافظ على كرامة المجتمع وتطوره، والباطل هو عكس ذلك تماما، آليات العمل لتنفيذ أجندة الحق أو الباطل هي الإحياء أو القتل والصلاح أو الفساد كما بينه الله سبحانه تعالى في كتابه الكريم: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة : 32] فالإسلام قد احتاط بالدماء لما وهب الإنسان كرامة ومنزلة عظيمة في استخلاف الأرض واعمارها، فالذي يتجرأ على عملية قتل واحدة فلو أتيحت له الفرصة لكررها في قتل الناس جميعا، بينما الذي ينزع نحو الخير والمحبة وأنجى غريقا واحدا مثلا فلو تكرر له المشهد لرأيناه ينضح حبا للآخرين فكأنما أحيا الناس جميعا، فأهل الخير معروفون بتصرفاتهم الخارجية الموافقة للفطرة الصحيحة وأنهم يحاولون قدر الإمكان أن توافق أعمالهم مسلمات الدين وسيرة عظماءه، أما أهل الباطل فأعمالهم مخالفة لأبسط قواعد الدين وهي محل نفرة ليس للمسلمين فحسب بل للإنسانية برمتها.
فالإرهابي الذي يفجر نفسه وسط الأبرياء بذريعة الجهاد إنما هو في الحقيقة قد غرر به بواسطة علماء السوء وأوغلوا في رأسه أنه يتغذى أو يتعشى مع الرسول!! يا ترى هل أن عمله هذا يتناغم مع سيرة رسول الرحمة الذي كان يوصي حتى في الغزوات أن لا تقطعوا شجرة ولا تردموا بئرا ولا تروعوا شيخا كبيرا أو طفلا بريئا أو امرأة ضعيفة؟! فضلا عن أن الإسلام يخالف مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) التي تتقمصه عادة الأحزاب الدنيوية، وإنما يؤكد دائما على (الغاية المقدسة تبررها الوسائل المقدسة) وأنه يرفض رفضا قاطعا تمزيق أشلاء الأبرياء في الطرقات والأسواق ويرفض كذلك إراقة الدماء البريئة مهما كانت المسوغات والتبريرات والدوافع، لأنها مخالفة جملة وتفصيلا لما عليه المبدأ الإسلامي من الدعوة إلى التسامح والتعايش والأخوة ضمن حدود الحرية والكرامة الإنسانية.
نعم قد يجوز الفقهاء في ظروف مؤاتية القيام بعمليات عسكرية ضد القوات العسكرية الغازية وقوات الأنظمة الظالمة ويذهب بعض الضحايا من الأبرياء فإن أجرهم حينذاك يقع على الله، فالعدو هنا هو المستهدف أولا وبالذات بينما الخسائر البريئة تكون ثانيا وبالعرض، بخلافه عما يقوم به الإرهابيون فإنهم يستهدفون الأبرياء أولا وبالذات لغايات طائفية مقيتة وتتعاون بعض فصائلهم مع قوات الاحتلال وبعض الدول الإقليمية الطائفية لعرقلة الخيار الشعبي والوصول إلى السلطة ولكن بأخس أنواع الإجرام والإسفاف والسقوط، فشتان بين الحالتين...
وبعد هذا التوضيح فأنه ومن خلال معرفتنا لمقومات السعادة نتعرف على الذين يحاولون تطبيقها، واطلاعنا عن موجبات الشقاوة نتجنب أولئك الذين يحاولون تقمصها لأغراض دنيوية دنيئة، ومن المعلوم إن أغلى شيء في الوجود هو الحرية والكرامة التي ميز الله تعالى بها الإنسان عن سائر مخلوقاته، والإنسان الذي يريد الحفاظ على عزته ونجاته وسؤدده ينبغي أن يختار الطريق السوي الذي يحافظ على تلك الدرة المكنونة في الكون ألا وهي الحرية والكرامة، وأن يحطم جميع الكوابل التي تحاول أن تسلبه ذلك الحق الذي وهبه الله له: لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا... هذا كلامنا مع الذين يعتقدون بالحساب واليوم الآخر، بيد أنهم يغررون البسطاء من الناس ويعزفون على الوتر الديني والعقيدي لتسخير المغرر بهم لأهداف سلطوية ودنيوية دنيئة، وعادة الذين ينخدعون بأباطيل الذين يلبسون الحق بالباطل أصحاب العاهات الخلقية والأخلاقية وأصحاب الإرادات الضعيفة والأمراض النفسية... فهؤلاء قد باعوا دينهم بدنيا غيرهم وهم بئس العباد لأنهم خسروا الدنيا والآخرة لا لشيء إلا لكي ينغمس شياطين الأرض بملذاتهم ويتنعم غيرهم بما حرموهم منه لا أقل في الحياة الدنيا...
فالمغرر بهم هم الذين أخطأوا في نظرهم فرأوا ما ليس بحق حقا واقعا في الخارج ففجروا أجسادهم النتنة بأوساط الأبرياء أو اعتقدوا ما هو حقا واقعا في الخارج باطلا خرافيا كضرورة حقن الدماء البريئة، وللحيلولة دون انزلاق الإنسان إلى تلك الهاوية السحيقة من الإسفاف والانحطاط، نحن بحاجة بادئ ذي بدء إلى معرفة أحوال الموجود بما هو موجود الخاصة به ليميز بها ما هو موجود في الواقع وهو الحق مما ليس كذلك وهو الباطل حتى يكون عملنا مبرء للذمة وهو الذي يوصلنا إلى سبيل النجاة.
وهناك جملة من المفكرين والفلاسفة الغربيين يتصورون أن الإنسان هو ذلك الموجود المادي الذي أمامنا، وإذا مات انتهى كل شيء، ولكن الفلسفة الإسلامية تقول إن لهذا الإنسان مظهر حقيقة أخرى وراء البدن، تلك الحقيقة هي باقية إلى الأبد، وإنما هذا البدن يندثر ويكون أجزاء للنباتات والحيوانات، فالإنسان الذي نقول باق ولا يموت ويبعث مرادنا الحقيقة والروح التي لا تبلى وهي وراء هذا البدن الذي يتلبس بها يوم القيامة: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس : 79،78].
فالإسلام هو دين واقعي يتعامل مع الأمور الواقعية التي تحافظ على كرامة الإنسان وتكامله وسموه في الدنيا والآخرة، لذلك دائما يؤكد على الوفاء بالعهد وحفظ الأمانة والصدق في الحديث ويمقت الغدر والخيانة والكذب التي طالما يلجأ إليها أهل الدنيا، فهم يلهثون وراء سراب، والذين يتبعونهم يعيشون في الأوهام والترهات والتوافه، سرعانما ما تنقشع لهم الأمور ويتبين لهم زيف أهل الدنيا والهوى ولات حين مندم!! بينما الباحث عن أحوال الموجود بما هو موجود غايته تمييز الموجودات الحقيقية من غيرها، ومعرفة العلل العالية للوجود وبالأخص العلة الأولى التي هي منبع الخير والصواب وما عداها باطل وخراب، إذ إليها تنتهي سلسلة الموجودات وأسمائه الحسنى وصفاته العليا ألا وهو الله عز اسمه، لذلك جاء في الدعاء: اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك ضللت عن ديني، ولا تزال مقولة الرسول الأسوة تطرق مسامعنا: أدبني ربي فأحسن تأديبي... تحثنا على معرفة الرب المتعال للانتهال منه تعالى وفي نفس الوقت تدعونا لتجنب إغواء الشيطان وأتباعه وأذنابه وهم كثر موجودون في كل زمان و مكان، من باب تعرف الأشياء بأضدادها...
أقرأ ايضاً
- هل ماتت العروبه لديهم !!!
- هل يستحق المحكوم ظلما تعويضًا في القانون العراقي؟
- هل سيكون الردّ إيرانيّاً فقط ؟