القناع المقصود هنا ، هو الاسم المستعار الذي شاع اتخاذه كاسم بديل في الكتابات الانترنيتية تحديدا. وقد ارتداه مثقفون عراقيون كثر في هذه الايام حتى لفرط استخدامهم له يكاد اللسان يزل فيناديهم به بعد ان كشفت البعض منهم مفرداتهم وصيغهم اللغوية المفضلة وافكارهم وارهاصاتهم النفسية رغم (الزكزاكات) الاسلوبية التي يستخدمونها للتمويه واخذ القاريء نحو توقعات بعيدة عنهم.
ويقينا فان القناع هو نوع من الحماية للنفس من خلال اخفاء الشخصية خصوصا اذا ماكانت لغة الطلقة هي الرد المباشر على لغة الكلام لدى من لايتقبل قسوة وخز الكلمة المنتقدة ، الا ان الذين لبسوه اختلفت دوافعهم وغاياتهم فكانت لكل فئة منهم دوافع وغايات يتحدد مستواها الاخلاقي والثقافي من خلال مستوى الشخصيات نفسها
وهم في هذا ، وعلى ضوء اكثر من ثلاث سنوات من المتابعة ،وجدناهم يتمثلون بفئات خمس هي :
1- فئة صاحبت نفسها في كل تقلبات الظروف وافرازات المراحل فكان الثبات على مبادئها الخاصة سمة لم يؤثر عليها مد المغريات او جزرها ، وبقيت مقيمة الى جانب الحقيقة تنظر اليها بعينين صافيتين وتصف لونها بلاتزويقات اضافية . فكان دافع تسترها باسماء اخرى هو الحفاظ على النفس والخشية من خسارة الاصدقاء الذين كثيرا مارموهم بحجارة النقد .وهؤلاء امتازوا بالحفاظ على اخلاق المثقف لديهم فلم يتعرضوا للاشخاص وانما لافكارهم وافعالهم فقط.
2- فئة هيمن الخجل عليها او ربما الاستنكاف فصعب عليها ان تشترك مع من هم دونها في الشهرة والحضور الثقافي فترى اسماءها مندرجة مع اسمائهم بصفحة واحدة ، اضافة الى خوفها من النعت بالسذاجة حين تتطرق الى مواضيع حياتية خصوصا اذا كانت تلك المواضيع تدخل من ضمن اهتمامات العامة من الناس في نظر النخب المثقفة.
3- فئة اعتادت على اقتحام الحدود والدخول في المناطق الملتهبة سياسيا او المحرمة دينيا او تجاوز الخطوط الحمر والاقتراب من خصوصيات يحاسب عليها القانون والعرف وترفضها الاخلاق. وربما يعد هؤلاء هم الاكثر خشية على انفسهم خصوصا وان الهجومية القاسية هي التي تتسم بها طروحاتهم وهي هجومية لاتدع لاعصاب الاخر مجالا لكي تكون باردة لدى استقبالها مهما ضغط ذلك الاخر على نفسه.
4- فئة صعب عليها ان تتخلص من شخصياتها الشوارعية وبناء شخصيات رصينة مهذبة ، فطفقت تفرغ احقادها اللامبررة على الاخرين ، افرادا كانوا ام جماعات ، سياسيين ام مثقفين ، فتهاجمهم من خلال مقالات مشحونة بالضغينة والحقد ومصاغة بلغات تخلو من اللياقة الادبية والتهذيب مجسدة بذلك حقيقة دواخلها التي لم تتنظف من راوسب البيئة الاجتماعية التي انحدرت منها. والملاحظ على هذه الفئة انها تمتلك دوافع مصلحية صرف ، بدليل انها تستعير اسما جديدا عندما تقتضي الضرورة لكي تمدح في الغد من ذمته في هذا اليوم اذا ما وجدت في مادبته مايشبعها.
5- فئة لاعلاقة لها بالوسط الثقافي ، لكنها استغلت حالة التراشق اوالمعارك المقالاتية وماتحمله من ابتذال لايليق بالمثقفين ، فاستغلتها وطفقت تنتصر لهذا الكاتب على حساب ذلك معتمدة على الاسلوب الشائع (سكب الزيت على النار) وكل هدفها هو ان تحظى بساعة استمتاع في ردود الافعال المنفعلة وهذه الفئة بالذات شبيهة برواد مقاهي الكسل الذين لايجدون تسلية لهم سوى باثارة الاخرين.
ان هذه الفئات اعلاه ، رغم احقية بعضها باستخدام القناع ، لكنها كرست اسلوبا خطيرا في الثقافة العراقية يهدد مصداقيتها من جهة ، وقيمة المثقف الاعتبارية من جهة اخرى لدى العامة من الناس ، ذلك لان انكشاف هذا الامر لديهم يجعلهم يشككون بصحة كل موضوع مطروح ، حيث ان الشجاعة صفة اساسية من صفات المثقف كما يفترض العامة ، وان التخلي عنها يفقده اهميته واهمية مايكتبه او يصرح به . اضافة الى ان هذا التبرقع قد بدا يخلق مشاكل كثيرة بين المثقفين خصوصا عندما يقعون ضحية المصطادين بالماء العكر( ممن هم ضمن الفئة الرابعة والخامسة) ، حيث يصبح امر تبرئة النفس صعبا جدا ولاتنفع الردود المتوازنة والادلة والشواهد والقسم العظيم بمسح ماتصطبغ به النفس من الم ثم حقد خصوصا بين الاصدقاء.
نتمنى من المثقفين ان يواجهوا الشمس بوجوه خالية من اللثام ونتمنى من الظروف المختلفة ان تسمح لهم بذلك ..